يدخل عام 2017 وسط توقعات وهواجس تتراوح بين السياسة والأمن، والاقتصاد والهموم المعيشية محليًا وإقليميًا ودوليًا. ولقد استضافت «الشرق الأوسط» مع مستهل العام الميلادي نخبة من أهل الرأي في العالم العربي، وطلبت منهم الإعلان عن توقعاتهم بالنسبة لأهم ما يمكن أن يحمله عام 2017 لأقطارهم وللمنطقة العربية، ومن ثم للعالم، ولا سيما مع دخول رئيس أميركي جديد إلى البيت الأبيض، وإجراء كثير من الانتخابات الفصلية في دول كبرى مؤثرة عالميا كفرنسا وألمانيا، ناهيك عن أزمات الإرهاب والهجرة وغيرها، التي تركت بصماتها على السياسة الدولية عام 2016.
رأى عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية لـ«الشرق الأوسط»، أن عام 2017 سوف يشهد حالة جديدة في اتجاه حقيقة توجهات وسياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب فيما يتعلق بعلاقاته الدولية، وبخاصة مع الدول العربية والشرق الأوسط ومستقبل القضية الفلسطينية وعملية السلام وكذلك سياساته مع دول العالم الإسلامي وشعوبه ومسلمي الولايات المتحدة والمهاجرين إليها، ولفت موسى إلى أن ملف التعامل مع الإرهاب الدولي سيفرض نفسه على المشهد السياسي والأمني، وأيضا على نتائج الانتخابات الفرنسية، وما ستؤدي إليه بالنسبة لصعود اليمين المتطرف الفاشي وتصرفاته ضد الإسلام والمسلمين. وفي الشأن اليمني قال موسى «أتوقع وآمل في أن تنتهي الفوضى من خلال عمليتي تنمية وتهدئة»، كما تمنى أن تشهد الساحة السورية «تسوية سياسية يشارك فيها العرب دون أن يحدث ذلك من خلف ظهورهم». وبالنسبة لمصر، قال الأمين العام ووزير الخارجية السابق: «أتمنى وآمل في تحقيق التوجه نحو الاستقرار والتنمية المستدامة والإصلاح الإداري قبل أي شيء».
* المعلمي
من جهة أخرى، توقع عبد الله المعلمي المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، أن يشهد عام 2017 «تحولا تاريخيا فيما يخص التطورات المتصلة بالقضية الفلسطينية لإنهاء الاحتلال، على ضوء القرار الذي صدر مؤخرا، من قبل مجلس الأمن الدولي بشأن التصويت ضد الاستيطان»، مشيرًا إلى «أن العالم وصل إلى مرحلة من إدراك أن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين لا يمكن أن يستمر، مشيرا إلى أن صمود الشعب السوري يجعل من بلوغ الحل السياسي في هذا العام أمرا تفاؤليا ممكنا». ويعتقد المعلمي أن «العالم وصل إلى مرحلة من الإدراك بأن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين لا يمكن أن يستمر، وبالتالي نتطلع لتوحيد كلمة العالم بأن يكون عام 2017 هو عام تحقيق النصر وإنهاء الاحتلال».
* الأزمة السورية
وعلى صعيد التوقعات والتطلعات فيما يتعلق بالقضية السورية وقضية الاستقرار الأمني والسياسي بالمنطقة، قال المعلمي لـ«الشرق الأوسط»، في اتصال هاتفي من نيويورك: «نحن نتطلع بقدر كبير من التفاؤل والثقة والعزم لعام 2017 لاستتباب الأمن والسلام في منطقتنا وفي العالم أجمع، وأن تتحقق الآمال عامة وآمال الشعوب العربية فيما يتعلق بفلسطين وسوريا واليمن وليبيا والعراق وغيرها من أجزاء منطقتنا العربية الجريحة».
وعن الخطوات التي يمكن النظر إليها كبادرة خير في العام الجديد، في إطار التطلعات في عام 2017 لأن تمضي قدما في سبيل إيجاد حلول لأزمات المنطقة العربية عامة وفي مقدمتها سوريا واليمن، قال بالنسبة إلى المآلات المتوقعة بشأن القضية السورية: «بلا شك تدخل منعطفا حرجا، ولكن ثقتنا في الله أولا، ومن ثم في عزيمة وصمود الشعب السوري، في تحقيق تطلعاته، تدفعنا إلى التفاؤل في المفاوضات المقبلة في فبراير (شباط) المقبل في جنيف برعاية أممية، ستكون مناسبة جيدة لتحقيق التطلعات وإشاعة التفاؤل والوصول إلى الحل السياسي للأزمة السورية».
وفيما يتعلق بإمكانية عقد جلسة خاصة وطارئة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، بشأن الحرب في حلب، قال المعلمي: «طبعا احتمالات عقد جلسة طارئة تراجعت نسبيا بعد صدور القرار الجديد الأخير من قبل مجلس الأمن الدولي؛ ولذلك لا بد من الانتظار لمعرفة نتائج تلك الاجتماعات بما فيها اجتماع فبراير المقبل، ومن ثم إعادة تقييم الموقف على هذا الأساس». ثم أوضح أن المقصود بالقرار الجديد الأخير، هو قرار مجلس الأمن الذي صدر في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي القاضي بوقف إطلاق النار في سوريا وإطلاق عملية المفاوضات في آستانة عاصمة كازاخستان، وتتبعها مفاوضات جنيف في فبراير المقبل.
* آراء سورية متناقضة
في المقابل لا يرى هشام مروة، عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، انفراجات في الملف السوري، في القسم الأول من 2017، قائلا: «برز تفاؤل كبير على ضوء التقارب الروسي - التركي الأخير، عبر الوصول إلى اتفاق هدنة، لكن ظهر أن المسألة أكثر تعقيدًا وأصعب مما كنا نتصور بسبب التشابك والتعقيدات». وأضاف: «يبدو ألا أفق قريبًا جدًا للخروج من الأزمة، ونحن نحض الروس على اتخاذ موقف أكثر صرامة» بهدف التوصل إلى اتفاقات تقضي أخيرًا برحيل الأسد.
من جانبه، اعتبر الناشط البارز في المعارضة السورية، هادي العبد الله أن «أحدا من السوريين لا يملك إجابة واضحة ودقيقة عما سيكون الحال عليه في عام 2017، لأن جزءا كبيرا من القرار لم يعد بأيدي السوريين، وبالتحديد لا بيد النظام ولا بيد المعارضة»، مرجحا أن تسير الأمور نحو «التصعيد العسكري نظرا لتنامي الخلاف الروسي - الإيراني في سوريا، وعدم رضا إيران عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه... وهذا ما نلاحظه جليا باعتبار أن معظم الخروق التي حصلت للهدنة كانت من قبل إيران والميليشيات التابعة لها».
أما نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات، فيربط الشكوك بغموض الموقف الأميركي بالدرجة الأولى، ويقول إن أي محلل في العالم «لن يكون قادرًا على استشراف الوضع السوري في العام الحالي»، مشيرًا إلى أن الأمور «متعلقة بالإدارة الأميركية الجديدة، وعلينا أن ننتظر حتى يتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب لنبني على الشيء مقتضاه». وقال خليل: «في حالة التوازن، ليس مسموحا لأي طرف أن يخرج منتصرا بشكل كامل، والواضح أن سوريا ستكون فيها تقاسم نفوذ بين الدول الإقليمية والدول الكبرى، وما يجري الآن لا ينبئ بالكثير لكن أتمنى أن يكون أقل وطأة على السوريين». وتابع الباحث الكردي - الحريص على تمييز أكراد سوريا عن المعارضة السورية - «الأكثر عقلانية هم من تعاطوا مع الأحداث كما هي. المعارضة الآن تبحث عن إيجاد ذرائع للتحوّل التركي وللقبول الروسي، بينما الأكراد كانوا أكثر عقلانية، وعليه فستستمر المساعي الكردية لإيجاد نقاط مشتركة مع المعارضة وهناك سعي واضح وإصرار على البحث عن مشتركات على الأرض السورية». وفي العاصمة اللبنانية بيروت يربط النائب اللبناني عماد الحوت استقرار الوضع نهائيا في لبنان بانتهاء الأزمات الإقليمية، وبالتحديد الأزمة السورية. ويعتبر أنّه «طالما لم يتغير شيء في الواقع الملتهب حولنا فلا يمكن الحسم بدخول لبنان مرحلة من الازدهار». وأوضح الحوت (إسلامي) أن لبنان بات «بعد انتخاب رئيس وتشكيل حكومة أكثر استقرارا وبخاصة بعد انطلاق عملية إعادة ترميم المؤسسات الدستورية، لكنها لا شك ليست المرحلة المزدهرة المنتظرة».
* رؤية مصرية
وفي مصر أيضًا، يتضح الترابط، على عدد من الأصعدة، منها الأمني والسياسي والاقتصادي؛ إذ قال الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق لـ«الشرق الأوسط» إن توقعاته في العام الجديد «تتوقف على التقييم الصادق والحقيقي والدقيق لمعطيات الأمور، والتعامل معها بشكل موضوعي حتى تعطي النتائج المرجوة من الاستقرار والسلام والتنمية وتوقف الحروب التي حصدت طموح الشعوب». وأعرب عنان عن ثقته في استعادة الأمن والهدوء للمنطقة العربية لصالح الشعوب العربية والإسلامية كما دعا إلى نبذ الفرقة وتشتيت الجهود.
وتوقع وزير الثقافة المصري حلمي النمنم أن تطغى الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية على العام الجديد. وفي الشأن العربي توقع وزير الثقافة المصري أن «يطول الحل والحسم بالنسبة للأزمة السورية» إلا أنه أقر بأنها ستكون أقل حدة، وبالقدر نفسه في ليبيا، غير أنه حذر من «المشكلة الكبرى التي تتسارع حدتها وهي التعامل مع (الدواعش) العائدين من العراق وسوريا»، مشيرا إلى أن مؤشراتها بدأت تظهر في كل من تونس وليبيا.
وفي هذا الجانب شدد الفريق عنان على «أهمية وحدة الشعب المصري وتمسكه بالمبادئ والأخلاق والعمل معا لصالح الدولة المصرية مسلمين ومسيحيين». وأردف: «توفر المعلومات الدقيقة والشفافية سوف يقضي على الشائعات والأقوال المرسلة التي تهدف إلى بث الفرقة وانعدام الثقة».
ومن جانبه، قال اللواء محمود خليفة، المستشار العسكري للأمين العام لجامعة الدول العربية، إن الجانب الأمني يحظى باهتمام كبير، مصريا وعربيًا، وسوف يعلن عن عودة سكان منطقة الشيخ زويد ورفح في سيناء بعد الاقتراب من انتهاء تعقب الجماعات الإرهابية في سيناء. وفي الشأن العربي توقع مواصلة العراق تحرير بعض المناطق من تنظيم داعش، كما توقع أن «تشهد المدن السورية بعض الهدوء بعد انتهاء عمليات الحرب على (داعش)». ورأى أن «حل الأزمة في ليبيا يبدأ بحل ليبي - ليبي بعيدا عن التدخلات الخارجية».
عودة إلى الوزير النمنم، فإنه توقع أن تشهد الأوضاع الاقتصادية في مصر تحسنا خلال النصف الثاني من العام الجديد، وأن تظهر نتائج المشروعات القومية، بعد حسم قضايا الإرهاب داخل مصر لصالح الدولة ومؤسساتها، وأن تسود حالة من الاستقرار في أداء البرلمان المصري والمؤسسات الإعلامية.
أما بالنسبة للعمل العربي المشترك، فرأى حسام زكي، مساعد الأمين العام للجامعة العربية، أن تكون الأولوية لدى الجامعة الإصلاح والتطوير وتنقية الأجواء العربية وتنشيط العمل العربي المشترك على كل المستويات، وبخاصة التكامل الاقتصادي، وكذلك الاهتمام بالجوانب الثقافية والتعليمية، وبالنسبة لأزمات سوريا وليبيا، توقع زكي استمرارها طيلة العام المقبل. مضيفا: «ربما تسعى مؤسسة القمة خلال انعقاد القمة العربية المقبلة في الأردن إلى تسريع إجراءات الحل العربي»، مشددًا على أن لم الشمل العربي سيكون ضرورة خلال عام 2017.
* جديد لبنان... التفاؤل
وعلى صعيد محلي، توقع ملحم رياشي، وزير الإعلام اللبناني الجديد لـ«الشرق الأوسط» أن «يشهد لبنان في عام 2017 مرحلة من الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي والإنمائي». وتابع: «إننا مقبلون على ترسيخ الوحدة الوطنية التي تجلّت بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، لتشمل جميع المكونات السياسية، وترسيخ الأمن الذي ينعم به لبنان، مقارنة مع المحيط المشتعل». وشدد على المضي في تطبيق مشروعه الهادف إلى إلغاء وزارة الإعلام، وتغييرها إلى وزارة «التواصل والحوار»، كاشفًا عن أن هذا المشروع يحظى بدعم نيابي واسع، سيبحث مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري.
ومن جانبه، قال وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني: «أتوقع أن تكون عناوين السنة الجديد تحقيق الوحدة الوطنية بكل أبعادها، ومنها دعم الجيش والقوى الأمنية في مهام حفظ الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب عبر العمليات الاستباقية التي تنفذها الأجهزة الأمنية». وأكد تويني أن أولوية الحكومة «خلق المناخات التي تدفع نحو الانفراج الاقتصادي، وتوفير البيئة التي تسمح للسياح العرب والأجانب بالعودة بقوة إلى لبنان، وطمأنتهم إلى أن لبنان هو البلد الأكثر أمنًا ليس في المنطقة فقط، ويعدّ واحة أمنية مقارنة مع ما حصل في باريس وبرلين وبروكسل وغيرها». وأكد أنه لن يتهاون في المسؤولية التي أوكلت إليه على صعيد مكافحة الفساد في إدارات الدولة.