يقف أفراد الحرس الرئاسي عند بوابات القصر الجمهوري على مرمى حجر من النيل الأزرق بالعاصمة السودانية الخرطوم، وكأنهم جنود من الجرانيت الصلب، لكن هذا الجرانيت المصبوب يتحرك بإيقاع متزن ومتسق حين يحييه طفل أو رجل أو امرأة من المارة، فيدق بندقيته على الأرض، ثم يستقيم حتى تهتز الريشة التي تزين عمامته الملفوفة بعناية لافتة، هو مشهد يومي للمارة وزوار القصر الجمهوري.
وتزامنًا مع احتفالات البلاد بالذكرى الواحدة والستين للاستقلال، جرت بساحة القصر الرئاسي، أمس، مراسم تغيير «الحرس الجمهوري»، وهي مراسم احتفالية واستعراضية يتم فيها تبديل القوة، وتتضمن طقوسها طابور استعراض يمر بشارع الجامعة، ويلتف شمالاً بعد أن يطوف حول حديقة الشهداء احتفاء برمزيتها. وفي استعراض هذا العام، قدمت فرقة موسيقى الحرس بزيها الأحمر الفاقع مقطوعة «مجرى النيل» التي تحاكي بها تموجات النهر للتدليل على أثره في حياة سكان الوادي، ومقطوعة «الثعبان» والمعروفة بـ«مارش مائة قربة الحلزونية»، ومارش «الوحدة»، الذي يسير فيه جنود الفرقة الموسيقية في دوائر حلزونية ترمز لوحدة السودان وتنوعه الثقافي. ويلعب عازف البوق المعروف بـ«البروجي» ألحان بداية تغيير القوة «قرقول الشرف»، ليعلن للناس أن «الحكمدار القديم» سلم بديله الجديد مسؤولية العمل في حراسة القصر وتأمينه وفي أداء المراسم الرسمية، ثم يؤدي التحية العسكرية لقائد الحرس.
وقال قائد لواء الحرس الرئاسي، العميد نجم الدين عبيد لـ«الشرق الأوسط»، إن كرنفال تغيير الحرس الجمهوري يمثل رمزية وطنية تاريخية متواصلة منذ 61 عامًا منذ إنشاء قوة دفاع السودان، نتذكر خلالها تضحيات وانتصارات الرعيل الأول من أفراد وقيادات الجيش السوداني الذين قدموا «الغالي والنفيس» من أجل الوطن. وأضاف: «ونحن نحتفل بهذه المناسبة العظيمة لنجدد العهد بأن القوات المسلحة مستعدة للتصدي بقوة لكل المؤامرات والتحديات التي تواجه الوطن، ولتكون صخرة تتكسر عندها مؤامرات الأعداء».
ويقول مدير متحف القصر الجمهوري، عبد الناصر سر الختم، إن مراسم تقليد تغيير الحرس بدأت منذ فترة الاستعمار الإنجليزي 1898 – 1956 وتواصلت حتى الآن، ويضيف: «لكن بعض مكوناتها وأنماط الأزياء تغيرت واختلفت بمرور الوقت، وكان قرقول الشرف يتغير أسبوعيًا بواسطة الأورطة الأولى أو الآلاي المدرع، ويمر الطابور أمام البوابة الشمالية، وغربًا على الطريق الفاصل بين القصر ووزارتي المالية والداخلية، ثم شرقًا حتى موقع تمثال غردون ليتجه شمالاً ثم يدخل القصر».
ويوضح سر الختم أن عام 1961 شهد إضافة فصيلة من الخيالة للحرس الجمهوري، وأن تغيير الحرس تحول إلى احتفال شعبي منذ 2001 يبدأ من البوابة الجنوبية، ويصاحبه طابور استعراض تقوم به فرقة موسيقى الحرس الجمهوري، وتتكون من زهاء 60 فردًا، يعزفون الطبول والآلات الهارمونية والميلودية لتعزف المارشات العسكرية والمقطوعات الأخرى المصاحبة للاستعراض، الذي يتسم بالتناغم الموسيقي والقدرة العالية على التنظيم.
وتحرص عشرات الأسر على حضور فعاليات تغيير الحرس برفقة أطفالها، ويتاح لهم خلالها التقاط الصور مع قادة الحرس وأفراده، وتهدف الاحتفالية لغرس الروح الوطنية بين الأجيال الجديدة، وخلق التلاحم بين الجيش والشعب، وللتذكير بنضالات الشعب وشهدائه.
الأسر السودانية تشهد مراسم تغيير الحرس الجمهوري قرب القصر
الأسر السودانية تشهد مراسم تغيير الحرس الجمهوري قرب القصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة