عدد من الأحفاد، شباب وفتيات، يلتفون حول جدتهم المُسنة، وكل منهم منشغل بجهازه الجوال يتابع عالمه الافتراضي، بينما تجلس الجدة بينهم وتعكس ملامحها علامات الشرود.. المشهد عكسته صورة فوتوغرافية شهيرة انتشرت قبل عدة أشهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتأتي أبرز التعليقات عليها أنهم «ذهبوا لزيارة جدتهم لأنها كانت وحشاهم».
مضمون الصورة يعكس التأثير السلبي للتكنولوجيا الحديثة على الروابط العائلية، وهو الموضوع الذي تطرقت له دراسة مصرية حديثة عنوانها «استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وانعكاسها على العلاقات الأسرية»، والتي حذرت من المبالغة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وأوصت بترشيد التعرض لها لتجنب فقدان التواصل الاجتماعي الطبيعي بين البشر.
الدراسة التي أعدتها الباحثة سارة عبد الفتاح هاشم، بكلية الآداب بجامعة قنا، أشارت إلى أن الاستخدام الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها مواقع «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«يوتيوب»، فرض نفسه بقوة في حياتنا الاجتماعية، وعددت عددا من الآثار الإيجابية لشبكات التواصل الاجتماعي، أهمها انتقال ونشر المعلومات دون عوائق أو قيود، وإحداث طفرة نوعية ليس فقط في مجال الاتصال والعلاقات بين الأفراد والجماعات بل في نتائج وتأثير هذا الاتصال، كما عملت على تعميق العلاقات الاجتماعية بين المستخدمين وأقاربهم، وتعزيز العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء.
وبرغم هذا التأثير الإيجابي، فإن الدراسة أكدت أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي نتج عنه قيم وثقافة جديدة تختلف عن الثقافة الموجودة في المجتمع من الأصل، حيث عملت الشبكات على تدني تفاعل المستخدمين لها مع أسرهم، وكذلك فإن زيارات المستخدمين لأقاربهم تراجعت بشكل كبير، مع فقدان التواصل الطبيعي بين المواطنين.
تقول صاحبة الدراسة لـ«الشرق الأوسط»: «يجب عدم الاستهانة بهذه النتائج السلبية التي كشفت عنها الدراسة، لأنها تعتبر مؤشر على قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على إحداث زعزعة في عملية تفاعل المستخدمين مع أسرهم وأقاربهم، الأمر الذي يشكل خطورة على متانة التماسك الأسري وقوة التضامن العائلي، مما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية كثيرة وعزلة وانطواء».
وتتابع: «هذا التغير الاجتماعي يعتبر من أهم التحديات التي تواجه المجتمع الآن، بسبب الثورة الاتصالية والمعلوماتية في ظل العولمة والتي ساهمت في تغلغل تقنيات المعلومات والاتصالات في بنية الحياة الاجتماعية، وتحكمها بشكل كبير في شبكة العلاقات الاجتماعية للإنسان المعاصر، فقد تقلص التواصل الأسري بشكل كبير، وتقلصت الساعات التي يتم فيها لقاء أفراد الأسرة والالتزام بالواجبات السرية، مما يدل علي أن هذه التقنيات ساعدت على زيادة المشاكل الاجتماعية خلافًا لما هو مأمول عن دورها».
وتستدرك صاحبة الدراسة: «لكن هذا لا يعني إدانة هذه المواقع بشكل مطلق، بل يجب عدم المبالغة في استخدامها بما قد يشكل خطورة على الفرد والأسرة والمجتمع، والانتباه إليها خاصة وسط الأجيال الحديثة من الشباب في المجتمع، وهذا لا يعني تقييد حرية الأفراد من التفاعل الاجتماعي عبر هذه الشبكات، ولكن ما أقصده هو ترشيد استخدامها ومحاولة الاستفادة منها بما يناسب مع ثقافتنا».
وتبيّن أن هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات عن شبكات التواصل الاجتماعي وأبعادها الاجتماعية المختلفة، إلى جانب دعم التوعية الأسرية والإعلامية بالمخاطر الاجتماعية الناجمة عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ونشر الوعي بأهمية التماسك الأسري والحرص على الجلوس والحوار مع الأهل، وترشيد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي واستثمار فوائدها العلمية والثقافية والاجتماعية، حتى لا تؤثر على التواصل الأسري.
«تويتر» و«فيسبوك» يحلان محل الزيارات العائلية
دراسة مصرية: شبكات التواصل أضعفت التماسك الأسري
«تويتر» و«فيسبوك» يحلان محل الزيارات العائلية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة