في سابقة هي الأولى من نوعها في الممارسات السياسية الأميركية، تبدأ لجان تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي هذا الأسبوع دراسة ملفات المرشحين للمناصب العليا في إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب قبل أن يكمل مكتب التحقيقات الفيدرالية «إف بي آي» الفحص الأمني للمرشحين.
وتوقع محللون في كبريات الصحف الأميركية، أن تسفر هذه الخطوة عن مواجهة وشيكة بين الجمهوريين والديمقراطيين؛ إذ طالب أعضاء كبار في اللجان المتخصصة ينتمون إلى الحزب الديمقراطي بتأجيل إجراءات المصادقة إلى أن يتسلم مجلس الشيوخ التصريحات الأمنية للمطلوب المصادقة على شغلهم مناصب عليا في إدارة ترامب.
في المقابل، يسعى الجمهوريون في مجلس الشيوخ بتسريع عمليات المصادقة ليتمكن كبار مرشحي ترامب لشغل المناصب العليا في وزارات الخارجية والدفاع والمالية والعدل من مباشرة مهامهم في العشرين من يناير (كانون الثاني) الحالي، بعد أداء الرئيس المنتخب دونالد ترامب القسم الدستوري مباشرة.
ويتوقع خبراء قانونيون أميركيون، أن يواجه الأشخاص الذين رشحهم ترامب، خصوصا رجال الأعمال منهم، صعوبات في الحصول على مصادقة مجلس الشيوخ. ولكن بحكم وجود أغلبية لدى الحزب الجمهوري في جميع اللجان المتخصصة بمجلس الشيوخ، فإن المصادقة لن تتأخر كثيرا، لكنها لن تتم، حسب رأيها، قبل الحصول على مصادقة أمنية لا تتضمن اعتراضا صريحا من جانب الجهات الأمنية على مرشح لأي منصب.
تجدر الإشارة إلى أن اللجان المتخصصة في مجلس الشيوخ الأميركي قد بدأت الثلاثاء الماضي جلسات المناقشة لإقرار تعيين كبار من اختارهم الرئيس الأميركي المنتخب لشغل المناصب الوزارية العليا في إدارته، لكن استجواب المرشحين لم يبدأ بعد.
ولا يحتاج كبار من اختارهم ترامب لشغل مواقع مساندة له في البيت الأبيض إلى مصادقة مجلس الشيوخ، في حين أن من اختارهم لشغل حقائب وزارية يحتاجون إلى مصادقة مجلس الشيوخ قبل أن يباشروا أعمالهم.
ويتولى مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (إف بي آي) دراسة ملفات المرشحين للمناصب العليا والوسطى في الإدارة المقبلة، ولدى المكتب صلاحيات للاعتراض على تسمية أي شخص لأي منصب إذا ما وجد أسبابا تتعلق بنقاط سوداء في السجل الجنائي أو المالي للمرشح. لكن القرار الأخير هو ما تجمع عليه أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الذي يتمتع فيه الجمهوريون بأغلبية 52 مقعدا، مقابل 48 للديمقراطيين.
ويبدي بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي تحفظات على اختيار رجل الأعمال ريكس تيليرسون وزيرا للخارجية؛ بسبب صلاته السابقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلا عن تعاملاته المالية المعقدة بصفته رئيسا لشركة أيكسون موبيل العملاقة للخدمات النفطية. أما الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، المرشح لشغل منصب وزير الدفاع في إدارة ترامب، فإن وضعه قد يكون أكثر صعوبة لأن معارضة اختياره لا تقتصر على الديمقراطيين، بل تتعداهم إلى أعضاء كبار من قيادات الحزب الجمهوري تعيينه، بسبب التقاليد المتعارف عليها بأن منصب وزير الدفاع يجب عن يشغله شخصية مدنية لا عسكرية. ويتطلب قانون وزارة الدفاع مضي سبع سنوات بعد ترك الخدمة العسكرية لأي شخص غير مدني يتم اختياره لشغل المنصب الأعلى في الوزارة.
وكانت صحف أميركية بارزة قد توقعت كذلك أن يواجه المرشحان لوزارتي العدل والمالية جيف سيشنز وستيفن منتشين، صعوبات مماثلة مستدلة بتأخر حصولها على التصريح الأمني من مكتب التحقيقات الفيدرالية.
في سياق آخر، فشلت الوكالات الاستخباراتية الأميركية الرئيسية في إقناع الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتبني وجهة نظرها فيما يتعلق بالتعامل مع الحكومة الروسية ومناصبة الرئيس فلاديمير بوتين العداء.
وكرر الرئيس الأميركي المنتخب، السبت، الإعراب عن رغبته في التقرب من موسكو، إلا أنه سعى في الوقت نفسه إلى طمأنة الجمهوريين عبر تعيين سيناتور سابق مسؤولا عن أجهزة الاستخبارات، يعرف عنه تشدده إزاء موسكو.
وقال ترامب في سلسلة تغريدات على «تويتر» صباح السبت «إن إقامة علاقات جيدة مع روسيا أمر جيد وليس سيئا. وحدهم الأشخاص الحمقى يعتبرون هذا الأمر سيئا».
في المقابل، قال رينس بريبوس، الذي اختاره ترامب لمنصب كبير موظفي بالبيت الأبيض، في تصريحات أدلى بها لقناة تلفزيون «فوكس نيوز» أكد فيها أن ترامب أصبح مقتنعا بصحة الاختراق الروسي لقواعد بيانات الحزب الديمقراطي وكبار مناصريه. وتابع المتحدث، أن ترامب يعتزم أن يوجه أجهزة المخابرات بإصدار توصيات بشأن ما الذي يتعين عمله. واستنادا إلى هذه التوصيات «قد تتخذ إجراءات».
في السياق ذاته، لوحظ أن الرئيس المنتخب قد خفف من حدة نبرة الانتقاد لأجهزة استخباراته، إلا أنه حافظ على إصراره برفض استنتاجات توصلت إليها ثلاث وكالات استخباراتية رئيسية من أوامر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأجهزته بالعمل على إسقاط المرشحة السابقة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، قد نجحت أو أن التدخل في سير الانتخابات الأميركية قد أدى إلى تغيير النتائج أو التشكيك في سلامة العملية الديمقراطية برمتها.
وكان التقرير الاستخباراتي قد احتوى نسختين، إحداهما سرية مزودة بالمصادر والوثائق، وأخرى علنية أزيل من محتواها ذكر المصادر السرية، كما جرى إعادة تحرير التقرير بما يتواكب مع العلنية التي تضمنت تقييما من إعداد وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، ووكالة الأمن القومي (إن إس آي).
وعقب تلقيه التقرير السري الموثق بمصادر، جرى إزالتها من النسخة العلنية من التقرير، وسارع ترامب بالتأكيد على أن قناعته لم تتغير بأن القرصنة الروسية لم تحدث أي تأثير على نتائج الانتخابات الأميركية. وقال ترامب في تغريدات متتابعة يومي السبت والأحد تعليقا على التقرير الاستخباراتي السري الذي تلقاه: «إن الاستخبارات لم تقدم أي أدلة بأن القرصنة الروسية كان لها تأثير على نتائج الانتخابات الأميركية»، موضحا أن «صناديق الاقتراع لم تمس أبدا.». وأعلن الرئيس المنتخب أنه لا يزال مصمما على إقامة علاقات ودية بين بلاده وروسيا قائلا إن البلدين «سيعملان معا على حل جزء من المشكلات الكثيرة الكبرى التي يرزح تحتها العالم اليوم». وأضاف ترامب «لدينا ما يكفي من المشكلات حول العالم ولا نريد مشكلة إضافية جديدة مع روسيا.».
وطمأن ترامب الشعب الأميركي في تغريداته بأنه قادر على إيقاف التدخل الروسي السلبي في شؤون بلاده قائلا «عندما أباشر عملي الرئاسي ستحترمنا روسيا بصورة أكبر مما كان عليه الوضع في السابق».
واستمر ترامب في الدفاع عن موقفه المهادن من الروس بالقول إن وجود علاقات حسنة مع روسيا أمر جيد لا سيئ، ولا يقول بغير ذلك إلا الأغبياء أو الحمقى..
وفي معرض تخفيفه من حدة إنكاره وجود قرصنة روسية من الأساس وجه ترامب اللوم للحزب الديمقراطي، متهما إياه بالإهمال والتقاعس عن حماية قواعد بياناته، مضيفا أن خسارة الحزب الديمقراطي كانت كبيرة إلى درجة جعلت قادة الحزب يبحثون عن شماعات يعلقون عليها أسباب خيبتهم. ويتناقض ما توصل إليه ترامب من استنتاجات مع ما ورد في النسخة العلنية من التقرير الاستخباراتي الذي تلقاه وورد فيه «إن بوتين والحكومة الروسية عملا على مساعدة ترامب بالفوز في ا لانتخابات عن طريق التشكيك في سجل منافسته حينها الوزيرة هيلاري كلينتون».
ومن الطبيعي أن يرفض الرئيس المنتخب هذا الاستنتاج لأن آخر ما يريد أن يسمعه من أجهزته الاستخباراتية هو التشكيك في شرعيته.
وتضمنت النسخة العلنية من التقرير الاستخباراتي، كذلك الإشارة إلى أن الكرملين كان يفضل ترامب على هيلاري، فضلا عن أن روسيا كان لها أهداف في «تقويض ثقة العامة» بالعملية الديمقراطية الأميركية. ولكن التقرير لم يتطرق على وجه التحديد إلى الدور المزعوم الذي لعبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التأثير على سير الانتخابات الرئاسية الأميركية». غير أن التقرير ورد فيه أن بوتين معجب بـترامب؛ لأن الأخير تعهد بالعمل مع روسيا، وأن «للرئيس الروسي تجارب إيجابية في العمل مع الزعماء السياسيين الغربيين الذين تدفعهم مصالحهم الاقتصادية إلى التعاون مع روسيا، مثل رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق سيلفيو برلسكوني والمستشار الألماني السابق جيرهارد شويدر».
أما سبب نقمة الروس على هيلاري كلينتون ومخاوفهم من نجاحها فقد عزاها التقرير إلى سجلها في «التحامل الجلي» على روسيا وإدلائها بتصريحات «مهينة» لموسكو، خصوصا أثناء اندلاع احتجاجات ضد الحكومة الروسية في 2011 وأوائل 2012.
ولم تعلق موسكو من جانبها على الموضوع، على الفور، ولكن سبق لها أن نفت ادعاءات التدخل في الانتخابات الأميركية. وأعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية عقب صدور التقرير الاستخباراتي أن آلات إحصاء الأصوات الانتخابية وقواعد البيانات المتعلقة بالناخبين ستعد من الآن فصاعدا جزءا من «البنية التحتية الحيوية»، وستوفر لها حماية أكبر من الهجمات والاختراقات الإلكترونية.
بوادر معركة في الكونغرس حول تعيينات ترامب
مسعى جمهوري لتثبيت المرشحين قبل التنصيب
بوادر معركة في الكونغرس حول تعيينات ترامب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة