كتاب وناشرون: «أدب الثورات» تقارير صحافية مليئة بـ«البروباغندا»

يرون أنه لا يرتقي فنيًا إلى مستوى التضحيات

الثورة السورية في بدايتها - رنا إدريس: النتاج ليس فقط دون المستوى المنتظر بل هناك نمطية في التركيب والمضمون وفي تقنيات السرد أيضًا - مازن معروف: ربما لم نتوقع هذا الانفجار ويبدو أننا لم نتجهّز له إبداعيًا - إيمان حميدان: الروايات الصادرة عن الربيع العربي تقريرية لا تمت للأدب بصلة
الثورة السورية في بدايتها - رنا إدريس: النتاج ليس فقط دون المستوى المنتظر بل هناك نمطية في التركيب والمضمون وفي تقنيات السرد أيضًا - مازن معروف: ربما لم نتوقع هذا الانفجار ويبدو أننا لم نتجهّز له إبداعيًا - إيمان حميدان: الروايات الصادرة عن الربيع العربي تقريرية لا تمت للأدب بصلة
TT

كتاب وناشرون: «أدب الثورات» تقارير صحافية مليئة بـ«البروباغندا»

الثورة السورية في بدايتها - رنا إدريس: النتاج ليس فقط دون المستوى المنتظر بل هناك نمطية في التركيب والمضمون وفي تقنيات السرد أيضًا - مازن معروف: ربما لم نتوقع هذا الانفجار ويبدو أننا لم نتجهّز له إبداعيًا - إيمان حميدان: الروايات الصادرة عن الربيع العربي تقريرية لا تمت للأدب بصلة
الثورة السورية في بدايتها - رنا إدريس: النتاج ليس فقط دون المستوى المنتظر بل هناك نمطية في التركيب والمضمون وفي تقنيات السرد أيضًا - مازن معروف: ربما لم نتوقع هذا الانفجار ويبدو أننا لم نتجهّز له إبداعيًا - إيمان حميدان: الروايات الصادرة عن الربيع العربي تقريرية لا تمت للأدب بصلة

يسعى هذا الملف إلى إثارة أسئلة حول النتاج الأدبي، الذي عكس أو حاول أن يعكس تداعيات ما حصل عام 2011، والذي سميناه الربيع العربي، أو الحدث الذي أدى إلى تغييرات كبرى في أكثر من بلد عربي، سلبًا أو إيجابًا. هل ارتفع هذا النتاج، فنيًا وجماليًا، إلى مستوى الحدث، بوعوده وإلهاماته ومآسيه ومآله أيضًا، أم جاء سريعًا، منفعلا، أو تسجيليًا قد ينتهي مع انتهاء الحدث ذاته؟ أم إن الزمن لا يزال قصيرًا لاستيعاب ما حصل ويحصل، وبالتالي عكسه إبداعيًا، بكل ما تحمل كلمة إبداع من معنى، وإن الرؤية لا تزال غير واضحة، وإن جيلا من الكتاب ربما لم يكن مهيئًا لاستقبال مثل هذه اللحظة التاريخية، وإنه أخذ على حين غرة، وعلينا أن ننتظر سنوات طويلة كما مع الأحداث الكبرى في التاريخ؟
هنا آراء عدد من الكتاب من مختلف أنحاء الوطن العربي..
يتفق كثير من الأدباء والنقاد على أن النصوص الأدبية العربية التي صدرت بعد اندلاع الثورات، لم تتمتع بالجمالية والإبداع الكافيين لترتقي فنيًا إلى مستوى التضحيات التي بذلت، أو فداحة الانقلابات التي حصلت. لكن التباين في الآراء يتضح حين نسأل عن أسباب هذا الضعف في التعبير أمام حدث جلل. إذ تلحظ مديرة «دار الآداب» في بيروت الناشرة رنا إدريس، أن «النتاج في السنوات الأخيرة ليس فقط دون المستوى المنتظر، بل هناك نمطية في التركيب والمضمون، وفي تقنيات السرد أيضًا». «النصوص ليست على قدر المتوقع»، تقول لنا إدريس: «لا في الشكل ولا المضمون. كان الكتّاب أكثر جرأة في تكسير الزمن واللعب بالشكل، لكنهم ربما لفداحة ما يعيشون الآن، فإنهم باتوا مشغولين بالحدث أكثر من أي شيء آخر. ففي النصوص مرارة وخيبة وفقدان أمل، الأحداث الدموية، والخوف، والجثث، هي أجواء مسيطرة». وتكمل إدريس: «ننتظر أن تأتينا السنوات المقبلة بعد أن تختمر التجربة، بما هو أفضل. فالرواية الأخيرة لسمر يزبك (المشاْءة) كما العمل الأخير لديمة ونوس (الخائفون) عبرتا بشكل مختلف وجميل، والآتي نتمناه أفضل بعد انقضاء الصدمة».
«هي روايات تقريرية ولا تمت إلى الأدب بصلة»، هكذا تصف الأديبة اللبنانية إيمان حميدان النصوص التي اتخذت الربيع العربي موضوعًا لها، مرجعة الأمر إلى أن «المجتمعات حين تعيش حروبًا مصيرية تحتاج إلى وقت طويل للتعبير عن تجربتها. فالأدب ليس تاريخًا بل يتجاوز الحدث ليعكس أثره على النفس البشرية وأحلامها». الأديب الفلسطيني مازن معروف له رأي مشابه حين يقول: «كثير منا نحن الكُتاب، يبدو اليوم أشبه بمراسل صحافي، مطلوب منه بث تقرير مباشر وسريع عن منزله الذي يحترق. فلا يمكنه إلا أن يكون شخصيًا وعاطفيًا ومباشرًا، ولن يستطيع أن يفكر بشيء آخر أو يتخيل تفصيلاً خارج زوايا المكان الذي ولد فيه وترعرع. هناك ارتباك بلا شك. ارتباك يتجسد في سرعة إنتاج الروايات التي تنهل من الحدث السوري أو المصري مثالاً لا حصرًا، والتي تتميز بلغتها التقريرية وتعج بالوصف وتفتقر إلى المخيلة ولا تحيد في خلاصتها عن مفهوم البروباغندا». ويستدرك الأديب والشاعر الفلسطيني محاولاً فهم الظاهرة: «ربما لم نتوقع هذا الانفجار، ويبدو أننا لم نتجهّز له إبداعيًا. كأننا شخصيات كرتونية تراقب موجة نووية كروية الشكل تهبط عليها من السماء لتبتلعنا فنفغر أفواهنا وندوّن آخر مذكراتنا. هنا، لا يعود للألوان أي قيمة تحفّز على الابتكار، لأن الحدث ابتلعنا بالكامل وشل مخيلتنا، ولأننا مُوجّهون بالكامل نحوه. وهذا ما يجعل الكتابة تتركز في الخوف ومسبباته المباشرة، ورسم بورتريهات مستهلكة عن الأنا والأسرة مقابل القمع والسلطة. لكننا نجدها بأرفع صورها الإبداعية في الأدب اللاتيني مثلاً».
يستطرد معروف بالقول: «إن جيلاً من الكتاب، في العالم العربي، ربما، لم يكن مهيأً لاستقبال هذه اللحظة التاريخية، وأعني انفجار الربيع العربي. صحيح أن بعضًا من كتاب الجيل الأسبق كانوا قد طرحوا في رواياتهم أفكارًا تنويرية تحرّض فكريًا، وتنهل من فساد بعض الأنظمة وتعرض لصورة فرد يواجه شتى أنواع القمع في بنى اجتماعية نخرتها السياسة، إلا أن تلك الأعمال برأيي لم تكن كافية، لإنتاج بيئة فكرية وشعبية تطلق التغيير وتحتضنه».
«سوريالية الواقع تزن ثقيلاً»، ترى إيمان حميدان وهي تصف ما حصل في السنوات الخمس الأخيرة: «في بعض البلدان العربية أجهضت الثورات وقامت سلطة كاريكاتيرية تتغذى من التماهي مع ماضٍ لم تسهم في بنائه ولا إنتاجه. سلطة أكثر إفلاسًا من سابقتها ولا مشروع لديها، والأمر الوحيد المتبقي لها هو خنق الحريات والقمع والقتل والتشريد والإجهاز على هيكل الدولة بما لها من معنى حديث، والقضاء على ما تبقى من حلم لدى الناس وزجهم في السجون واللعب على إثارة النعرات بين فئات المجتمع. ما نراه هو الإفلاس التام ومعه يزداد العنف. وانهيار الدول التي لم تحمل ولا في أي يوم شخصية الدولة بكل ما في هذا المصطلح من شروط. كانت الدولة محصورة بأشخاص وأجهزة قمع. أخطبوط القمع والفساد واستغلال خيرات البلاد والناس وكم أفواههم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم. أجهضت الثورات العربية وزج أحرارها في السجون أو قتلوا أو هجروا. في الوقت نفسه، أطلق من كان سابقًا في السجن، أطلقت غرائزه».
هل كانت الظروف أقوى من مخيلة الأدباء وقدرتهم على اللحاق بالحدث، ربما، حتى إن أغلب ما يكتب بات «مستهلكًا صحافيًا»، بحسب تعبير مازن معروف الذي يطرح إشكالية شديدة الأهمية، وهي أن الغرب يستقبل هذا النتاج الذي نعتبره ضحلاً «وكأنه مادة فضائية فجة». ويكمل: «وبينما نعترف نحن عبر أعمالنا الروائية (معظمها)، بمحدوديتنا الإبداعية، نكتشف أن القارئ الأوروبي والأميركي يختار أن يستقبل هذه الأعمال بعقلية الجاهل كليًا. كأنه لم يكن هناك في الأدب العربي أي نتاج قبل انفجار الربيع العربي. لكن على ما يبدو، فإن فصلاً من تاريخنا الحديث الذي كان مكتومًا، أصبح اليوم مادة صالحة للكتابة». ويضيف: «اللافت هنا، أن غالبية ممن يوصفون اليوم بـ(كتّاب الثورة) لم يكن واحدهم، قد أنتج مؤلفًا في هذا المجال قبل اللحظة التي أشعل فيها البوعزيزي النار بنفسه».
إيمان حميدان، في رأيها أن «أزمة الأدب تتجاوز منطقتنا. فالديمقراطية الغربية متعثرة ومهددة بوصول اليمين المتطرف إلى السلطة في أوروبا، فيما أصبح ترامب رئيسًا لأميركا، وبالتالي يسأل الغرب هو أيضًا اليوم: ماذا سيحدث؟ وماذا سيكون دور الثقافة والأدب، وهل سيكون لهما دور، أصلاً؟ ونحن نسأل ماذا سيحل بنا وقد ضاقت أرضنا ولا مكان آخر لنا لأننا نعيش في دول مارقة لا نستطيع فيها أن نتمثل بأحد، وأحلامنا فقدت لغتها. كيف نواجه الأحداث واللغة باتت خارج نفسها؟ كيف نعبر بعد أن صارت أدوات التعبير تحتاج إلى إعادة تأهيل. إنها عودة إلى العصور الوسطى بهمجيتها ووحشيتها وغرائزها، لكنها عودة بهواتف ذكية وقنوات تلفزيون هائلة تصل إلى القطب الجنوبي لتقول لا شيء». الموضوع كله مترابط في رأي الروائية اللبنانية: «من يملك السلطة والمال حاليًا، ومن يستغل الطبقات الفقيرة والمجموعات المهمشة والهشة في العالم أجمع، وبشكل كامل، هو نفسه من يعلن الحرب ويقتل ويشرد ويزج في السجون. هو نفسه من أجهض الربيع العربي. هو نفسه من يحاول إسقاط المعنى عن الكتابة».



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.