لا تبدو بعض أحياء الموصل خارجة للتو من معارك عنيفة بين قوات التحالف وتنظيم داعش، الذي لا يزال يسيطر على القسم الأكبر منها. بل لا يرى الزائر، كما تنقل «رويترز»، في بعض أجزاء الموصل، ما يذكر بما جرى، منذ بدأت عملية تحرير المدينة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فالسيارات تتكدس في الشوارع، ومنصات البيع تزخر بالمنتجات الطازجة، والدراجات تشق طريقها وسط زحام السيارات، في المدينة التي بدأت تخرج ببطء من قبضة «داعش» الحديدية وحكمها المستمر منذ عامين ونصف العام.
ومع تقدم القوات العراقية وتحريرها المزيد من مناطق المدينة الأكبر التي يسيطر عليها التنظيم المتشدد، بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها إلى حد ما، في الأحياء الشرقية التي استعادتها القوات العراقية في المراحل الأولى من الحملة. غير أن ما مرت به المدينة لا ينسى بالتأكيد. تنقل «رويترز» عن العراقي، وسام (19 عاما)، الذي كان يقطع اللحم ليقدمه إلى أحد العملاء في حي الزهور قوله: «نحاول أن ننسى». إذ «نحتاج لوقت... بعض الأمور حفرت في قلوبنا».
كانت السوق حول منصة البيع، حيث يقف وسام، مزدحمة بمواطنين يتمتعون بالسير بحرية، لا يزعجهم أفراد الحسبة، الذين كانوا ينفذون أحكام تنظيم داعش، فيعاقبون الناس ويفرضون الغرامات ويجلدون بالسياط.
وركض شبان وراء كرة في ملعب لكرة القدم، يرتدي بعضهم السراويل الرياضية القصيرة، التي لم يكن ارتداؤها مسموحا به في حكم التنظيم المتشدد. لكن قمصانهم القطنية الرياضية، لم تكن تحمل أي شارات أو علامات تجارية، مما كان التنظيم يعتبرها غير إسلامية، ويطلب بإزالتها، خاصة تلك التي تحمل شارات تشبه الصليب.
وقال أسامة (22 عاما)، الذي يشرف على الملعب، إن المتشددين أنفسهم، كانوا يأتون، في بعض الأحيان، للعب، ما كان يدفع الآخرين إلى الفرار، خوفا من الوقوع في مرمى طائرات قوات التحالف، التي تستهدف التنظيم المتشدد. وأضاف أسامة، أنه في ظل حكم المتشددين، كان انتباه اللاعبين يتشتت دائما، بين متابعة الكرة وبين مراقبة الشارع تحسبا لمرور دورية من دوريات تنظيم داعش.
ولا تزال آثار قذيفة مورتر سقطت على أرض الملعب ظاهرة، ولم يتبق في النوافذ، سوى قطع صغيرة من الزجاج المهشم، بعد انفجار سيارة ملغومة في مكان قريب، حين استعادت القوات العراقية حي الزهور، في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني).
وخلال المعركة، بقي الكثيرون في منازلهم، مخالفين بذلك، التوقعات بخروج جماعي للسكان من المدينة التي يتردد أن نحو 1.5 مليون نسمة يعيشون بها. غير أن الذين غادروا، سواء أثناء القتال أو قبل ذلك، بدأوا في العودة، على الرغم من عدم إصلاح الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء، ومنشآت الرعاية الصحية والمياه.
وقد استأنفت بلدية المدينة العمل، لكن تنظيم داعش، دمر أغلب معداتها، وحول بعض سياراتها إلى سيارات ملغومة، فاضطرت السلطات إلى استعارة سيارات من محافظات أخرى.
وعند مفترق طرق مزدحم، يحفر العمال الطريق، لإصلاح أنبوب مياه دمر في غارة جوية. ومرت سيارة أجرة يغني ركابها على موسيقى مرتفعة ويرقصون في مقاعدهم.
وقال رجل في المقعد الأمامي جاء من حي استعادته قوات الأمن لتوها: «إنه شعور لا يوصف... لا يمكنني التعبير عنه».
ولا تزال بعض المركبات ترفع رايات بيضاء، لتعريف ركابها بأنهم غير مقاتلين، وبينما تقطع زخات إطلاق النار الهدوء، تسمع ضربات المدفعية المنطلقة من جبهة القتال القريب. بينما يستمر هروب آلاف العراقيين من مناطق القتال في المدينة. فهم لا يرون الحياة تعود إلى طبيعتها فعلا.
وعند نقطة تجمع للنازحين على طريق الخروج من الموصل، جلست أم محمد مع أمتعة قليلة حملتها قبل أن تفر من حي سومر، الأسبوع الحالي، وتتضمن بعض الملابس، ونسخة من القرآن، وقفصا يضم ثلاثة عصافير ملونة.
وقالت أم محمد، إن زوجها طلقها بعد زواج دام عشر سنوات، ليتزوج من أرملة أحد مقاتلي تنظيم داعش الذي قُتل في المعركة. وأضافت، أن زوجته الجديدة أصرت على أن يطلقها، بدلا من أن يبقي على الزوجتين.
ولا تعترف السلطات العراقية بهذا الطلاق، لأن الذي نفذه قاض من تنظيم داعش، لذلك فهي رسميا ما زالت متزوجة.
وأضافت أم محمد، التي خلعت، على عكس كثير من نساء الموصل، النقاب الذي كان يفرضه التنظيم المتشدد على النساء: «أنا متزوجة ومطلقة... إنها حياة جديدة حياة غير واضحة».
الموصل تخرج تدريجيًا من حكم «داعش»
ما حدث فيها لا ينسى وملامحها الجديدة لم تزل غير واضحة
الموصل تخرج تدريجيًا من حكم «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة