جاريد كوشنر... صهر «سيد» البيت الأبيض

ابن أسرة يهودية سيكون مستشار ترامب والناصح المؤثر

جاريد كوشنر... صهر «سيد» البيت الأبيض
TT

جاريد كوشنر... صهر «سيد» البيت الأبيض

جاريد كوشنر... صهر «سيد» البيت الأبيض

من النادر حدوث مصاهرة في الولايات المتحدة بين أسرة يهودية بولندية الجذور سقط أجدادها ضحايا للمحرقة النازية، مع أسرة مسيحية تعود جذور أجدادها إلى ألمانيا النازية ذاتها. ولكن هذا بالضبط ما حصل بين أسرة كوشنر اليهودية الأرثوذكسية ممثلة بالشاب جاريد كوشنر، نجل الملياردير اليهودي تشارلز كوشنر إمبراطور العقارات في ولاية نيوجيرسي ومؤسس شركات كوشنر - الذي عيّنه حموه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أخيرًا مستشارًا له وأسرة ترامب ممثلة بالشابة إيفانكا ابنة الرئيس المنتخب وإمبراطور العقارات في ولاية نيويورك. وكانت إيفانكا في ذلك الوقت قد بدأت بالعمل في شركة والدها في حين أن جاريد كان قد تولّى مهام والده في إدارة ممتلكاته العقارية الضخمة، لأن الأب كان قد اعتقل وحوكم بتهم كثيرة، من بينها التحايل على أنظمة الضرائب والتبرعات وأمضى في سجن فيدرالي نحو سنتين.
يبدو أن الثراء الناتج عن النشاط العقاري وحده هو ما جمع بين أسرتي كوشنر وترامب، وكان الجسر الرابط بين الفتى جاريد كوشنر والفتاة إيفانكا ترامب، مثلما هو جسر جورج واشنطن يربط بين مسقط رأس جاريد في ولاية نيوجيرسي، ومسقط رأس إيفانكا في ولاية نيويورك المجاورة ولا يفصل بين الولايتين سوى نهر الهدسون. ذلك أنه قبل انخراط كوشنر في حملة «حميه» دونالد ترامب الانتخابية لم يكن تُعرف له أي توجهات سياسية سوى أنه يعلق في مكتبه صورة للرئيس الديمقراطي الراحل جون كينيدي وأخيه روبرت كينيدي، كما يعرب عن اعتزازه بكثير من الرؤساء الديمقراطيين ولم يسمع منه أي إشادة أو فخر بأي رئيس جمهوري.

لقاء مرتّب
ومن المفارقات أيضًا أن اللقاء الأول بين جاريد وإيفانكا عام 2007 لم يكن تلقائيًا ولا عفويًا بل مرتبًا من جانب أصدقاء مشتركين لهما، ليس بغرض تزويجهما، وإنما بغرض خلق فرص تعامل تجاري بين الأسرتين. واستمرت اللقاءات والمواعدة بين الشاب والفتاة أكثر من سنتين ولم يتم الزواج إلا بشرط كان صعبًا جدًا على أسرة ترامب ولكن الأسرة لم تتدخل لمنع الزيجة المشروطة.
لقد اشترطت أسرة كوشنر على ابنها جاريد للقبول بزواجه من مسيحية بروتستانتية أن تعتنق خطيبته الديانة اليهودية، وهذا ما حصل بالفعل. وهو الأمر الذي استفاد منه لاحقًا «المرشح الرئاسي» ترامب للدفاع عن نفسه بأنه ليس معاديًا للسامية. ومن ثم، كانت هذه المصاهرة النادرة بمثابة طوق النجاة الذي أنقذ ترامب، اليميني المتشدد، من تهمة خطيرة، لا سيما بعدما استغل خصومه جذوره الألمانية فشبّهوه بزعيم النازية أدولف هتلر.
وعلى الرغم من أن 27 في المائة فقط من يهود أميركا صوتوا لصالح ترامب، مقابل أكثر من 72 في المائة صوتوا لمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، فإن ترامب - على ما يبدو - يسعى لاستثمار صهره لاحقًا لحمايته من التهمة ذاتها، التي يخشى من تسليطها عليه أثناء وجوده بالبيت الأبيض في حال اختلفت توجهاته وسياساته مع ما يرضي إسرائيل ومناصريها.
ولهذا عندما بدأ الرئيس الأميركي المنتخب يتلقى التقارير الاستخبارية المصنّفة في «غاية السرّية»، فوجئ مسؤولو الاستخبارات الأميركية بطلب غير مسبوق من رئيس أميركي، هو السماح لشخص آخر من أسرته بالاطلاع على تلك التقارير. هذا الشخص الذي أراد ترامب إشراكه في أدق الأسرار هو صهره جاريد كوشنر، زوج ابنته إيفانكا. وبالطبع، لم يُسمح لكوشنر على الفور بالاطلاع على التقارير الاستخبارية السرّية، ليس لأنه نجل سجين مُدان بـ18 جناية، ولا لأنه يهودي الديانة يُخشى منه أن يسرّب الأسرار لإسرائيل، بل بكل بساطة لأنه لا يحمل صفة رسمية تجبر الوكالات الاستخبارية على فحص سجله الأمني وقياس نسبة الخطورة من اطلاعه على الوثائق المصنّفة «سرّية» أو «سرّية للغاية»، ومن ثم منحه التصريح الأمني أو إبلاغه بالرفض. وعادةً، يكون القرار على ضوء نتيجة الفحص - الذي قد يستغرق شهورًا - في سجل الشخص وشبكة ارتباطاته الخارجية والداخلية، وفي نهاية المطاف إما أن يمنح تصريحًا أمنيًا شاملاً، أو جزئيًا، أو يُرفض منحه التصريح دون إبداء الأسباب.

الصهر... المستشار
وهكذا، من منطلق رغبة من الرئيس ترامب بتسهيل الأمر على صهره، البالغ من العمر 36 سنة، في الحصول على تصريح أمني يؤهله للاطلاع على أسرار الدولة التي لا يطلع عليها سوى الرئيس ونائبه، وتمكُّنه في الوقت ذاته من تقديم الاستشارات للرئيس بشأن القضايا المطروحة أمامه، كان لا بد من إصدار قرار بتعيينه رسميا مستشارًا له ليعمل إلى جانبه في البيت الأبيض. ومن ثم، تبدأ إجراءات حصول الصهر على التصريح الأمني المطلوب.
غير أنه ظهرت معضلة غير متوقعة أمام ترامب وصهره هي وجود تشريع يعود إلى بداية عقد الستينات من القرن الماضي جرى إصداره حينذاك للحد من المحاباة في الوظيفة العامة. وينصّ هذا التشريع على منع كبار مسؤولي الحكومة الفيدرالية من تعيين أقاربهم لشغل الوظائف العامة. ويبدو أنه قد التشريع المشار إليه سُنّ عقب اختيار الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي شقيقه روبرت كيندي وزيرا للعدل، وهو الأمر الذي جوبه في حينه بمعارضة قوية، لكنه لم يحُل دون المصادقة على التعيين في مجلس الشيوخ.
والواقع أنه إذا كانت المصادقة على التعيينات في مجلس الشيوخ تمثل سدًا منيعًا أمام المحاباة، أو حتى أمام اختيار أشخاص يفتقرون إلى الأهلية تحوم حولهم الشبهات، فإن الوظائف المساعدة والاستشارية في البيت الأبيض لا يشترط في المعينين لشغلها أن يمروا على مجلس الشيوخ للحصول على مصادقة المجلس. وبناءً عليه اعتبر ترامب أن عدم اشتراط المصادقة من مجلس الشيوخ بمثابة استثناء من شبهة المحاباة، وفي ضوء ذلك أصدر قراره بتعيين صهره مستشارًا له في البيت الأبيض.
هذا القرار لم يكن مفاجئًا، إذ إن كوشنر كان من أقرب المستشارين المؤثرين على ترامب طوال حملته الانتخابية للرئاسة، ولكن خلفية كوشنر الدينية وروابط والده بقادة إسرائيل الحاليين والسابقين جعلت البعض يتساءل عما إذا كان كوشنر سيلعب دور «رجل اللوبي الإسرائيلي» في البيت الأبيض، غير أن مناصري إسرائيل ينظرون إلى جاريد كوشنر من زاوية عكسية باعتباره في رأيهم درع ترامب القوي وحامي حماه من اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة.

رجل إسرائيل
قد لا يكون جاريد كوشنر صهر الرئيس المنتخب – الذي سيتولى منصبه رسميًا يوم 20 يناير (كانون الثاني) الحالي – الشخص النافذ اليهودي الوحيد في البيت الأبيض، إلا أنه بلا أدنى شك سيكون الأكثر تأثيرا من بين جميع مستشاري ترامب بسبب قربه العائلي منه، ومقدرته على الوصول إليه في أي لحظة يشاء دون سابق موعد.
أما تهمة المحاباة المتصلة باختيار كوشنر للعمل في البيت الأبيض فمن الصعب إثباتها. ذلك أن الصهر الشاب خريج جامعة هارفارد، أعرق جامعات أميركا، كما يحمل درجة الماجستير في إدارة الأعمال وكذلك الإجازة في القانون من جامعة نيويورك المرموقة. وهذا، مع أن منتقدي تعيينه يجادلون بأنه لم يضمن في الأساس القبول في جامعة هارفارد إلا بعدما تبرّع أبوه للجامعة بمبلغ مليونين ونصف المليون دولار. وتكرّر الأمر كذلك مع جامعة نيويورك إذ تبرع الأب للجامعة بثلاثة ملايين دولار قبل أن حصول ابنه على القبول فيها.

منتقم خجول... وابن وفي
من ناحية أخرى، على الرغم من أن كل مَن كَتب عن جاريد كوشنر أو قابله خرج بانطباع جيد عن هدوء الرجل ودماثة أخلاقه، فإن بعض المقربين منه يصفونه بأنه ميال إلى الانتقام، خصوصًا، بعد نجاحه في إبعاد حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي عن حميه الرئيس المنتخب بعدما كان كريستي أحد أبرز المرشحين لتولي منصب نائب الرئيس في بطاقة ترامب الانتخابية.
كذلك تسبب كوشنر في حرمان كريستي من لعب أي دور في فريق ترامب الانتقالي بعدما اختاره حموه مديرًا للفريق. ويعود سبب حقد كوشنر المفترض على كريستي أن الأخير كان يتولّى موقع المدعي العام في ولاية نيوجيرسي وهو من تولّى محاكمة أبيه تشارلز في التهم المنسوبة إليه. ومن بين التهم المخجلة إدانته بالاتفاق مع إحدى بائعات الهوى للإيقاع بزوج أخته، بعدما كان قد أعد العدة في أحد الفنادق لتصوير اللقاء بينها وبين المستهدف من أجل تحريض أخته لاحقًا على زوجها، لكن الخطة فشلت.
ويبدو أن منظر اعتقال «كوشنر الأب» كان له أثر كبير في نفسية «كوشنر الابن» لدرجة أن الأخير ألغى خططه للعمل في مجال المحاماة لأنه حسب ما صرح به لأكثر من صحيفة أميركية - لم يعد يرغب أن يعمل مدعيًا عامًا ويلحق الضرر بأي أسرة أو يسجُن أحد مثلما حدث لوالده المحامي. وكانت إجازة المحاماة قد سُحبت من والده في كل من ولايتي نيويورك ونيوجيرسي عقب إدانته.
وحسب ما قالته إيفانكا لوسائل إعلام أميركية فإن العلاقة بين زوجها ووالده هي علاقة صداقة ومحبّة غير عادية بين أب وأبنه. وتؤكد بعض المصادر الإعلامية أن جاريد أنفرد من بين جميع إخوته وأخواته بالحفاظ على زيارة والده أسبوعيًا في سجنه إلى أن تم الإفراج عنه. وتقول مصادر أخرى إن الأب استمر في إدارة أعمال شركاته من داخل سجنه، كما أنه بعد خروجه من السجن ظل المسؤول الرئيسي عن تسيير شركاته وليس الابن الذي ينسب إليه الفضل شكليًا.
ومثلما أجاد جاريد التعامل مع والده والاستفادة منه إلى أقصى حد فقد عرف أيضًا كيف يتعامل مع حميه و«رئيسه» ترامب ليستفيد من إلى أقصى حد.
ويجمع المقربون منهما أن جاريد كوشنر أصبح الرجل الهامس في أذن الرئيس الجديد وصاحب التأثير الكبير عليه. وعليه، يتوقع هؤلاء أن يلعب داخل ردهات البيت الأبيض دورًا مهمًا للغاية، وقد يتفوق على نائب الرئيس مايك بينس في نفوذه. وللعلم، اصطحب ترامب كوشنر معه إلى البيت الأبيض خلال لقائه مع الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما. وبالمناسبة، يتهم الديمقراطيون كوشنر بالتحايل على القانون الفيدرالي لمكافحة محاباة الأقارب، الصادر عام 1967، بالقول إنه لن يحصل على راتب مقابل عمله الاستشاري. غير أن المدافعين عن هذا التعيين يستدلون بقرار الرئيس السابق بيل كلينتون تعيين زوجته هيلاري في منصب رئيسة برنامجه للرعاية الصحية عام 1993.

لمحة عن نشأته
في أي حال، ومع تعدد النجاحات التي حققها جاريد كوشنر، ترى بعض المصادر الإعلامية الناقمة على ترامب والمقربين منه تصفه بأنه كان تلميذًا فاشلاً ومدللاً، وتلقى تعليمه الأولي في مدرسة يهودية خاصة في مسقط رأسه بلدة ليفينغستون بولاية نيوجيرسي، وهي عمليًا إحدى ضواحي مدينة نيويورك. ولقد تزوج كوشنر من إيفانكا عام 2009 ولديهما حاليًا ثلاثة أطفال، وهما حريصان بشكل كبير على الظهور بصورة مثالية على شبكات التواصل الاجتماعي.
ومن نشاطاته المبكرة أنه قبل زواجه اشترى صحيفة «نيويورك أوبزرفر» عندما كان عمره 25 سنة فقط، وذلك مقابل مبلغ 10 ملايين دولار. وخلال الحملة الانتخابية جعلها المنبر الأول للدفاع عن ترامب خاصة عندما كان يتعلق الأمر بمعاداة السامية. وعمومًا، يوصف كوشنر بأنه هادئ في كلامه وخجول أمام الكاميرات. وسبق له التعهد بأنه سيتخلى عن أعماله الخاصة ليتولى مسؤولياته الجديدة. وأفادت تقارير بأن جاريد وإيفانكا وأطفالهما انتقلوا إلى منزل في أحد الأحياء الراقية العاصمة واشنطن، يتجاوز ثمنه 5 ملايين ونصف المليون دولار.

ما يتوقع منه
حول توجهات كوشنر السياسية المستقبلية، يقول مسؤولون في الفريق الانتقالي لترامب إن «صهر الرئيس» سيركز مبدئيًا في منصبه الجديد على السياستين التجارية والشرق أوسطية، وخصوصًا أن لوالده علاقات وثيقة بقادة إسرائيل الحاليين والسابقين.
وفي هذا السياق، قال ريتشارد بينتر، الذي عمل محامي البيت الأبيض للشؤون الأخلاقية في عهد جورج بوش الابن، في تصريح لوكالة «أسوشييتد برس» أن خيارات كوشنر لتولي منصب في البيت الأبيض خيارات محدودة بسبب ارتباطاته العائلية بالرئيس، لكن القانون لا يمنع كوشنر من العمل مستشارًا غير مدفوع الأجر، وثمة اتفاق عام على أن كوشنر سيلعب دورًا حاسمًا في تحديد شكل الرئاسة من خلال عمله مستشارًا لشؤون السياسة. وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن علاقات كوشنر جيدة بشخصيات واسعة النفوذ مثل وزير الخارجية هنري كيسنجر، والقطب الإعلامي اليميني الملياردير روبرت ميردوخ. ومع أنه مثل حميه لم يشغل من قبل أي منصب حكومي، فهو يبدو الآن أهم من كثيرين تولوا مناصب عامة في حياتهم.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».