الحركة التي غيرت أوروبا... والعالم

«الحداثة: مقدمة قصيرة جدًا» لكريستوفر باتلر بالعربية

لوحة «غورنيكاف» لبيكاسو.. نموذج لصراع الحداثة مع الفن «الواقعي»
لوحة «غورنيكاف» لبيكاسو.. نموذج لصراع الحداثة مع الفن «الواقعي»
TT

الحركة التي غيرت أوروبا... والعالم

لوحة «غورنيكاف» لبيكاسو.. نموذج لصراع الحداثة مع الفن «الواقعي»
لوحة «غورنيكاف» لبيكاسو.. نموذج لصراع الحداثة مع الفن «الواقعي»

صدر عن مؤسسة «هنداوي» بالقاهرة كتاب جديد يحمل عنوان «الحداثة: مقدمة قصيرة جدا»، للناقد كريستوفر باتلر، ترجمة شيماء طه الريدي. يضم الكتاب أربعة فصول وثبتًا بالمراجع والقراءات الإضافية ومصادر الصور.
جدير ذكره أن اهتمام باتلر في هذا الكتاب ينصبّ على الحداثة في الأدب والفن والموسيقى بشكلٍ أساسي ولم يتتبعها في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. كما لم يذهب زمنيًا أبعد من القرن العشرين بينما تعود إرهاصات الحداثة إلى أبعد من هذا التاريخ بخمسة قرون بدءًا باختراع الطابعة المتحركة عام 1447، وما تلاها من ثورات كبيرة غيّرت وجه العالم في أوروبا وأميركا. فالحداثة التي يتناولها باتلر هي حداثة فنية وثقافية في جوهرها تركِّز على «الذات» دون أن تهمل «الموضوع»، كما أنها لا تجد حرجًا في التلاقح مع السياسة، خصوصًا في الفصل الرابع والأخير من الكتاب.
يتناول الفصل الأول ثلاثة أعمال إبداعية وهي رواية «يوليسيس» لجيمس جويس، ولوحة «المدينة» لفرناند ليجيه، و«أوبرا البنسات الثلاثة» لبرتولد بريخت، وموسيقى كورت فايل. وهذه الأعمال تكاد تشكِّل قطيعة مع الماضي. فـ«يوليسيس» تجمع بين التقنيات التجديدية والأفكار الحداثية. أما لوحة «المدينة» 1919 فهي تسجّل غيابًا كاملاً للطبيعة وحضورًا طاغيًا للحياة المدينية. لعل أهم ما في هذه اللوحة هو «الشكل الراقي» الذي يقف في مواجهة «المضمون الشعبي المتدني» ويتضادد معه. بينما تقدّم «أوبرا البنسات الثلاثة» منظرًا تغريبيًا مخالفًا لما اعتدناه حيث يتخلى المؤلف عن شخصيات الملوك والأمراء ليركِّز على الإنسان العادي، كما يهمل الأوبرات الفخمة ليحتفي بالألحان الشعبية والتراتيل الكنسية. تركِّز هذه الأعمال الثلاثة على الحياة في المدينة، وإن اختلفت التقنيات المتبعة، فأسلوب «يوليسيس» السردي، كما يذهب الناقد الكندي هيو كينر، سيوازي أسلوب «الأوديسة» لهوميروس لكن أبرز الأشياء التي يحققها جويس في هذه الرواية «هو تنظيم خرافي وتاريخي أيضًا للسرد» (ص10) إضافة إلى المقارنات التاريخية بين الثقافات، والتزامن، والمحاكاة الساخرة. أما التضاد في الفنون غير القولية كالرسم والموسيقى فيتمثل بالشكل الفخم الذي يقف بمواجهة المضمون الهابط. ويخلص إلى القول إن الأفكار المتعلقة بالنفس والخرافة والعقل الباطن التي أخذها الحداثيون من نيتشه وفرويد ومارينيتي وأينشتاين هي التي تصنع الثورات الثقافية.
يتمحور الفصل الثاني على «الحركات الحداثية» التي قدّمت مفاهيم إبداعية جديدة في الأدب والفن والفكر وكان شرطها الأساسي هو الحرية، وشعارها هو استعمال العقل الأمر الذي منح الذات قِدْحها المعلّى؛ فلا غرابة إذا انفصل الأديب أو الفنان عن مجتمعه وعاش على الهامش متبعًا في ذلك تقليد القرن التاسع عشر المناهض للبرجوازية كما فعل فلوبير وإبسن وإليوت.
يلفت باتلر انتباه القرّاء إلى أن الفنانين الحداثيين لم يسلطوا الضوء على أفكارهم ولم يشرحوا مقاصدهم «فقد ابتكر بيكاسو وبراك الحركة التكعيبية دون أن ينبسا بكلمة واحدة توضيحية عنها» (ص20). لكن هذا الأمر يختلف في الجانب الأدبي؛ فعندما قرأ باوند وإليوت الحلقات الأولى من «يوليسيس» في النسخة المطبوعة، أدركا أن التوازيات بين الماضي والحاضر يمكن أن تكون متاحة من خلال الإشارات الضمنية، بل إن هناك استعدادًا لتعديل أعمال الماضي كما شاع لدى جويس وبيكاسو وسترافنسكي وتوماس مان.
يُذكِّرنا باتلر بأهمية تحرر الرسم من تجسيد «اللون المحلي الحقيقي»، كما في أعمال كوخ وماتيس و«تبسيط الشيء في الرسم» (ص22) وقد تحيلنا لوحات ماتيس إلى الفن البدائي الذي يشبه فن الأطفال كثيرًا، فهذا الأخير لا يجسِّد ما تدركه العين وإنما يقدِّم تصورًا ذهنيًا للشيء. ثمة إشارات نقدية متعددة إلى أهمية الخرافة في هذا الكتاب، فقد كان الأسلوب الخرافي «خطوة نحو جعل العالم الحديث ممكنًا للفن» (ص48). كما وجد إليوت الأسلوب الخرافي مشابهًا لاكتشافات آينشتاين لذلك اتجه إلى ثقافة الأفكار بحثًا عن مفهوم للخرافة التي تتسم في جوهرها بالإشكالية والجدلية.
يناقش الفصل الثالث موضوع «الفنان الحداثي» ويتمحور في قسم كبير منه على ثلاثة مبدعين كبار، وهم جويس وولف وإليوت، لكننا سنقتبس مقطعًا مهمًا من رواية «الغثيان» لسارتر حيث يقول الراوية: «إن الإنسان دائمًا هو سارد حكايات، وهو يعيش مُحاطًا بقصصه وقصص الآخرين، وهو يرى عبرها ما يحدث له، ويسعى لأن يعيش حياته كما لو أنه يحكيها، ولكن لا بد أن يختار بين أن يعيش أو أن يحكي» (ص62). تعتبر السريالية حركة حداثية مهمة جذبت إليها العديد من الأدباء والفنانين لكن باتلر اختار فيلمًا سينمائيًا سرياليًا مهمًا اسمه «كلب أندلسي» تعاونَ في إنجازه بونويل وسلفادور دالي اللذان عولا كثيرًا على الأحلام والصور الذهنية. فدالي حلم بـ«حشد غفير من النمل على يديه»، بينما حلم بونويل بأنه «يقطع عين أحد الأشخاص إلى نصفين» (73) وهكذا انبنى الفيلم من الأفكار الحلمية الأولى التي قفزت إلى رأسيهما وأفضت بهما إلى هذا الفيلم السريالي الناجح الذي أثنى عليه أندريه بريتون ونال إعجاب المتلقين.
يركز الفصل الرابع والأخير على «الحداثة والسياسة» وسنكتفي بتسليط الضوء على بعض الأمثلة الرئيسية، مثل نظرة هتلر أو النازيين عمومًا إلى الفن الحداثي الذي يعتبرونه «منحطًا»، وغايتهم في ذلك هي إبعادهُ عن الذاتية والتجريب وتوجيهه نحو التعبير عن الأفكار الجماعية بحجة «أن الحشود الغفيرة... لا يمكنها تعلّم شيء من الأدب الطليعي لما يشوب رؤيته من غلوّ في الذاتية والارتباك والتشوّه» (ص83)، بينما كان النظام السوفياتي السابق يطالب بواقعية اشتراكية تنأى عن الفردية البرجوازية والشكلية. ثمة آراء غريبة لهتلر بالفن الحداثي لا يمكننا الوقوف عندها جميعًا؛ فهو يصف رموزه بـ«المنحلين والفاسدين والمشوِّهين» ووعد الناس بالقضاء عليهم ومحوهم فلا غرابة أن يعلن غوبلز عام 1937 «إلغاء النقد الفني»، خشية أن يسلط الضوء على عظمة هذا الفن الحداثي الذي يتسم بالتحررية، والنزعة الفردية المتمردة على التقاليد.
يتوقف باتلر طويلاً عند جدارية «الغورنيكا» التي استعمل فيها بيكاسو بشكل عميق ومؤثر «التقنيات الحداثية التلميحية والخرافية والمشوِّهة للشكل» (ص98) كما تتضمن هذه الجدارية أيقونات مبهمة وضخمة تمثل رائعة من روائع التلميح الضمني المعقد، ويعكس سخطها المعنوي على الغارات النازية التي أرهبت السكّان المدنيين. تبدو الرمزية الخرافية في غاية التباين والتناقض في هذه الجدارية التي يمكن قراءة مفرداتها التشكيلية قراءات متنوعة، فيما يتعلق برموز الثور والحصان والنساء وما إلى ذلك. فالثور قد يرمز إلى القوة، أو يشير إلى الحياة الذكورية، وقد يرتبط الحصان بالخرافات الإسبانية للتضحية في حلبة مصارعة الثيران، وقد يستدعي حضور النساء الحزينات الصلب المسيحي.
إنها، باختصار شديد، نموذج لصراع الحداثة مع الفن الواقعي. وبما أن الناقد كريستوفر باتلر يُولي الخرافة جزءًا كبيرًا من اهتمامه فلا غروَ أن يعود إلى «يوليسيس» مرة أخرى ليصفها بالعمل الخرافي الذي ينتمي إلى الكلاسيكية الجديدة لكنه يقرنه دائمًا بالشمولية والتجريب.
لا أحد يشك بقدرة الناقد باتلر في تتبع المنحى الحداثي في الأدب والفن لكن ما ينقص هذا الكتاب النقدي الهام هو الوقوف عند بعض المفكرين الذين مهدوا للحداثة، وعلى رأسهم هيغل وديكارت ولايبنتز وإيمانويل كانت.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.