جنبلاط الرافض لقوانين انتخابية تلغي المكوّن الدرزي يعود إلى مربّع «الأكثري»

جنبلاط الرافض لقوانين انتخابية تلغي المكوّن الدرزي يعود إلى مربّع «الأكثري»
TT

جنبلاط الرافض لقوانين انتخابية تلغي المكوّن الدرزي يعود إلى مربّع «الأكثري»

جنبلاط الرافض لقوانين انتخابية تلغي المكوّن الدرزي يعود إلى مربّع «الأكثري»

مع اقترب موعد الانتخابات البرلمانية في لبنان، المقررة خلال شهر مايو (أيار) المقبل، تتضاءل فرص التوصل لاتفاقٍ على قانون انتخابي جديد، يسعى كل فريق سياسي أن يكون هذا القانون على قياسه، ليحفظ موقعه وحجمه التمثيلي ما لم يتمكّن من تعزيزه.
ورغم تعدد مشاريع واقتراحات القوانين المحالة على المجلس النيابي لإقرارها، والتي تتراوح بين إجراء الانتخابات وفق النسبية، أو الدمج بين الأكثري والنسبي، أو ما يعرف بـ«القانون الأرثوذكسي» الذي يقضي بأن تنتخب كل طائفة أو مذهب نوابه، فإن أيا منها لا يلقى إجماعًا حوله، أو أكثرية مطلقة تؤمن الأصوات الكافية لإقراره، لكن الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، كان أول من فتح النار على كل هذه القوانين، خصوصًا النسبية التي تلغي بحسب رأيه مكونات أساسية في البلد (في إشارة إلى طائفة الموحدين الدروز)، وهو جاهر علنًا برفض النسبية أو المختلط، وعاد للتمسك بالانتخابات على قاعدة الأكثري.
الهواجس الجنبلاطية، حملها وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة النائب غازي العريضي إلى القيادات السياسية، وبدأ جولته أمس بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، وأطلعه على تحفظاته على القوانين المقترحة، حيث دعا العريضي بعد اللقاء إلى «مناقشة قانون الانتخاب الجديد، على قاعدة المعايير الواحدة». وقال: «إذا كان المعيار وطنيا ينسجم مع الشعارات التي تطرح من قوى كثيرة في الوطن، نحن أهل هذا المشروع ونريده، ولكن ما يعلن لا يتوافق مع ما يمارس، بمعنى أنه لا يمكن أن نتحدث عن مشروع وطني ونذهب إلى ممارسات فئوية ومذهبية وطائفية أو تحالفات طائفية ومذهبية، ولا يمكن أن نتحدث عن مشروع وطني ونرى الإدارة في هذا الفساد». وأضاف العريضي «إذا كان المعيار طائفيًا، نتمنى أن يأخذ برأي الطائفة الدرزية التي تؤيد الشراكة في الجبل وفي لبنان، انطلاقا من المصالحة التاريخية في الجبل مع البطريرك الماروني نصر الله صفير (عام 2001)، نحن نريد للشراكة أن تستمر والحماية الكامل لها ليبقى لبنان الفريد المتنوع». ورأى أنه «وفق التمثيل الطائفي هناك 8 نواب للطائفة الدرزية، 4 نواب منهم لا ينتخبهم الدروز، أي نصف عدد نواب الطائفة، ما عدا الشوف وعالية ويجب مراعاتنا في هاتين المنطقتين، ونحن وضعنا كل هذه الهواجس بين يدي الرئيس عون».
مصادر مطلعة على موقف بعبدا، أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن لقاء الرئيس عون ووفد الحزب الاشتراكي «ناقش وجهات نظر الطرفين بالعمق فيما خصّ قانون الانتخابات». وأشارت إلى أن رئيس الجمهورية «شرح للوفد الاشتراكي أسباب تأييده للقانون النسبي، الذي يؤمن تمثيلاً حقيقيًا لكل شرائح المجتمع، في حين عرض الفريق الآخر ملاحظاته على القانون النسبي، وتم الاتفاق على معاودة اللقاء بعد أن يستكمل الوفد زياراته للقوى السياسية».
وأوضحت المصادر المطلعة على موقف القصر الجمهوري، أن «الرئيس عون جدد تمسكه بثابتتين لا تنازل عنهما، الأول إجراء الانتخابات النيابية في موعدها (خلال شهر مايو المقبل) والثاني عدم التمديد للمجلس النيابي، وكل ما هو تحت هذا السقف، قابل للبحث والنقاش». وقالت: «صحيح أن مشاريع القوانين كثيرة، لكن كل النقاش يدور حول مادتين، هما تقسيم الدوائر، والاختيار بين الأكثري أو النسبي أو المختلط».
وكان رئيس الحكومة سعد الحريري، أعلن في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها في السراي الحكومي أمس، أن «أولويات عمل الحكومة، هو إجراء الانتخابات النيابية». وشدد على أن «كل القوى السياسية الممثلة في الحكومة معنية بترجمة هذا التوجه». وقال: «لن يكون على جدول أعمالنا لا تحت الطاولة ولا فوقها أي نوايا في التمديد للمجلس النيابي».
أما مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس، فبرر أسباب تبدّل موقف حزبه من القانون المختلط الذي قدمه مع تيار «المستقبل» وحزب القوات اللبنانية. وقال الرئيس لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تقدمنا باقتراحنا وضعناه ضمن رؤية مشتركة، وكنا نتوق إلى إصلاحات تتناسب وهذا الطرح، لكن الظروف تبدلت، وكل القوى السياسية تذهب باتجاه تقديم مشاريع قوانين خاصة».
ولم يجد الرئيس في المشروع الإصلاحي إلا تسويقًا إعلاميًا. وقال: «بما أن الهدف بعيد عن الإصلاح، فإننا نتمسّك بالقانون الأكثري، مع دمج قضاء كل من الشوف وعالية (جبل لبنان) في دائرة واحدة»، مشيرًا إلى أن «(حزب الله) الذي يؤيد النسبية في كل لبنان، لا يريد فرض هذا القانون على أحد، وكذلك الرئيس نبيه بري». وأضاف: «إذا عجز المجتمع السياسي عن التوصل لقانون جديد، سنكون أمام حتمية إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ». ولفت إلى أن «أغلب القوى السياسية تحبذ بقاء قانون الستين (الحالي) لكنها لا تجاهر بذلك»، مذكرًا بأن «اقتراح القانون النسبي أول من طرحه كمال جنبلاط (الزعيم الدرزي الراحل، ووالد النائب وليد جنبلاط) في عام 1975. لكنه ربطه بإلغاء الطائفية السياسية وتطوير النظام اللبناني».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.