بمشاعر يملؤها الحزن والألم شيع المصريون أمس جثمان الشاعر سيد حجاب، أحد أبرز شعراء العامية في العالم العربي، وووري جسده الثرى بمقابر الأسرة، بعد صلاة الجنازة بضاحية المعادي جنوب القاهرة. وغيب الموت الشاعر الراحل مساء أول من أمس بمستسقى المعادي العسكري عن عمر يناهز (76 عاما)، بعد صراع طويل مع المرض.
شارك في الجنازة عدد كبير من المثقفين والفنانين والكتاب، تقدمهم حلمي النمنم وزير الثقافة، وعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، والدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق وغيرهم. ونعى شريف إسماعيل رئيس الوزراء الشاعر الراحل، وثمن في بيان له، ما قدمه الراحل من إسهامات في مجالات الشعر والأدب والفنون، باعتباره أحد أبرز شعراء العامية المصرية، كما ثمن حرص الفقيد من خلال إبداعاته الشعرية على الانحياز لقضايا وطنه والتعبير عن هموم مجتمعه.
كما نعاه حلمي النمنم وزير الثقافة وقال في تصريحات له إن «حجاب من شعراء جيل الستينات، فقد صهرته في شبابه محنة 67. وجعلته منحازا للقضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية، فاستطاع أن يصوغ بكلماته، كل أحداث الوطن، ووجدناه حاضرا خلال ثورة 25 يناير، و30 يونيو (حزيران) كما أنه صاغ ديباجة الدستور المصري».
وأضاف أن «أشعار حجاب استطاعت أن تصل لكل إنسان مصري، حيث تغنى بها كبار الفنانين والمطربين، كما كتب الكثير من تترات المسلسلات، وهو ما جعل له شعبية كبيرة بين المثقفين والأميين».
ولد حجاب في 23 سبتمبر (أيلول) 1940 في مدينة المطرية الواقعة على ضفاف بحيرة المنزلة بمحافظة بالدقهلية، وتأثر بمناخ المدينة الخاص، وعالم البحر وحياة الصيادين، وكان والده المحب للزجل والشعر بمثابة المعلم الأول، وشجعه على تنمية موهبته الشعرية وصقلها بالعلم والدراسة. لكنه لم يكمل تعليمه في كلية الهندسة التي التحق بها بجامعة الإسكندرية.
وفي بواكير رحلته مع الشعر التقى الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في إحدى ندوات القاهرة وقدما معا بالتناوب برنامجا إذاعيا شهيرا بعنوان «بعد التحية والسلام»، ثم تعرف على أستاذه الشاعر الراحل صلاح جاهين، الذي أبدى حماسا شديدا له، وطبع له ديوان حجاب الأول والأشهر «صياد وجنية». وقدمه جاهين بمحبة خالصة للأوساط الأدبية والفنية، فبدأ يشق طريقه باقتدار للأعمال التلفزيونية والسينمائية فغنت له عفاف راضي وعبد المنعم مدبولي وصفاء أبو السعود، وتعاون مع فرقة الأصدقاء مع عمار الشريعي، وشارك في كتاب أغاني ألبومها الأول مع عمر بطيشة ثم أتبعه بألبومين هما «أطفال أطفال» و«سوسة».
بعدها لحن له بليغ حمدي أغاني غناها علي الحجار وسميرة سعيد، ثم كتب أشعار الكثير من الفوازير لشريهان وغيرها بجانب الكثير من تترات المسلسلات التي عرض بعضها في رمضان. ومن أشهرها (ليالي الحلمية، الأيام، الوسية، الشهد والدموع، المال والبنون، حدائق الشيطان، ناصر، غوايش، أحلام لا تنام، الأصدقاء)، كما كتب أغاني فيلم «الأراجوز».
من المحطات الثقافية المهمة في حياة حجاب مشاركته في إصدار مجلة «جاليري 68» التي نشر بها بعض الدراسات والأشعار. وكانت المجلة تجسيد محاولات تكوين جماعة أدبية مستقلة جديدة، كنوع من رد الفعل على الغياب الفعلي لاتحاد الكتاب عن الحياة الثقافية. ضمت المجلة مجموعة من رموز معروفة من جيل الستينات مثل إبراهيم أصلان وإبراهيم منصور وجمال الغيطاني، وإدوار الخراط إضافة إلى أسماء عدّة أخرى، عبّرت عن تيار أدبي جديد لم تكن تتسع له الأشكال والقوالب القديمة، ولا أفق المؤسسة الثقافية الرسمية التي تكرس للشائع التقليدي.
المحطة الثقافية الأخرى المهمة في حياة حجاب كانت تأسيسه وإدارته لندوة ثقافية موسعة أسبوعيا بمبنى الاتحاد الاشتراكي على نيل القاهرة، كانت الندوة تعقد تحت مظلة مجلة «الشباب» التي كان يرأس قسم الثقافة بها، وساهمت بالحوارات والنقاشات الجادة، في إبراز ملامح جيل أدبي جدي، عرف باسم جيل السبعينات في الشعر والقصة المصرية.
عاش حجاب مناضلا من أجل الحرية والعدل، وتمتع بمعين ثقافي واسع ومتنوع في شتى المعارف الأدبية والفنية، انعكس على لغته الشعرية، في إيقاعات ورؤى فنية جديدة ومفارقة، تستدعي حساسية خاصة في التلقي والقراءة لذلك كان يلقب في فترة من حياته بشاعر المثقفين، لكنه كسر هذه الحلقة بالانفتاح بسلاسة على عالم الأغنية، والكتابة البسيطة التي تصل للناس بسهولة وتحرك عواطفهم ومشاعرهم بحيوية، برز ذلك على نحو لافت في مقدمة الكثير من المسلسلات على رأسها المسلسل الشهير «ليالي الحلمية»، والذي قدمه بأغنية أصبحت تتردد في شكل موال على لسان الناس، يقول فيها:
«منين بيجي الشجن،
من اختلاف الزمن...
ومنين بيجي الهوى،
من ائتلاف الهوى...
ومنين بيجي السواد،
من الطمع والعناد...
ومنين بيجي الرضا،
من الإيمان بالقضا».
حصل حجاب على الكثير من الجوائز أهمها جائزة كفافيس الدولية لعام 2005 في الشعر عن مجمل أعماله، كما كرمه معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين باعتباره أحد رموز الشعر الشعبي في العالم العربي.
وفي سبتمبر الماضي أقامت له لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة احتفالية أدبية بعنوان «حجاب... نصف قرن من الإبداع». وعنه قال الناقد الشهير الدكتور محمد عبد المطلب إن «قرار لجنة الشعر بإقامة احتفال شعري بالشاعر الكبير حجاب، جاء من منطلق الحب الشديد له والتقدير لدوره الثقافي وروح المحبة التي تضمنتها أشعاره»، مشيرا إلى «اهتمامه بإثراء شعر العامية في مصر، بروح الثورة والتمرد وطلب الحرية».
وأكد عبد المطلب أن حجاب أحدث ثورة هائلة في شعر العامية، مع بداية الثمانينات، وامتد شعره ليشمل مسرح العرائس، ومقدمات الأفلام والمسلسلات، مؤكدا أن كثيرا من الأعمال الفنية الكبيرة ترتبط في أذهاننا بشعر حجاب، وهذا دليل على وصول شعره إلى أعماق المجتمع المصري، واستطاعته التعبير عنه بأفضل الطرق، مؤكدا أنه قدم ذاكرة فنية ستمتد لآلاف السنوات.
واختتم عبد المطلب حديثه بأن أهم ما يميز أشعار حجاب، هو الحس الصوتي الغريب، وهو ما ظهر في مسرح العرائس، مؤكدا أنه كان موحيا للكثير من الفنانين بشخصياتهم في السينما، كما أشار إلى ديوان «الطوفان» الذي لم يلق إقبالا كبيرا من الجمهور في عام 2008، لكنه نال اهتماما شديدا عقب اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011، مؤكدا أن أعمال حجاب، تشهد على الماضي، الحاضر، والمستقبل أيضا.
رحيل سيد حجاب... شاعر «الشهد والدموع» و«ليالي الحلمية»
أثرى الشعر المصري وأعماله تجسد الماضي والمستقبل
رحيل سيد حجاب... شاعر «الشهد والدموع» و«ليالي الحلمية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة