يحمل المخرج الأردني محمود المسّـاد مخيلة تستوعب الكثير من الأفكار التي يقدّمها عادة في أسلوب متعدد الميزات. هو مع كامل التجربة التسجيلية التي انبثق منها عمليه الجيدين «إعادة تكوين» (الذي نال جائزة «التصوير العالمية لفيلم تسجيلي» من مهرجان صندانس سنة 2008) و«هذه صورتي عندما كنت ميتًا» (فاز بالجائزة الأولى في مهرجان دبي عن أفضل فيلم تسجيلي عربي). أما الآن فهو يقدم تجربته الروائية الأولى في فيلم «إنشالله استفدت» وفيه وضع المخرج الأردني حكاية كوميدية بسيطة القوام بحد ذاتها، لكنها محمّـلة بالسخرية حيال أوضاع وشخصيات. استوحى الحكاية مما حدث لصديق له دخل السجن بتهم غير خطرة فعايش عالمًا مختلفًا دفعه إلى قبوله كمشروع بديل عن العالم خارج السجن.
بطله أحمد (أحمد طاهر) ويعمل معمرجيًا كان تسلم 3000 دينار من زبون لكنه لم يف بوعده ويبن الجدار المتفق عليه. في صباح يوم يتجه إلى سوق الخضار للتموّن فيتقدم منه رجلا أمن ويقودانه إلى مركز الشرطة حيث يدخل الزنزانة. في المحكمة، يحاول أحمد الدفاع عن نفسه بأنه كان سيعيد المبلغ إلى صاحبه في أقرب فرصة، لكن القاضي لا يكترث فالأمر بالنسبة إليه واضح. يقول له «انت استلمت 3000 دينار لبناء جدار ولم تبنه» ثم قضى بثلاثة أشهر في السجن.
حكاية «إنشالله استفدت» تبدأ هكذا وتتحوّل سريعًا إلى دراما سجون تستخدم الكوميديا بنجاح في مواطن متعددة. أحمد، الذي تعرفنا عليه وهو يسرق الكهرباء من خط الجيران يتصل بابن عمّـه لأجل تدبير الكفالة وهذا يحاول لكنه كثير الفشل. المهم في هذه التوليفة أن أحمد دخل ليبقى وليتعرف، والفيلم، إلى دواخل السجن والحياة فيه ويصادق بعض من فيه على بعضهم الآخر.
في كل هذا، ليس هناك جديد طاغ من حيث الحدث لأن المخرج، وبمهارة، لم يحاول البحث عن أحداث نافرة بل رسم صورة إنسانية اجتماعية ساخرة عن حياة أحمد في الداخل، ومن ذلك المكان عمد إلى إلقاء نظرة نقدية لنماذج اجتماعية تستسهل الفساد على الحياة المستقيمة. في الوقت ذاته، هي نظرة تصيب مجتمعات المدينة العربية أينما كانت وما يحدث لها اليوم. مشاكلها المعيشية ولجوء البعض إلى مداراة الأوضاع الصعبة بالحيلة هنا أو بالرغبة في الهرب من المسؤوليات وبالفشل دائمًا.
أحمد هو أكثر السجناء طيبة، وإبن عمّـه أكثر شخصيات الفيلم سذاجة. يحاول بيع عشرة كومبيوترات مهرّبة فيضحك الشاري عليه ويسرقها منه. المشتري يدخل السجن وهناك لقاء عابر بينه وبين أحمد الذي يخرج من السجن لكنه يجد نفسه مع زمرة من لصوص أكبر شأنًا في حافلة أمن تقلهم إلى القضاء.
الفيلم عن حياة واقعية ونماذج اجتماعية منتشرة (يقول المخرج إن نحو 60 في المائة من الفيلم صحيح الأحداث). لكن التوليف (لثلاثة) ليس من بين إبداعات هذا العمل. هناك مشاهد خارجية لا تُقدّم جيدًا وغير معنى بها لتوطيد من تدور حولهم (قيام ابن عمّـه بشراء خروف يهرب منه في السوق مضحك، لكن مشهد تسليم الخروف لمن دفع لابن العم لكي يشتريه يمر خارج السياق). عدا ذلك، الفيلم كوميديا سوداء جيدة التنفيذ يحملها بنجاح ممثل واحد قابل للتصديق وتخلو من الدكانة ما يجعل العمل أكثر من ترفيه مستطاب. مشهد النهاية (في حافلة تنقل لصوصًا كبار يفكون قيودهم) فيه رسالة سوف لن تفوت أحدًا.
المخرج محمود المسّـاد يلقي نظرة كوميدية على واقع جاد
«إنشالله استفدت» جديده الروائي الأول
المخرج محمود المسّـاد يلقي نظرة كوميدية على واقع جاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة