«الحمام التركي» لا تكتمل زيارة إسطنبول من دونه

يعيد زواره إلى الأجواء التاريخية بطرازه المعماري وطقوسه العتيقة

حمام جاغال أوغلو - غرفة استحمام في حمام السليمانية - حمام السليمانية ({الشرق الأوسط})
حمام جاغال أوغلو - غرفة استحمام في حمام السليمانية - حمام السليمانية ({الشرق الأوسط})
TT

«الحمام التركي» لا تكتمل زيارة إسطنبول من دونه

حمام جاغال أوغلو - غرفة استحمام في حمام السليمانية - حمام السليمانية ({الشرق الأوسط})
حمام جاغال أوغلو - غرفة استحمام في حمام السليمانية - حمام السليمانية ({الشرق الأوسط})

على الرغم من انتشار الأنماط الحديثة للعناية بنظافة الجسم ونضارته مثل «السونا» وغيرها، فإن الحمام التركي حافظ على مكانته من العصور التاريخية القديمة، إلى أن أصبح إحدى الظواهر السياحية، لا سيما في مدينة إسطنبول حيث يعتبره السياح تجربة فريدة لا بد من خوضها.
ويتيح الحمام التركي لمرتاديه كل ما يرغبون فيه من نظافة وراحة واسترخاء في الوقت نفسه، يضاف إليها الأجواء القديمة حيث القباقيب الخشبية وأدوات التنظيف التقليدية كالليف الخشن والكيسة وقطع القماش التي يلف بها الجسم في تجربة فريدة تعيد من يخضها إلى الأجواء الرومانية اليونانية والعثمانية القديمة.
وفي زمن العثمانيين كان هناك ما يعرف بالطبيب الأبكم، وهم بعض المعالجين الذين كانوا يداوون الناس داخل الحمامات في صمت تام، سواءً بالأعشاب الطبية أو الزيوت العطرية لعلاج المفاصل والالتهابات وبعض الأمراض الجلدية.
وفي الفترة الأخيرة ظهر تفضيل الرجال في تحميم النساء في الحمامات التركية بسبب أنهم أكثر قوةً في تدليك الجسم وتنظيفه. وأصبح الحمام التركي جزءًا من رحلات السياحة في تركيا، وفي إسطنبول بالدرجة الأولى، مع كونه طقسًا يحافظ عليه الأتراك في حياتهم من فترة لأخرى.
ويتميز الحمام التركي بهندسة معمارية حيث كان يقام في مبنى خاص له قبة وتصميمه المعماري مخصص لحفظ درجة الحرارة، وله عادة شكل فني جميل.
ينقسم مبنى الحمام إلى ثلاثة أقسام مختلفة بحسب مرحلة الحمام ودرجة الحرارة. فالقسم الرئيسي عبارة عن قاعة لها سقف على شكل قبة ذات نوافذ صغيرة لإدخال القليل من أشعة الشمس، وفي مركزها مسطح رخام يستلقي عليه المستحمون لينالوا التدليك.
أما القسم الثاني فهو غرفة الحمام التي تحوي بركة الماء الساخنة والصابون ويتم فيها الاستحمام، والغرفة الثالثة والأخيرة هي الغرفة الباردة التي يسترخي فيها المستحمون بعد الحمام.
ومع الوقت طور الأتراك من الحمام التركي التقليدي بإدخال غرف للمساج يتم الخضوع لها بعد الحمام التركي لتكون وسيلة للحفاظ على جمال الجسم وراحته.
هناك مرحلتان مهمتان في الحمام التركي؛ الأولى تُعرف بالتبخير، حيث يتم تعريض الجسم فيها لبخار ماء يهدف إلى فتح مسام الجلد وتقشير الخلايا الميتة بليفة خاصة تساعد وبشكل رئيسي على التخلص من الأوساخ والشوائب الجلدية.
يستلقي الشخص في البداية على طاولة مسطحة من الرخام للخضوع لعملية تقشير الجلد الميت والتي تسمى أيضًا «التكييس»، وهو الاسم الدارج، لأنها تُجري بواسطة كيس خاص مصنوع من ألياف طبيعية موجودة في تركيا.
وتفيد عملية التكييس في تنشيط الدورة الدموية في الجسم وفتح الشعيرات الدموية وإزالة السموم المتراكمة على سطح الجلد. وفي هذه المرحلة سيكون هناك تغيير واضح في ملمس الجلد من حيث رونقه ونعومته ولمعانه.
اكتفى الأتراك قديمًا بعملية التبخير، ومن ثم تقشير الجسم والتكييس لكن اليوم ومع التطورات الجديدة في مراكز التجميل وحسب آراء اختصاصيي البشرة تمت إضافة خطوة مباشرة بعد التبخير والتقشير هي التدليك أو المساج، التي يدخل تحت طياتها كثير من الأشكال.
فهناك التدليك الكلاسيكي، وتدليك الشوكولاته، والتدليك بالزيوت العطرية، بالإضافة إلى التدليك المائي، والتدليك بالأحجار الذي يعتمد وبشكل رئيسي على ذوي الاختصاص والمتمرسين فيه.
ومن أهم فوائد الحمام التركي استرخاء العضلات، تخفيف التوتر والإجهاد وارتفاع ضغط الدم، الشعور بالتجدّد وصفاء الذهن.
وأصبح التدليك بالأحجار البركانية يشكل أهم أنواع التدليك في الحمام التركي، لأنه يعزز الجسم بقدر كبير من الحرارة المريحة والواقية ويخلصه من الاضطرابات والتعب.

* يوجد في مدينة إسطنبول التي تجتذب القدر الأكبر من السياح القدمين إلى تركيا عددا كبيرا من الحمامات التركية يشتهر من بينها على نطاق واسع الحمامات التاريخية التي أصبحت من معالم المدينة وجزءا من تفاصيل تاريخها أهمها:
* حمام تشيمبرليتاش
من أقدم الحمامات في إسطنبول، يرجع إلى فترة السلطان سليم الثاني في القرن السادس عشر. أنشئ عام 1584 ويتميز بطراز عمارته الرفيع والفني، ويعتبر موقع زيارة مهمًا لجميع محبي الفنون المعمارية التاريخية.
ويفضل لمن يقوم بجولة سياحية ويريد أن يمر بالحمام التركي أن يختار لزيارته يوما مشمسا للاستمتاع بأشعة الشمس التي تدخل من قبة الحمام وتسقط على مسطح الاستحمام. ويقع هذا الحمام يقع في قلب إسطنبول القديمة على مسافة قصيرة من الشوق المغطي أو «جراند بازار».
* حمام جاغال أوغلو
تم تصنيف هذا الحمام كواحد من ألف موقع حول العالم يجب زيارتها ولو لمرة واحدة في الحياة، وهذا بسبب كونه آخر حمام تركي بني في فترة الإمبراطورية العثمانية عام 1741.
يقدم الحمام بالإضافة لتجربة الاستحمام خدمات ترفيهية ممتعة أخرى منها المقهى الواقع في حديقته الخارجية الذي يقوم بمناسبات الطهي التركي والمشويات في أيام الصيف، وحفلات الرقص الشرقي في الديوان الداخلي الذي يحوي الموقد في أيام الشتاء الباردة.
يقع الحمام في شارع يري باطان بالقرب من خزان البازيليكا الأرضي ومتحف آيا صوفيا وجامع السلطان أحمد.
* حمام السليمانية
يقع في سوق دوكمجيلر الشهير بجوار جامع السليمانية وبالقرب من منطقة أمينونو ويعتبر أكثر حمام ذي شعبية لدى السياح حيث يتميز بمظهره العثماني التقليدي ويقع بجانب ضريح المعمار سنان أشهر مهندسي الدولة العثمانية الذي بنى جامع السليمانية وهذا الحمام أيضًا.
ويتميز حمام السليمانية بأجواء ملائمة للسياح كالضيافة والأجواء والتصميم والأثاث.
* حمام هاسكي هورم سلطان
يُعدّ واحدًا من أفخم الحمامات في إسطنبول؛ حوائطه وأرضياته من الرخام الفاخرة، ووعاء الصابون مطلي بالذهب الثمين، ومناشف الحمام مصنوعة من الحرير والنسيج القطني حيث يقدم أعلى مستوى من العناية بزواره، ويقع على بعد خطوات من متحف آيا صوفيا وجامع السطان أحمد.
* حمام محرما سلطان
بناه المعماري الشهير سنان تكريمًا لبنت السلطان في القرن السادس عشر، وكان اسمها «شمس القمر». ويتميز عن غيره من الحمامات التركية في إسطنبول بوجود حوضين للسباحة؛ أحدهما بارد والآخر للمياه الدافئة ويمكن ممارسة السباحة فيه بعد أو قبل الحمام.
* حمام فيروز أغا
يقع في شارع كوكوركوما على بعد قليل جدًا من ميدان تقسيم وجامع فيروز آغا. ويشتهر هذا الحمام لدى السياح والسكان المحليين أيضًا، ويرتاده كثير من الزوار. على الرغم من تصميمه البسيط، ويقدم الحمام خدمة رائعة لتجربة الحمام التركي التقليدية.
* حمام كيليتش علي باشا
بناه المعماري الشهير سنان من أجل كيليتش علي باشا أحد أشهر قادة الجيش العثماني. يتميز هذا الحمام بتصميمه الجميل والراقي وبالتفاصيل المعمارية والتصميمية الصغيرة التي يجب التنبُّه إليها لأنها تُعد السبب الرئيسي لتمييز هذا الحمام عن غيره.
* حمام غلطة سراي
يعود تاريخه إلى فترة السلاطين العثمانيين ويقع في منطقة تقسيم في وسط إسطنبول بالقرب من شارع الاستقلال يطبق أسس الحمام التركي التقليدي، ولذلك فإن مياهه تتميز بدرجة الحرارة المرتفعة وتتوفر به غرف تدليك منفصلة ويجتذب الكثير من السائحين بحكم موقعه.
* حمام تشينيلي
يطلق سكان إسطنبول على هذا الحمام القديم حمام «القبطان» لأنه بني لصالح أحد قادة الجيش العثماني. ويمكن مشاهدة بعض الكتابات الفارسية القديمة على حائط الحمام. ومعظم زواره هي من السكان المحليين الذين يبحثون عن حمام تركي تقليدي وبسيط وأسعاره منخفضة. ويقع في منطقة أوسكودار في الشطر الآسيوي من إسطنبول في حي مراد ريّش.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».