باتت مصر تواجه صعوبات في الحفاظ على آثارها التاريخية الضخمة بسبب نقص العائدات السياحية، والأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تواجهها وبلا مواربة، وبعد ثورة عام 2011 والإطاحة بالرئيس المخلوع محمد مرسي في عام 2013، أدى غياب الاستقرار السياسي المترافق مع تهديدات إرهابية إلى فرار السياح من مصر. وتعتمد وزارة الآثار جزئيا على بطاقات دخول المتاحف والمزارات السياحية والتاريخية كمصدر للدخل، أي على السياحة. وتحتاج الآثار المصرية إلى جهود متواصلة للحفاظ عليها بدءا من أهرامات الجيزة، الوحيدة بين عجائب الدنيا السبع التي ما زالت قائمة، إلى المعابد الفرعونية في صعيد مصر، مرورا بالكنائس والمساجد الأثرية.
يدق د. زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق ناقوس الخطر، مشيرا إلى أن «الوضع كارثي». ويقول حواس «مع نقص الموارد المالية لا يمكن ترميم أي شيء. انظروا إلى المتحف المصري في ميدان التحرير في قلب القاهرة، إنه فارغ». ويشير حواس إلى أن الانطلاقة الكبرى لانتعاش السياحي في مصر سيكون مع احتفالات العيد المئوي لتوت عنخ آمون أحد أشهر فراعنة مصر القديمة من الدولة الحديثة، وتم اكتشاف قبره عام 1922 من قبل عالم الآثار البريطاني «هوارد كارتر»، وهو يحتوي على عدد كبير من القطع المصنوعة من الذهب الخالص، ويعتبر أهم كنز تم اكتشافه في مصر، الأمر الذي أحدث ضجة إعلامية كبيرة في العالم وقتها.
ويقول حواس إنه من المفترض أن يدعو الرئيس المصري السيسي زعماء العالم لحضور احتفالات مئوية توت عنخ آمون، مشيرا إلى أن مقومات عودة السياحة تبشر بالخير مع مزيد من الأمان في المواقع الأثرية في صعيد مصر وأنحاء القاهرة الإسلامية والقبطية، بالإضافة إلى أن شرطة السياحة تنشر الأمن والأمان في المواقع الأثرية، يواكبها دعاية إعلامية مطلوبة. وأكد حواس على أمن مصر والمناطق السياحية بها، داعيًا الحضور لزيارة مصر؛ «لأن هذا سيسهم في ترميم الآثار المصرية التي هي ملك للعالم أجمع». وطالب حواس الخبير الأثري بأن ترافق الاكتشافات الأثرية مؤتمرات صحافية عالمية في موقع الكشف الأثري في الأقصر أو صعيد مصر لتعريف العالم بأهمية مصر على موقع الحضارة العالمية. وقال حواس إن آثار مصر ملك للعالم كله، ولا بد أن تتدخل الهيئات الدولية الكبرى في الحفاظ عى آثار مصر من جهة الصيانة والترميم. ويضيف: «الآثار تتدهور في كل مكان» في مصر وعلى إدارة الآثار كذلك دفع رواتب 38 ألف موظف، بحسب الوزارة، من بينهم عمال وتقنيون وخبراء في المصريات ومفتشو آثار، ما يشكل عبئا كبيرا في وقت تشهد فيه مصر انخفاضا لمعدل النمو، وارتفاعا كبيرا للغاية في نسبة التضخم، ونقصا في سلع عدة. ويقول حواس، وهو مستشار للوزير، إن هذا الأخير «نشيط وذكي ولكنه بحاجة إلى مزيد من الدعم». ومن بين الإجراءات التي يقترحها حواس لمواجهة نقص الموارد، إقامة معارض في الخارج، ويتساءل «لماذا نحتفظ بتوت عنخ آمون في المتحف المصري في القاهرة في ركن مظلم؟»، مضيفا: «توت عنخ آمون يمكن أن يدر أموالا» تكفي لسداد رواتب العاملين في الوزارة «لمدة عشر سنوات»، وتحدث الوزير الأسبق عن معرض متجول للفرعون الشاب توت عنخ آمون في باريس ثم لندن يتزامن مع الاحتفالات المئوية.
واسم حواس لا يزال مرتبطا بالكثير من أعمال التنقيب في مصر، مثل وادي المومياوات الذهبية في الواحات البحرية الذي اكتشف في عام 1999، ومومياء الملكة حتشبسوت قبل 10 سنوات تقريبا، وكافح كثيرا من أجل استعادة الآثار القديمة المهربة من مصر منذ الحقبة الاستعمارية، وقال حواس إنه تمكن من استعادة 5000 قطعة أثرية.
وفي عام 2015، كان الدخل الوارد من بطاقات دخول المتاحف والمزارات الأثرية نحو 300 مليون جنيه (38.4 مليون دولار) مقابل 1.3 مليار جنيه (220 مليون دولار) في عام 2010، وفق الأرقام الرسمية وسعر الصرف آنذاك.
وفي الفترة نفسها، انخفض عدد السياح من 15 مليونا عام 2010 إلى 6.3 مليون عام 2015، واستمر الانخفاض في 2016.
إلى ذلك، قالت فايزة هيكل وهي خبيرة في الآثار وأستاذة في الجامعة الأميركية في القاهرة إن «الوضع كارثي». من جهته، يقول وزير الآثار خالد العناني لوكالة الصحافة الفرنسية: «منذ يناير (كانون الثاني) 2011 انخفضت إيراداتنا بشكل كبير، وأثر ذلك بشدة على حالة الآثار المصرية». وفي انتظار عودة السياح، يحاول العناني تقليل الخسائر. وبالتوازي مع ذلك، تواصل بعثات أثرية أجنبية أو مشتركة الحفاظ على جزء من الآثار. غير أن المساعدة الخارجية لا يمكنها تغطية كل شيء على الأرض، فإن «الأولوية تكون للترميم ولكن هناك أعمال تنقيب توقفت بسبب عدم وجود تمويل»، بحسب فايزة هيكل التي تقر مع ذلك أن «التنقيب الذي انتظر 5 آلاف عام يمكنه أن ينتظر مزيدا من الوقت». كما يتعين على غالبية أعمال الترميم الانتظار أيضا». فيما تشرح فايزة هيكل أن «ما نفعله الآن هو تحديد الأشياء التي تحتاج إلى ترميم، ونقوم بالحد الأدنى اللازم للحفاظ عليها إلى أن تتم عملية ترميم حقيقية». ويعمل العناني كذلك على استغلال مزيد من المواقع الأثرية مثل مقبرتي نفرتاري وسيتي الأول اللتين أعيد فتحهما أخيرا للجمهور». كما أعيد هذا العام فتح متحف ملوي في محافظة المنيا (قرابة 250 كيلومترا جنوب القاهرة) الذي تم نهبه في عام 2013 في ذروة الاضطرابات السياسية.
ومن جهة أخرى، من المقرر أن يتم افتتاح المتحف المصري الكبير، ولو جزئيا في عام 2018، وهو متحف جديد يقع بالقرب من أهرامات الجيزة سيضم آثارا فرعونية. ويتم تشييده وتجهيزه بمعاونة بعثة التعاون اليابانية. وبالنسبة لبعض مشروعات الترميم، يمكن لوزارة الآثار أن تحصل على تمويل خاص، كما حدث هذا العام بالنسبة للمعبد اليهودي في الإسكندرية وكنيسة أبو مينا اللذين تم تسجيلهما ضمن التراث العالمي في منظمة اليونيسكو. «ولكن كل ذلك لن يعوض السياحة»، وفق العناني.
{الآثار} المصرية تواجه كارثة في ظل غياب السياحة
زاهي حواس لـ «الشرق الأوسط» : البلد سيجد صعوبة في الحفاظ على ممتلكاته الأثرية
{الآثار} المصرية تواجه كارثة في ظل غياب السياحة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة