2017... بعيون مسؤولين وخبراء عرب

تحدثوا لـ «الشرق الأوسط» عن توجهات ترامب والحرب على الإرهاب وعدّوها أبرز ملفات العام الجديد

عمرو موسى - عبد الله المعلمي - عماد الحوت - ملحم رياشي - سامي عنان - حسام زكي
عمرو موسى - عبد الله المعلمي - عماد الحوت - ملحم رياشي - سامي عنان - حسام زكي
TT

2017... بعيون مسؤولين وخبراء عرب

عمرو موسى - عبد الله المعلمي - عماد الحوت - ملحم رياشي - سامي عنان - حسام زكي
عمرو موسى - عبد الله المعلمي - عماد الحوت - ملحم رياشي - سامي عنان - حسام زكي

يدخل عام 2017 وسط توقعات وهواجس تتراوح بين السياسة والأمن، والاقتصاد والهموم المعيشية محليًا وإقليميًا ودوليًا. ولقد استضافت «الشرق الأوسط» مع مستهل العام الميلادي نخبة من أهل الرأي في العالم العربي، وطلبت منهم الإعلان عن توقعاتهم بالنسبة لأهم ما يمكن أن يحمله عام 2017 لأقطارهم وللمنطقة العربية، ومن ثم للعالم، ولا سيما مع دخول رئيس أميركي جديد إلى البيت الأبيض، وإجراء كثير من الانتخابات الفصلية في دول كبرى مؤثرة عالميا كفرنسا وألمانيا، ناهيك عن أزمات الإرهاب والهجرة وغيرها، التي تركت بصماتها على السياسة الدولية عام 2016.

رأى عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية لـ«الشرق الأوسط»، أن عام 2017 سوف يشهد حالة جديدة في اتجاه حقيقة توجهات وسياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب فيما يتعلق بعلاقاته الدولية، وبخاصة مع الدول العربية والشرق الأوسط ومستقبل القضية الفلسطينية وعملية السلام وكذلك سياساته مع دول العالم الإسلامي وشعوبه ومسلمي الولايات المتحدة والمهاجرين إليها، ولفت موسى إلى أن ملف التعامل مع الإرهاب الدولي سيفرض نفسه على المشهد السياسي والأمني، وأيضا على نتائج الانتخابات الفرنسية، وما ستؤدي إليه بالنسبة لصعود اليمين المتطرف الفاشي وتصرفاته ضد الإسلام والمسلمين. وفي الشأن اليمني قال موسى «أتوقع وآمل في أن تنتهي الفوضى من خلال عمليتي تنمية وتهدئة»، كما تمنى أن تشهد الساحة السورية «تسوية سياسية يشارك فيها العرب دون أن يحدث ذلك من خلف ظهورهم». وبالنسبة لمصر، قال الأمين العام ووزير الخارجية السابق: «أتمنى وآمل في تحقيق التوجه نحو الاستقرار والتنمية المستدامة والإصلاح الإداري قبل أي شيء».
* المعلمي
من جهة أخرى، توقع عبد الله المعلمي المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، أن يشهد عام 2017 «تحولا تاريخيا فيما يخص التطورات المتصلة بالقضية الفلسطينية لإنهاء الاحتلال، على ضوء القرار الذي صدر مؤخرا، من قبل مجلس الأمن الدولي بشأن التصويت ضد الاستيطان»، مشيرًا إلى «أن العالم وصل إلى مرحلة من إدراك أن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين لا يمكن أن يستمر، مشيرا إلى أن صمود الشعب السوري يجعل من بلوغ الحل السياسي في هذا العام أمرا تفاؤليا ممكنا». ويعتقد المعلمي أن «العالم وصل إلى مرحلة من الإدراك بأن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين لا يمكن أن يستمر، وبالتالي نتطلع لتوحيد كلمة العالم بأن يكون عام 2017 هو عام تحقيق النصر وإنهاء الاحتلال».
* الأزمة السورية
وعلى صعيد التوقعات والتطلعات فيما يتعلق بالقضية السورية وقضية الاستقرار الأمني والسياسي بالمنطقة، قال المعلمي لـ«الشرق الأوسط»، في اتصال هاتفي من نيويورك: «نحن نتطلع بقدر كبير من التفاؤل والثقة والعزم لعام 2017 لاستتباب الأمن والسلام في منطقتنا وفي العالم أجمع، وأن تتحقق الآمال عامة وآمال الشعوب العربية فيما يتعلق بفلسطين وسوريا واليمن وليبيا والعراق وغيرها من أجزاء منطقتنا العربية الجريحة».
وعن الخطوات التي يمكن النظر إليها كبادرة خير في العام الجديد، في إطار التطلعات في عام 2017 لأن تمضي قدما في سبيل إيجاد حلول لأزمات المنطقة العربية عامة وفي مقدمتها سوريا واليمن، قال بالنسبة إلى المآلات المتوقعة بشأن القضية السورية: «بلا شك تدخل منعطفا حرجا، ولكن ثقتنا في الله أولا، ومن ثم في عزيمة وصمود الشعب السوري، في تحقيق تطلعاته، تدفعنا إلى التفاؤل في المفاوضات المقبلة في فبراير (شباط) المقبل في جنيف برعاية أممية، ستكون مناسبة جيدة لتحقيق التطلعات وإشاعة التفاؤل والوصول إلى الحل السياسي للأزمة السورية».
وفيما يتعلق بإمكانية عقد جلسة خاصة وطارئة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، بشأن الحرب في حلب، قال المعلمي: «طبعا احتمالات عقد جلسة طارئة تراجعت نسبيا بعد صدور القرار الجديد الأخير من قبل مجلس الأمن الدولي؛ ولذلك لا بد من الانتظار لمعرفة نتائج تلك الاجتماعات بما فيها اجتماع فبراير المقبل، ومن ثم إعادة تقييم الموقف على هذا الأساس». ثم أوضح أن المقصود بالقرار الجديد الأخير، هو قرار مجلس الأمن الذي صدر في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي القاضي بوقف إطلاق النار في سوريا وإطلاق عملية المفاوضات في آستانة عاصمة كازاخستان، وتتبعها مفاوضات جنيف في فبراير المقبل.
* آراء سورية متناقضة
في المقابل لا يرى هشام مروة، عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، انفراجات في الملف السوري، في القسم الأول من 2017، قائلا: «برز تفاؤل كبير على ضوء التقارب الروسي - التركي الأخير، عبر الوصول إلى اتفاق هدنة، لكن ظهر أن المسألة أكثر تعقيدًا وأصعب مما كنا نتصور بسبب التشابك والتعقيدات». وأضاف: «يبدو ألا أفق قريبًا جدًا للخروج من الأزمة، ونحن نحض الروس على اتخاذ موقف أكثر صرامة» بهدف التوصل إلى اتفاقات تقضي أخيرًا برحيل الأسد.
من جانبه، اعتبر الناشط البارز في المعارضة السورية، هادي العبد الله أن «أحدا من السوريين لا يملك إجابة واضحة ودقيقة عما سيكون الحال عليه في عام 2017، لأن جزءا كبيرا من القرار لم يعد بأيدي السوريين، وبالتحديد لا بيد النظام ولا بيد المعارضة»، مرجحا أن تسير الأمور نحو «التصعيد العسكري نظرا لتنامي الخلاف الروسي - الإيراني في سوريا، وعدم رضا إيران عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه... وهذا ما نلاحظه جليا باعتبار أن معظم الخروق التي حصلت للهدنة كانت من قبل إيران والميليشيات التابعة لها».
أما نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات، فيربط الشكوك بغموض الموقف الأميركي بالدرجة الأولى، ويقول إن أي محلل في العالم «لن يكون قادرًا على استشراف الوضع السوري في العام الحالي»، مشيرًا إلى أن الأمور «متعلقة بالإدارة الأميركية الجديدة، وعلينا أن ننتظر حتى يتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب لنبني على الشيء مقتضاه». وقال خليل: «في حالة التوازن، ليس مسموحا لأي طرف أن يخرج منتصرا بشكل كامل، والواضح أن سوريا ستكون فيها تقاسم نفوذ بين الدول الإقليمية والدول الكبرى، وما يجري الآن لا ينبئ بالكثير لكن أتمنى أن يكون أقل وطأة على السوريين». وتابع الباحث الكردي - الحريص على تمييز أكراد سوريا عن المعارضة السورية - «الأكثر عقلانية هم من تعاطوا مع الأحداث كما هي. المعارضة الآن تبحث عن إيجاد ذرائع للتحوّل التركي وللقبول الروسي، بينما الأكراد كانوا أكثر عقلانية، وعليه فستستمر المساعي الكردية لإيجاد نقاط مشتركة مع المعارضة وهناك سعي واضح وإصرار على البحث عن مشتركات على الأرض السورية». وفي العاصمة اللبنانية بيروت يربط النائب اللبناني عماد الحوت استقرار الوضع نهائيا في لبنان بانتهاء الأزمات الإقليمية، وبالتحديد الأزمة السورية. ويعتبر أنّه «طالما لم يتغير شيء في الواقع الملتهب حولنا فلا يمكن الحسم بدخول لبنان مرحلة من الازدهار». وأوضح الحوت (إسلامي) أن لبنان بات «بعد انتخاب رئيس وتشكيل حكومة أكثر استقرارا وبخاصة بعد انطلاق عملية إعادة ترميم المؤسسات الدستورية، لكنها لا شك ليست المرحلة المزدهرة المنتظرة».
* رؤية مصرية
وفي مصر أيضًا، يتضح الترابط، على عدد من الأصعدة، منها الأمني والسياسي والاقتصادي؛ إذ قال الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق لـ«الشرق الأوسط» إن توقعاته في العام الجديد «تتوقف على التقييم الصادق والحقيقي والدقيق لمعطيات الأمور، والتعامل معها بشكل موضوعي حتى تعطي النتائج المرجوة من الاستقرار والسلام والتنمية وتوقف الحروب التي حصدت طموح الشعوب». وأعرب عنان عن ثقته في استعادة الأمن والهدوء للمنطقة العربية لصالح الشعوب العربية والإسلامية كما دعا إلى نبذ الفرقة وتشتيت الجهود.
وتوقع وزير الثقافة المصري حلمي النمنم أن تطغى الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية على العام الجديد. وفي الشأن العربي توقع وزير الثقافة المصري أن «يطول الحل والحسم بالنسبة للأزمة السورية» إلا أنه أقر بأنها ستكون أقل حدة، وبالقدر نفسه في ليبيا، غير أنه حذر من «المشكلة الكبرى التي تتسارع حدتها وهي التعامل مع (الدواعش) العائدين من العراق وسوريا»، مشيرا إلى أن مؤشراتها بدأت تظهر في كل من تونس وليبيا.
وفي هذا الجانب شدد الفريق عنان على «أهمية وحدة الشعب المصري وتمسكه بالمبادئ والأخلاق والعمل معا لصالح الدولة المصرية مسلمين ومسيحيين». وأردف: «توفر المعلومات الدقيقة والشفافية سوف يقضي على الشائعات والأقوال المرسلة التي تهدف إلى بث الفرقة وانعدام الثقة».
ومن جانبه، قال اللواء محمود خليفة، المستشار العسكري للأمين العام لجامعة الدول العربية، إن الجانب الأمني يحظى باهتمام كبير، مصريا وعربيًا، وسوف يعلن عن عودة سكان منطقة الشيخ زويد ورفح في سيناء بعد الاقتراب من انتهاء تعقب الجماعات الإرهابية في سيناء. وفي الشأن العربي توقع مواصلة العراق تحرير بعض المناطق من تنظيم داعش، كما توقع أن «تشهد المدن السورية بعض الهدوء بعد انتهاء عمليات الحرب على (داعش)». ورأى أن «حل الأزمة في ليبيا يبدأ بحل ليبي - ليبي بعيدا عن التدخلات الخارجية».
عودة إلى الوزير النمنم، فإنه توقع أن تشهد الأوضاع الاقتصادية في مصر تحسنا خلال النصف الثاني من العام الجديد، وأن تظهر نتائج المشروعات القومية، بعد حسم قضايا الإرهاب داخل مصر لصالح الدولة ومؤسساتها، وأن تسود حالة من الاستقرار في أداء البرلمان المصري والمؤسسات الإعلامية.
أما بالنسبة للعمل العربي المشترك، فرأى حسام زكي، مساعد الأمين العام للجامعة العربية، أن تكون الأولوية لدى الجامعة الإصلاح والتطوير وتنقية الأجواء العربية وتنشيط العمل العربي المشترك على كل المستويات، وبخاصة التكامل الاقتصادي، وكذلك الاهتمام بالجوانب الثقافية والتعليمية، وبالنسبة لأزمات سوريا وليبيا، توقع زكي استمرارها طيلة العام المقبل. مضيفا: «ربما تسعى مؤسسة القمة خلال انعقاد القمة العربية المقبلة في الأردن إلى تسريع إجراءات الحل العربي»، مشددًا على أن لم الشمل العربي سيكون ضرورة خلال عام 2017.
* جديد لبنان... التفاؤل
وعلى صعيد محلي، توقع ملحم رياشي، وزير الإعلام اللبناني الجديد لـ«الشرق الأوسط» أن «يشهد لبنان في عام 2017 مرحلة من الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي والإنمائي». وتابع: «إننا مقبلون على ترسيخ الوحدة الوطنية التي تجلّت بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، لتشمل جميع المكونات السياسية، وترسيخ الأمن الذي ينعم به لبنان، مقارنة مع المحيط المشتعل». وشدد على المضي في تطبيق مشروعه الهادف إلى إلغاء وزارة الإعلام، وتغييرها إلى وزارة «التواصل والحوار»، كاشفًا عن أن هذا المشروع يحظى بدعم نيابي واسع، سيبحث مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري.
ومن جانبه، قال وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني: «أتوقع أن تكون عناوين السنة الجديد تحقيق الوحدة الوطنية بكل أبعادها، ومنها دعم الجيش والقوى الأمنية في مهام حفظ الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب عبر العمليات الاستباقية التي تنفذها الأجهزة الأمنية». وأكد تويني أن أولوية الحكومة «خلق المناخات التي تدفع نحو الانفراج الاقتصادي، وتوفير البيئة التي تسمح للسياح العرب والأجانب بالعودة بقوة إلى لبنان، وطمأنتهم إلى أن لبنان هو البلد الأكثر أمنًا ليس في المنطقة فقط، ويعدّ واحة أمنية مقارنة مع ما حصل في باريس وبرلين وبروكسل وغيرها». وأكد أنه لن يتهاون في المسؤولية التي أوكلت إليه على صعيد مكافحة الفساد في إدارات الدولة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».