غراهام تايلور... الرجل الصارم صاحب الشخصية اللطيفة

مدرب إنجلترا الراحل ترك إرثًا رائعًا في واتفورد وأستون فيلا

تايلور لحظة تعيينه مدربًا لمنتخب إنجلترا في بداية التسعينات (رويترز)
تايلور لحظة تعيينه مدربًا لمنتخب إنجلترا في بداية التسعينات (رويترز)
TT

غراهام تايلور... الرجل الصارم صاحب الشخصية اللطيفة

تايلور لحظة تعيينه مدربًا لمنتخب إنجلترا في بداية التسعينات (رويترز)
تايلور لحظة تعيينه مدربًا لمنتخب إنجلترا في بداية التسعينات (رويترز)

خلال حفل توقيع كتاب في صيف عام 2007، جاء رجل غريب إلى المدير الفني السابق للمنتخب الإنجليزي غراهام تايلور وأعطاه رسالة مكتوبة بخط اليد تدعوه لحضور حفل زفافه الذي كان مقررًا أن يعقد في يناير (كانون الثاني) التالي. وقال تايلور: «حصلت على الرسالة، وكنت أعتقد أنني أعرف ما سيحدث، فقد ظننت أنهم سيطلبون مني إلقاء كلمة متلفزة، لكنني شعرت بالدهشة عندما علمت أنه يريدني أن أحضر حفل زفافه، وأن أكون وصيف العريس. جلست مع زوجتي وتحدثنا في هذا الأمر، ووافقت في النهاية».
وبالفعل، ذهب تايلور لحفل الزفاف الذي قال فيما بعد إنه «كان لرجل لم أقابله مطلقًا، وعروس لم أرها من قبل»... هذه القصة تلخص شخصية تايلور تمامًا، خصوصا إذا عرفنا أنه كان يوقع كتابًا ليس من تأليفه في الأساس!
من الطبيعي أن يحكم الناس على أي مدير فني، أو أي لاعب، من خلال الإنجازات والنتائج التي يحققها في كرة القدم، لكن الوضع مختلف بعض الشيء مع تايلور، وهو ما ظهر جليًا من خلال الإشادات التي انهالت عليه بعد وفاته، والتي ركزت في المقام الأول على شخصيته، رغم إنجازاته الكبيرة في عالم الساحرة المستديرة.
وتبرز شخصية تايلور حتى في الفيلم الوثائقي الذي عرضته القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني عن فشله في قيادة المنتخب الإنجليزي للتأهل لنهائيات كأس العالم عام 1994، وهو الفيلم الذي تجنى عليه ووصفه ظلمًا بأنه فاشل وأحمق في أعين كثيرين. ففي الحقيقة، كانت متاعب المنتخب الإنجليزي تحت قيادته بمثابة وصمة عار في مسيرته التدريبية الحافلة بالإنجازات، التي لا تخلو أيضًا من بعض الإخفاقات. ومع ذلك، تحمل الرجل في صمت هجوم وسائل الإعلام الإنجليزية عليه، والسخرية منه بعد فشله في قيادة المنتخب الإنجليزي للمشاركة في المونديال.
واشتكى بعض لاعبي المنتخب الإنجليزي من الأسلوب المنضبط للغاية الذي يتبعه تايلور في التدريب، والذي يمنحهم حرية أقل في التدريبات، وحتى خلال أوقات الفراغ، مقارنة بسلفه بوبي روبسون، في حين استجاب لاعبون آخرون لطريقته بصورة أفضل، مثل جون بارنز الذي ضمه تايلور لصفوف نادي واتفورد، والذي قال إن تايلور «منحني الحافز والالتزام الذي كنت بحاجة إليه». ولكن بعد عودة تايلور إلى واتفورد، في ولايته الثانية عام 1996، قال لاعب، لم يكشف عن هويته، لصحيفة «ميرور» إن انضباط تايلور المبالغ فيه وطلباته المتزايدة «تذكرني بأحد رجال الدين المتعصبين».
كان تايلور صارمًا، لكنه كان لطيفًا أيضًا. في عام 1989، حينما كان يشغل منصب المدير الفني لنادي أستون فيلا، تعاقد تايلور مع المدافع بول ماكغراث من مانشستر يونايتد، وربما لم يكن يعلم أنه مدمن للكحوليات. ويحسب لتايلور أنه ساعد هذا اللاعب على التوقف عن تناول الكحوليات، في الوقت الذي كان يكتفي فيه الجميع بالنظر بازدراء إلى أي لاعب يقوم بذلك، ولا يحاول تقويمه من الأساس.
وقال ماكغراث: «كان لديه كل الحق في أن يغضب، بعدما اكتشف أن أحد التعاقدات الكبيرة التي كان يعول عليها لا يستطيع السير باتزان، لكنه كان متفتحًا، ويولي رعاية فائقة بالآخرين... كان يقول لي: انظر، إذا كنت بحاجة إلى شيء، لا تتردد في اللجوء إليّ، فنحن جميعًا هنا لمساعدتك. كان هذا موقفه، وكنت أشعر بأنه يمكنني أن أتحدث معه في أشياء لا يمكنني الحديث بشأنها مع أي شخص آخر في كرة القدم. لا أعتقد أني أبالغ عندما أقول إنه قد أنقذني، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لو حدث هذا مع أي مدير فني آخر، أعتقد أن مسيرتي في عالم كرة القدم كانت ستنتهي، لكن الطريقة التي تعامل بها تايلور معي كان لها مفعول السحر. كلما كنت أتحدث معه أكثر، كان يزداد تصميمي على رد الجميل له، وكنت أشعر بهذه الرغبة في داخلي. كنت أرغب في اللعب بقوة من أجل هذا الرجل».
وإذا كان الحزن قد خيم على عائلته وأصدقائه بعد رحيله، فإن هذه المشاعر الحزينة قد تكون أكثر قوة وضراوة لدى جمهور أستون فيلا وواتفورد بشكل خاص، بسبب الإنجازات الكبيرة التي حققها في كلا الناديين، ولا سيما مع واتفورد.
بدأ تايلور مسيرته التدريبية مع نادي لينكولن تاون وهو في الثامنة والعشرين من عمره، بعدما اعتزل كرة القدم في هذه السن المبكرة بسبب الإصابة التي وضعت حدًا لمسيرته كلاعب. تلقى تايلور عرضًا من نادي وست بروميتش ألبيون الذي كان يلعب في دوري الدرجة الأولى، لكنه رفض العرض، وتولي تدريب نادي واتفورد الذي كان يلعب ضمن الدرجة الرابعة عام 1977، ملبيًا نداء رئيس النادي الشهير إلتون جون الذي أصبح صديقًا له طوال حياته.
وما حدث بعد ذلك هو ما وصفه تايلور بأنه «ربما أسعد عشر سنوات في حياتي». في ذلك الوقت، حقق واتفورد نجاحًا على ثلاثة مستويات، فقد وصل للمباراة النهائية لكأس الاتحاد الإنجليزي، واحتل المركز الثاني في دوري الدرجة الأولى (الدوري الممتاز حاليًا)، وتأهل للمشاركة في كأس الاتحاد الأوروبي.
لقد نجح تايلور في تحويل مسار النادي بصورة كلية، وربما إلى الأبد: فقبل تعيينه مديرًا فنيًا للفريق، قضى واتفورد ثلاثة مواسم من إجمالي 57 موسمًا في دوري الدرجة الثانية والثالثة، ولم يصل مطلقًا لدوري الدرجة الأولى، لكن بعد وصوله لم يقض النادي سوى أربعة مواسم فقط من أصل 40 بعيدًا عن دوري الدرجة الأولى ودوري الدرجة الثانية، وعشرة مواسم في دوري الدرجة الأولى.
وقال تايلور ذات مرة: «أنا لا أرى أي عار في أن يظل ناد بهذا الحجم يصعد لدوري الدرجة الأولى ثم يهبط منه. إذا مشيت في الطريق الصحيح، وصعدت لدوري الدرجة الأولى، فقد يأتي يوم وتهبط منه، فما المشكلة في ذلك؟».
ولم يكن تايلور مؤثرًا داخل الملعب فحسب، لكن تأثيره امتد لخارج المستطيل الأخضر، حيث كان يسعى لبناء جسور من المحبة بين النادي والمدينة التي يوجد بها. كان تايلور يجبر اللاعبين على العيش على مسافة 30 ميلاً من ملعب «فيكارج رود»، وقضاء بعض الوقت في المدارس والمستشفيات المحلية، بل وفي حانات ومطاعم المدينة، بهدف تعزيز العلاقة مع الجمهور التي قال عنها تايلور: «عندما يأتي أي ناد إلى ملعب فيكارج رود، يجب أن يشعر بأنه يلعب ضد المدينة برمتها».
رحل تايلور عن واتفورد عام 1987 ليتولى تدريب نادي أستون فيلا، ويقوده أيضًا لدوري الدرجة الأولى، وإلى احتلال المركز الثاني في البطولة الأقوى في إنجلترا في ثاني موسم للفريق بالمسابقة. وربما كانت هذه هي ذروة حياته المهنية في عالم التدريب في إنجلترا، من وجهة نظر كثيرين.
عاد تايلور لتدريب نادي واتفورد عام 1996، وأعاده إلى دوري الدرجة الأولى، وحقق مع الفريق أفضل إنجازاته على الإطلاق. وفي هذه الفترة، تعرفت عليه عن قرب، وكانت اللحظة التي ناداني فيها بالاسم هي أسعد لحظة في حياتي حتى الآن، وربما اللحظة التي تجعلني، مثل كثيرين، أتذكره بأنه رجل صاحب إنجازات كبيرة على المستوى الكروي، وصاحب شخصية لطيفة وودودة.
عاد تايلور إلى تدريب أستون فيلا مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت أقل نجاحًا. وفي عام 2003، أعلن اعتزاله مهنة التدريب ليركز على العمل الإعلامي، وينقل للجمهور خبراته الكبيرة بعالم كرة القدم التي أفنى فيها حياته بلا كلل أو ملل.
قال تايلور: «في هذه المهنة، سوف تسمع كلامًا جيدًا وآخر سيئًا بشأنك، لكن يتعين عليك ألا تفكر كثيرًا فيما يقال لأن ذلك قد يعوقك عن أداء عملك».



مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».