لم يحسم تصديق البرلمان التونسي على ميزانية 2017 الجدل السياسي والاجتماعي القوي سواء من قبل المهن الحرة أو من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابات العمال في تونس) حول مدى التزام حكومة يوسف الشاهد بتعهداتها في مجالي التنمية والتشغيل وعودة آلة الإنتاج إلى سالف نشاطها.
وكان الشاهد، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» قد توقع في كلمة له أمام أعضاء البرلمان أن تكون 2017 المقبلة «سنة الانطلاق الاقتصادي في تونس» بعد ركود استمر منذ ثورة 2011 ونمو لن يتجاوز 1.4 في المائة في أحسن الحالات خلال 2016، وأشار الشاهد إلى وجود عدة صعوبات في تحديد ملامح الميزانية الجديدة، من بينها المعادلة الصعبة بين استرجاع نسق الاستثمار المحلي والأجنبي وتوفير موارد إضافية لتمويل الميزانية. ثم قال: إن عودة النشاط إلى قطاعي الصناعات الكيميائية وإنتاج الفوسفات وتحسن مؤشرات السياحة والفلاحة والصناعة بإمكانها أن تمهد لانطلاقة اقتصادية واعدة.
هذا، وعرفت ميزانية 2017 المقدرة بنحو 32.7 مليار دينار تونسي (نحو 14.1 مليار دولار) تراجع حكومة الشاهد عن قرار تجميد الزيادات في الأجور خلال سنتي 2017 و2018، واضطرارها تحت ضغط عمادة المحامين عن تنفيذ ضرائب ضد المحامين وعدد آخر من المهن الحرة على غرار الصيادلة والأطباء والمهندسين. وهو ما اعتبره متابعون للشأن الاقتصادي التونسي بمثابة «انتكاسة» للحكومة في تطبيق ما وصفه الشاهد بـ«الإصلاحات المؤلمة لاستعادة المبادرة الاقتصادية»، وهي إصلاحات أوصى بها صندوق النقد الدولي وجعلها بمثابة الشروط الضرورية للحصول على حزمة من القروض من الخارج.
صعوبات وعجز ميزانية
وتوقعت لمياء الزريبي، وزيرة المالية، أن تكون نسبة النمو الاقتصادي في حدود 2.5 في المائة خلال سنة 2017، علاوة على تحديد عجز الميزانية بـ5.4 في المائة بعدما توقعت الدوائر الحكومية أن يكون العجز مع نهاية السنة الحالية في حدود 6.5 في المائة.
وكان الاقتصاد التونسي قد واجه خلال سنة 2016 مشاكل وصعوبات متنوعة، أهمها نقص الموارد الذاتية، وتعطل إنجاز مجموعة هامة من المشاريع الحكومية قدّرت بأكثر من نصف المشاريع في بعض الجهات، نتيجة التعطيلات الإدارية. وهو ما جعل مسألة استيعاب نحو 630 ألف عاطل عن العمل أكثر من نصفهم من خريجي الجامعات مسألة صعبة المنال. كذلك تأثر الاقتصاد بصفة سلبية جراء الأزمة الليبية المتواصلة منذ 2011. وكانت تونس تروج الكثير من منتجاتها في الأسواق الليبية المجاورة.
وفي هذا الشأن، قدّرت أحدث دراسة أجراها البنك الدولي حول هذا الملف خسائر الاقتصاد التونسي السنوية بنحو 800 مليون دولار. وأكدت الدراسة أن 73 في المائة من رجال الأعمال في تونس اعتبروا أن الثورة في ليبيا أثرت سلبًا على رقم معاملاتهم سواء بالنسبة للمؤسسات التونسية المستثمرة بليبيا أو المصدرة إلى هذا البلد المجاور.
كذلك كشفت الدراسة عن تفاقم التجارة الموازية بين البلدين منذ 2011 بسبب تعذر إحكام السيطرة على المناطق الحدودية. وجاء في هذه الدراسة أن تهريب البنزين من ليبيا نحو تونس أدى إلى خسارة نحو 500 مليون لتر سنويًا، وهو ما يعادل 17 في المائة من الحاجيات المحلية في تونس وعمق تهريب البنزين خسارة البلدين على حد السواء. وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن الترفيع في إنتاج النفط الليبي والنجاح في إعادة البناء والإعمار سيمكن تونس من مداخيل إضافية بقيمة 500 مليون دولار سنويًا.