أصبح من المعتاد أن نرى بلدًا يفوز بحق استضافة كأس الأمم الأفريقية ويكون متحمسًا وسعيدًا للغاية في بداية الأمر، ثم تحوم الشكوك حول قدرة هذا البلد على تحمل تكاليف استضافة المسابقة والاستعداد لفعالياتها، قبل أن تتلاشى كل الأشياء السلبية ويظهر الحماس مرة أخرى قبل أيام من انطلاق البطولة.
لكن هذا الأمر لا ينطبق على البطولة الحالية، ففي عام 2015 تقدمت الغابون لتحل محل ليبيا في استضافة البطولة بعد انسحاب الأخيرة بسبب الصراعات التي تشهدها، ومع انطلاق المسابقة الأفريقية الحادية والثلاثين، هناك شعور واضح بأن نسبة كبيرة من سكان الغابون لا ترحب باستضافة البطولة. ويعود السبب في ذلك إلى معاناة البلاد في تحمل تكاليف استضافة البطولة، لا سيما إذا عرفنا أن الدَين المحلي للغابون يقدر بنحو 12.8 مليار دولار في حين لا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي 1.4 مليار دولار. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قررت الحكومة تقليص الميزانية المخصصة للصحة والتعليم.
وتقول تسريبات إن الغابون قد أنفقت 700 مليون دولار على المسابقة، بما في ذلك 220 مليون دولار على بناء ملعب جديد في العاصمة ليبرفيل. ومع ذلك لن يكون هذا الملعب مستعدًا لاستضافة البطولة، وستلعب المباراة النهائية على الملعب الذي كانت البلاد قد شيدته لاستضافة كأس الأمم الأفريقية 2012 بالاشتراك مع غينيا الاستوائية، وهو ما يطرح تساؤلات حول الحاجة إلى بناء ملعب جديد من الأساس.
وتصاعدت التوترات أثناء الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في أغسطس (آب) الماضي والتي فاز بها وبفارق ضئيل الرئيس الحالي علي بونغو، الذي خلف والده في سدة الحكم عام 2009. واحتج مرشح المعارضة المهزوم، جان بينغ، على النتيجة، التي تم التصديق عليها في نهاية المطاف من قبل المحكمة العليا، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات أدت لمقتل ثمانية أشخاص على الأقل. وتبع ذلك تعتيم إعلامي كبير وتزعم المعارضة أنها تتعرض لحملة قمع واسعة من قبل القوات الحكومية.
ونظرًا لأن مسقط رأس المرشح الخاسر يضم ملعبين من الملاعب التي ستستضيف البطولة، يتوقع البعض أن تستخدم كأس الأمم الأفريقية كوسيلة للاحتجاج، وتطالب صفحات مناهضة للحكومة على موقع «فيسبوك» يدار معظمها من قبل أشخاص بالمنفى في فرنسا بتعطيل المباريات. وطالب مهاجم الغابون السابق غوي روجر نزامبا جمهور الغابون بمقاطعة البطولة، كما نظمت مظاهرة ضد البطولة في وسط العاصمة ليبرفيل الساعة الواحدة من ظهر أمس السبت، قبل أربع ساعات من انطلاق المباراة الافتتاحية بين الغابون وغينيا - بيساو. ومن بين الأخبار السيئة الأخرى، أحال جهاز حماية المستهلك التابع لوزارة الصناعة المصرية رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم عيسى حياتو إلى النيابة العامة للتحقيق في صفقة بث مباريات البطولة التي تذاع حصريًا على إحدى القنوات.
ويوم الاثنين الماضي، وقع حادث لحافلة تقل تلاميذ مدارس كانوا في طريقهم لافتتاح ملعب جديد خارج منطقة أوييم في الغابون.لم يسفر الحادث عن وفيات، لكن كانت هناك مجموعة من الصور الفوتوغرافية لأطفال يغطيهم الدماء، وهم يرتدون قمصانًا تروج لكأس الأمم الأفريقية. كما نظم عمال في القطاع العام وشركات النفط إضرابات خلال الأسبوعين الماضيين. كل هذه عوامل تثبت أن الغابون تعاني بقوة وهي تستضيف البطولة الأفريقية الثانية في غضون خمس سنوات فقط.
ووسط تلك الأحداث السياسية والمشكلات التي تواجها الغابون، هناك شعور بحالة من الركود، إن جاز التعبير، في كرة القدم الأفريقية. صحيح أن المواهب باتت موزعة بشكل أوسع على منتخبات القارة، لكن لم يكن هناك تطور كبير في المستوى على مدى العقدين الماضيين. ولا يوجد فريق الآن بحجم منتخب نيجيريا الذي كان يضم كوكبة من النجوم مثل كانو وجاي جاي أوكوشا وتاريبو ويست وصنداي أوليسيه، أو منتخب الكاميرون بنجومه صامويل إيتو ولورين وجيريمي وريجوبرت سونغ. قد يكون ذلك بمثابة مؤشر على عدم وجود فريق مرشح بقوة للحصول على لقب البطولة، لكن ليس بالضرورة مؤشرًا على أنها ستكون بطولة قوية.
فاز منتخب ساحل العاج ببطولة 2015 ليضع حدًا لـ23 عاما من الإحباطات بفريق جديد تسلم الراية من الجيل الذهبي بقيادة النجم الكبير ديديه دروغبا. ومنذ ذلك الحين، لم يعد منتخب الأفيال يضم الأخوين توريه وجيرفينيو والحارس بوبكر باري، إما بسبب الاعتزال أو بسبب انخفاض المستوى والابتعاد عن تشكيلة المنتخب، الذي بات يضم الكثير من الوجوه الشابة والقوية. ويظل إريك بايلي وويلفريد كانون، اللذين لعبا دورًا هامًا للغاية في فوز منتخب بلادهما بالبطولة التي نظمتها غينيا الاستوائية، يدعمان خط دفاع الفريق، وإن كان مدافع فياريال الإسباني يلعب بصورة أكبر في مركز الظهير الأيسر في الوقت الحالي، بينما يشارك نجم سندرنلاند الإنجليزي لامين كونيه مع بايلي في وسط الملعب. ويعتمد منتخب الأفيال أيضًا على لاعب خط وسط نيس الفرنسي، جين سيري، الذي يأتي كأفضل صانع للألعاب في الدوري الفرنسي هذا الموسم، كما قدم ويلفريد زاها أداءً رائعًا في أول ظهور له في مباراة ودية أمام السويد يوم الأحد الماضي.
ولا يزال منتخب غانا، الذي خسر لقب البطولة السابقة بركلات الترجيح قبل عامين، عاجزًا عن الفوز باللقب منذ عام 1982، رغم فوز النجوم السوداء بكأس العالم تحت 20 عاما في 2009. وحظيت غانا بالإشادة لقوة عروضها في النسخ الخمس الماضية من كأس الأمم الأفريقية لكنها كانت تتعثر دومًا قبل النهاية مما يمثل حافزًا للفريق الملقب «بالنجوم السوداء» للتتويج بالكأس في الغابون لأول مرة منذ 1982. وقال المهاجم المتميز أندريه أيو قبل أن تستهل غانا مشوارها في المجموعة الرابعة بمواجهة أوغندا يوم الثلاثاء: «ندخل دائرة المنافسة في كل نسخة منذ 2008 لكن لم نتوج باللقب منذ 35 عامًا». وأضاف: «خسارة نهائي آخر نسخة من البطولة بركلات الترجيح كان أمرًا مفجعًا»، وذلك بعدما تفوقت عليها ساحل العاج 9 - 8 عقب التعادل من دون أهداف في نسخة 2015 بغينيا الاستوائية. وكان أيو مهاجم وستهام يونايتد ضمن ثلاثة لاعبين بتشكيلة غانا الحالية شاركوا في نهائي بطولة 2010 في لواندا عندما تفوقت مصر بهدف قاتل في آخر خمس دقائق.
وتابع: «سيطرنا على المباراة لكن فريقنا كان شابًا ويفتقر للخبرة. أعتقد أن غانا تستحق الفوز بكأس الأمم. من الصعب استيعاب هذه الهزائم لكنها تحفزنا بشكل أكبر». وبلغت غانا الدور قبل النهائي في كل نسخ البطولة منذ استضافت الحدث في 2008 لكنها لا تزال في انتظار الجائزة الكبرى. وكان عبيدي بيليه والد أيو وأفضل لاعب في القارة سابقا ضمن تشكيلة غانا التي فازت على ليبيا صاحبة الضيافة وتوجت باللقب عام 1982. وأوقعت القرعة غانا الفائزة باللقب أربع مرات في مجموعة صعبة تضم مصر ومالي وأوغندا.
وتخوض غانا غمار المنافسة بعد بداية متواضعة في تصفيات كأس العالم 2018 بتعادلها على أرضها مع أوغندا وخسارتها من مصر في الإسكندرية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وقال إفرام غرانت مدرب غانا التي استعدت للنهائيات في الإمارات: «صنعنا الكثير من الفرص لكن لم نتمكن من استغلالها».
أما منتخب الجزائر فيضم خط هجوم قوي للغاية بقيادة إسلام سليماني ورياض محرز وياسين براهيمي، لكن منتخب الخضر يعاني من عدم الاستقرار الإداري، ويكفي أن نعرف أنه استعان بثلاثة مديرين فنين خلال عام واحد فقط. ويعود منتخب مصر للمسابقة بعد غيابه عن ثلاث دورات متتالية، ويبدو الفريق متوازنًا في وجود محمد صلاح ومحمد النني ورمضان صبحي، وكذلك حارس المرمى المخضرم عصام الحضري البالغ من العمر 43 عامًا، والذي قاد الفراعنة للحصول على كأس الأمم الأفريقية ثلاث مرات متتالية أعوام 2006 و2008 و2010.
أما الفريق المستضيف للبطولة، والذي قدم مباريات قوية للغاية على أرضه قبل خمس سنوات وخرج من البطولة من الدور ربع النهائي أمام مالي بركلات الترجيح، فيضم أفضل مهاجم في المسابقة وهو بيير أوباميانغ.
لكن في هذه المسابقة كانت الغابون تحظى بدعم جماهيري كبير ربما لن نشاهده هذه المرة.
كأس الأمم الأفريقية 2017... انتشار المواهب يصعب التنبؤ بالفريق الفائز
مجموعة من الفرق زاخرة بالنجوم يمكنها الفوز بالبطولة في ظل اضطرابات سياسية
كأس الأمم الأفريقية 2017... انتشار المواهب يصعب التنبؤ بالفريق الفائز
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة