تدور داخل أوساط الهيئة العليا للمفاوضات التي يديرها رياض حجاب نقاشات لبلورة موقف منسجم من انعقاد اجتماع آستانة الذي سيعقد مبدئيا يوم 23 من الشهر الحالي برعاية مشتركة روسية - تركية. وفي هذا السياق، أجلت الهيئة الاجتماع الذي كان من المفترض أن تعقده في الرياض اليوم إلى بعد غد الجمعة، بانتظار وصول عدد مهم من أعضائها من إسطنبول الذين تأخر وصولهم بسبب أحوال الطقس المثلج في المدينة التركية.
وحتى الآن، ووفق ما قالته مصادر رفيعة المستوى في المعارضة السورية، لم تتسلم «الهيئة» أية دعوة من الجهات الراعية ولا تعرف ما إذا كانت ستدعى كهيئة أم أن أعضاء فيها ستتم دعوتهم بصفتهم الفردية. وفي الحالتين، فإن الأمور غير واضحة وبالتالي غير محسومة. ولذا، فإن سلسلة الاجتماعات الرسمية «للهيئة» التي ستنطلق بعد غد، ستكون بالغة الأهمية لتقويم الوضع السياسي والميداني ومن أجل بلورة موقف تواجه به الاستحقاقات القادمة، خصوصا الاجتماع المرتقب في العاصمة الكازاخية.
تقول مصادر المعارضة التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن ثمة مجموعة «مخاطر» و«مخاوف» تنتاب الهيئة العليا المتوجسة من آستانة، وعلى رأسها القلق من أن تكون «طريقة للالتفاف على أسس الحل للأزمة السورية التي أرستها الأسرة الدولية بمن فيها روسيا». وبكلام آخر، فإن التخوف الأول هو أن «تسعى موسكو إلى إيجاد مرجعية جديدة»، وإلى «حرف» العملية السياسية المتوقفة منذ فشل ثلاث جولات في جنيف من تحقيق تقدم ملموس في هذا الشأن. ويترجم هذا التخوف بقلق مزدوج وجهه الأول، أن يكون أحد الأهداف التي تسعى إليها موسكو في آستانة «تهميش الهيئة العليا» وإظهار أنها قادرة على السير بحل سياسي من غير مشاركتها، مما يعني أن الحاجة إليها قد انتفت. والواضح أن موسكو تعتبر أن التغيرات الميدانية «خصوصا حلب» أوجدت واقعا جديدا نزع من «الهيئة» الدور الذي كان مقدرا لها أن تلعبه، باعتبار أنها كانت المحاور الرئيسي للنظام في جنيف والجهة التي أوكل إليها القرار الدولي رقم 2254 أن تمثل المعارضة السورية بشكل واسع. ومصدر القلق الثاني، أن تخسر «الهيئة» صفتها التمثيلية لدى الفصائل المسلحة وقوى المعارضة السياسية التي أوكلت إليها مهمة حمل أهداف الثورة السورية والدفاع عنها والعمل على تحقيقها. وفي هذه الحال، فإن «الهيئة» ستفقد أيضا موقعها لدى القوى الدولية التي وقفت إلى جانبها وجعلتها المحاور لها. والخلاصة التي تصل إليها مصادر المعارضة هي أن غيابها عن آستانة «سيأتي بالضرر عليها»، ولذا، فإن «المصلحة العليا» تقضي بأن تكون حاضرة فيها. ووفق المعلومات التي وصلت لـ«الشرق الأوسط»، فإن الدول الأوروبية الممثلة في «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية «تنصح الهيئة» بألا تغيب عن آستانة. لكن المشكلة تكمن في أن هذه البلدان لا تأثير لها على مسار آستانة، لا بل «حتى اليوم»، لم تدع هي الأخرى إليه لأن موسكو وأنقرة هما من سيصدر الدعوات وليس أية جهة أخرى.
غير أن هذا التوجه، رغم الأسباب الوجيهة التي تدفع إليه، يلاقي «تساؤلات» كما يطرح «علامات استفهام» جدية. فالمشاركة تعني، في نظر المعارضة السورية، أنها تسير بالحل الروسي الخالص، أو على الأقل قد اقتنعت به. ولذا، فإن ثمة من يتحفظ على «وضع كل بيض المعارضة في السلة الروسية»، فيما موسكو لا تزال الخصم والحكم في آن رغم ما يزعم عن سعيها وحاجتها اليوم قبل الغد لحل سياسي في سوريا. لكن المجهول «الأكبر» سيكون الموقف الغربي وخصوصا الأميركي من المعارضة وتحديدا من «الهيئة». وتتساءل أوساط المعارضة عن «الثمن» الذي سيكون عليها أن تدفعه مقابل «تخليها» عن المقاربة الغربية ومشاركتها في الاجتماع المرتقب، رغم «قناعتها» أن آستانة «لن تخرج بشيء حقيقة» وأن الغرض الروسي هو «عقد الاجتماع بذاته وليس التوصل إلى حل اليوم أو غدا».
إزاء هذا الوضع المعقد، يقول تيار في المعارضة إنه يتعين عليها انتظار ما ستأتي به إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب من مقاربات للملف السوري، وتتساءل عما إذا كانت هناك «حكمة» في السير باجتماع آستانة «في حال دعيت إليه»، قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في توجهات واشنطن المستقبلية. ورغم التصريحات التي جاءت على لسان ترامب أثناء الحملة الانتخابية ورغبته في التقرب من موسكو واعتباره أن تنظيم داعش هو «عدو» أميركا وليس نظام الأسد، فإن المعارضة تتساءل عن كيفية توفيق الإدارة الجديدة بين عزمها على اتباع سياسة متشددة إزاء طهران واستعدادها لغض النظر عن دور طهران وخططها في سوريا وكذلك الرغبة في العمل بشكل وثيق مع موسكو والتنديد بالدور الإيراني، فيما موسكو وطهران «حليفتان» في سوريا وتشكلان الدعامتين اللتين وفرتا للنظام البقاء واقفا على قدميه. وفي أي حال، فإن تيارا واسعا داخل المعارضة يرى أن عليها أن تحافظ على الدعم الأميركي وأن إدارة ترامب «لا يمكن أن تكون أسوأ بالنسبة إليها من إدارة أوباما» التي تركت الوضع يهترئ ورفضت دوما تقديم الدعم العسكري الضروري للمعارضة وتركت روسيا تفرض رؤيتها وإدارتها للأزمة السورية. وبموازاة ذلك، فإن التيار نفسه يدعو للمحافظة على «الحاضنة الغربية والخليجية» ما يبين الحاجة لمزيد من التشاور لتوحيد المواقف.
يبقى أن ثمة أسئلة تتناول الرؤية والخطط التركية. وترى مصادر المعارضة أن تركيا «قادرة» على فرض حضور «الهيئة» لأنها أحد الراعيين لآستانة. لكن المجهول في الموقف التركي مدى رغبة وقدرة أنقرة على الوقوف بوجه الإرادة الروسية في حال تمسكت موسكو بتمثيل الفصائل المسلحة وحدها التي وقعت على الهدنة وعددها عشرة. والمتعارف عليه اليوم أن تركيا بأمسّ الحاجة لمسايرة روسيا في سوريا، بعد أن «فقدت الأمل» من واشنطن واستفزها استمرار دعمها لوحدات حماية الشعب الكردية. ولم يعد سرا أن دخول القوات التركية إلى ريف حلب الشمالي وسيطرتها، مع فصائل من الجيش السوري الحر على شريط حدودي يمتد من جرابلس إلى أعزاز تم بضوء أخضر روسي، ما سمح لأنقرة بمنع التواصل الجغرافي بين المناطق الكردية الثلاث في سوريا. ولذا، فإن «الهيئة» تتواصل مع الحكومة التركية، وقد عقد حجاب عدة اجتماعات مع وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو في الأيام القليلة الماضية في الدوحة وفي إسطنبول لفهم الموقف التركي وبحثا عن التنسيق بين الطرفين.
ما الذي سيصدر عن اجتماعات الرياض؟ ثمة مجموعة من المخارج المطروحة والتي يمكن اعتماد أحدها. ومن بينها مشاركة «الهيئة» بوفد متواضع «من الصف الثاني» أو حضور بعض أعضائها بصفتهم الشخصية وبموافقتها. أما التصور الآخر فهو أن تتمسك الفصائل المسلحة بتمثيل «الهيئة» باعتبارها الطرف المفاوض وباعتبار أن تسعة من أعضائها يمثلون هذه الفصائل التي حضرت في جولات التفاوض الثلاث في جنيف.
حتى اليوم، لا يبدو أن ثمة خيارا متقدما عن غيره وبالتالي فإن الأمور «مفتوحة» بانتظار أن تتوضح مجريات آستانة ويفصح عن جدول أعماله وعن مرجعيته، وهي أمور ما زال يلفها الغموض.
المعارضة السورية متخوفة من سعي موسكو لمرجعية بعيدة عن جنيف
الهيئة العليا للمفاوضات تبدأ الجمعة اجتماعاتها بحثًا عن موقف من آستانة
المعارضة السورية متخوفة من سعي موسكو لمرجعية بعيدة عن جنيف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة