صمدت الهدنة لليوم الثاني على التوالي في معظم المناطق السورية مع تسجيل بعض الخروقات، ولا سيما في منطقتي درعا ووادي بردى بريف دمشق، فيما حذرت المعارضة من أن الاتفاق سيصبح لاغيا إذا استمر انتهاكه من قبل النظام، محذرة من «مجزرة يحضر لها النظام و(حزب الله) في وادي بردى».
وأصدرت فصائل معارضة التي وقعت اتفاق وقف النار، بيانا أمس نبهت فيه إلى «أن استمرار النظام في خروقاته وقصفه ومحاولات اقتحامه مناطق تحت سيطرة الفصائل الثورية يجعل الاتفاق لاغيا»، لافتة إلى أن «النظام وحلفاءه ما زالوا يحاولون إحراز تقدم، خصوصا في منطقة بشمال غربي دمشق». ونقلت «شبكة شام» المعارضة عن مصدر عسكري في وادي بردى تأكيده أن خرق الهدنة جاء من قبل موسكو، راعي الاتفاق، قائلا: «تم تحديد هوية الطيران الروسي؛ لأن القصف كان من مسافة بعيدة وليس مثل طيران النظام». وفي حين قال ناشطون إن النظام السوري والميليشيات الإيرانية يحشدون قواتهم العسكرية في قرية الأشرفية على أطراف وادي بردى بريف دمشق؛ تمهيدًا للبدء بعملية واسعة لاقتحام قرى الوادي، حذر الائتلاف الوطني من «هجمات ميليشيا إيران والنظام على وادي بردى وخرقهما اتفاق الهدنة»، مطالبًا المجتمع الدولي بالتدخل وإنقاذ المدنيين المحاصرين من القصف الإجرامي المستمر، واتخاذ ما يلزم لتجنب كارثة وشيكة، ستطال المدنيين في مناطق واسعة من مدينة دمشق وريفها.
وقال المتحدث باسم الهيئة العليا التفاوضية، رياض نعسان آغا: إن استمرار النظام في خروقاته سيهدد الهدنة، معتبرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «استهداف وادي بردى الذي يحاول النظام السيطرة عليها لتكون صلة الوصل بالنسبة إليه بين دمشق والزبداني والمناطق اللبنانية، وبالتالي ساحة لحماية العاصمة من الجهة الغربية، إضافة إلى استمراره بالتحضير للحملة العسكرية على إدلب من جهات عدة، أسباب كافية لسقوط الاتفاق». ويضيف «من هنا، نرى أن الهدنة والجهات التي ترعاها أمام الامتحان الصعب اليوم، ولا سيما في ظل غموض الاتفاق، وتحديدا بشأن البند المتعلق باستثناء (جبهة فتح الشام) منه أو عدمه، في وقت لا تزال تركيا تبذل جهودا كي تحل (الجبهة) نفسها وترفع راية (الجيش الحر)؛ إذ إن إصرار النظام وإيران على استثنائها منه سيشكل حجة لاستمرار القصف في بعض المناطق، وهذا ما تقوم به اليوم في وادي بردى حيث تقول إن هناك تواجدا لنحو 300 عنصر، وهو أمر غير صحيح، وما قد تقوم به أيضا في إدلب، حيث لا نستبعد أن نشهد نفيرا عاما لكل الفصائل».
في الوقت عينه، يرى آغا، أن معركة النظام وإيران ستكون فاشلة إذا قررت روسيا المضي قدما في الاتفاق وعدم تقديم المؤازرة الجوية التي اعتادوها؛ وهو الأمر الذي سيصب في مصلحة المعارضة. وفي حين يجد آغا أن النظام السوري يعاني اليوم أزمة نتيجة اعتراف حليفه الروسي بالفصائل المعارضة التي لطالما دأب على وصفها بالإرهابية، يعتبر أن الاتفاق وإن لم ينجح عسكريا إنما بالتأكيد حقق نجاحا من الناحية السياسية لصالح المعارضة عبر تكريس واقع جديد وبعد مختلف للأزمة السورية ستنعكس على المرحلة المقبلة».
ولفت بيان الائتلاف إلى أنه وبناء على تقارير مؤكدة «شنت طائرات النظام ومروحياته، غارات جوية، على الأحياء السكنية في بلدتي بسيمة والفيجة، وقصفتها بالقنابل والبراميل المتفجرة والصواريخ، كما توجهت حشود من ميليشيا (حزب الله) في محاولات لاقتحام المنطقة من جهات عدة، تزامنًا مع توجيه تهديدات للمدنيين بقصد تهجيرهم وإخراجهم من منازلهم».
وأضاف «تأتي هذه التطورات استمرارًا لهجمة عسكرية بدأتها إيران والنظام ضد المنطقة منذ أسابيع عدة، حيث تم قطع الخدمات كافة عن المنطقة التي يعيش فيها نحو 100 ألف مدني يرزحون هناك تحت الحصار منذ سنوات، فيما يتابع النظام سياسة الأرض المحروقة والتدمير الممنهج، في ظل البرد الشديد وانعدام الوقود وانقطاع التيار الكهربائي».
بدورها، طالبت المؤسسات والفعاليات المدنية من الهيئات والمؤسسات الخدمية والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني العاملين في قرى وبلدات وادي بردى الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، بتحمل مسؤولياتها والضغط على نظام الأسد والميليشيات الموالية له لوقف هذا الهجوم من أجل الحفاظ على حياة المدنيين». وأشارت، في بيان إلى أن الحملة المستمرة على قرى وبلدات وادي بردى تجري بتوجيهات إيرانية مباشرة لعناصر ميليشيات «حزب الله» وقوات النظام المنحازة بقراراتها للجانب الإيراني الذي لا يرغب بدوره في إرساء الهدنة في المنطقة ليتمكن من تهجير أهلها ولتكون لاحقًا منطقة نفوذ لميليشيات «حزب الله»، كما حصل في الزبداني المجاورة. وأكد البيان، أن أكثر من 100 ألف شخص محاصرين داخل قرى وبلدات وادي بردى حياتهم مهددة بالخطر في ظل غياب أدنى مقومات الحياة وتعرضهم المباشر للقصف البري والجوي، كما أكد أيضًا أن أكثر من 6 ملايين مدني في مدينة دمشق وما حولها يعانون العطش بسبب انقطاع المياه الناتج من استهداف منشاة نبع مياه عين الفيجة وخروجها عن الخدمة. وتعهد هؤلاء في نهاية البيان على أنهم وبمجرد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في منطقة وادي بردى سيعملون بشكل فوري على إدخال ورشات الصيانة إلى منشأة نبع الفيجة وما يلحق بها من مضخات وأنابيب، وسيبذلون كل الطاقات والإمكانات المتاحة للإسراع في إتمام الصيانة وإعادة المياه إلى دمشق.
وأكد الائتلاف، أن هذه الهجمة تمثل خرقًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير، مطالبا بمعالجتها فورا بالإضافة إلى مجموعة من الخروقات في مختلف مناطق ريف دمشق ودرعا وإدلب وحماة وحمص على مدى اليومين الماضيين، من قبل الطرفين الضامنين.
وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا بعنوان «ما لا يقل عن 28 خرقًا في اليوم الأول بعد اتفاق الهدنة في أنقرة» وثَقت فيه الخروق التي تم تسجيلها في الـ24 ساعة الأولى من دخول اتفاق أنقرة حيِزَ التنفيذ، واستعرض التقرير كل خرق سواء عمليات قتالية أو عمليات اعتقال من قبل الجهات الملتزمة باتفاقية الهدنة. وقد رصد التقرير 28 خرقًا، 19 عملية قتالية، و9 عمليات اعتقال جميعها على يد قوات النظام حصل معظمها في محافظة ريف دمشق، حيث بلغت 14 خرقًا، تلتها محافظة حماة التي شهدت 6 خروق، ثم محافظتي حمص وإدلب بـ4 خروق في كل منهما. وأشار التقرير إلى أن جميع خروقات اليوم الأول قد صدرت عن النظام، وحليفه الميداني النظام الإيراني، اللذين اعتبرهما التقرير المتضررين الأكبر من أي اتفاق سياسي يهدف إلى تسوية شاملة. وطالب التقرير النظام الروسي باعتباره ضامنا أساسيا للاتفاق، بالضغط على نظام الأسد - الإيراني، للالتزام الجِدِي ببنود الاتفاق، وإلا فإن مصيره سيكون الفشل الحتمي.
من جهته، أفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية عن «هدوء يسود معظم المناطق السورية تزامنا مع رصد خروقات عدة تخللتها اشتباكات وقصف مدفعي لقوات النظام، وأبرزها في منطقة وادي بردى قرب دمشق». وتحدث المرصد عن «تسجيل خرق رئيسي آخر في مدينة درعا (جنوب) التي تعرضت لقصف من قوات النظام طال مناطق عدة تحت سيطرة الفصائل المعارضة، تزامنا مع اشتباكات عنيفة تسببت بمقتل عنصر من الفصائل».
وتبادلت قوات النظام والمعارضة الاتهامات حول اختراق الهدنة في درعا. وقال مصدر عسكري سوري لوكالة الأنباء الألمانية «إن المعارضة استهدفت نقاطا عدة لقوات النظام في منطقة المنشية، هي درعا البلد ومخيم النازحين، ومحاولة الاعتداء على نقطة للجيش في منطقة الوردات- 45 كم شمال درعا- لقطع الطريق الدولي». وفي المقابل، نفى قائد في الجيش السوري الحر في الجبهة الجنوبية اتهامات قوات النظام، مؤكدا للوكالة نفسها «أن قوات النظام فتحت نيران رشاشاتها على عدد من المواقع في مدينة درعا».
وكان اليوم الأول من وقف إطلاق النار قد شهد اشتباكات متقطعة بين قوات النظام والفصائل المقاتلة، وبينها «جبهة فتح الشام» في وداي بردى، تزامنا مع قصف لقوات النظام على مناطق عدة في الغوطة الشرقية قرب دمشق، بينها مدينة دوما. وأفاد المرصد أمس (السبت) بمقتل مدنيين اثنين الجمعة، أحدهما برصاص قناص في دوما، والثاني جراء القصف على وادي بردى، كما قتل خمسة مقاتلين من الفصائل في وادي بردى والغوطة الشرقية.
وأكد مراسل الوكالة في إدلب استمرار الهدوء السبت في المنطقة مع توقف الغارات الجوية المكثفة التي سجلت خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت الهدنة وحصدت مئات الضحايا. وأشار إلى توجه الطلاب إلى مدارسهم بشكل كثيف السبت في اليوم الأخير من السنة الحالية.
وبحسب عبد الرحمن، يشكل مقاتلو «جبهة فتح الشام» 60 في المائة من المقاتلين في إدلب. ويستثني اتفاق وقف إطلاق النار التنظيمات المصنفة «إرهابية»، وبشكل رئيسي تنظيم داعش. كما يستثني، بحسب دمشق، «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقا)؛ ما يجعل من الصعب جدا تثبيت الهدنة بسبب تواجد هذه الجبهة من ضمن تحالفات مع فصائل أخرى مقاتلة في مناطق عدة، ولا سيما في محافظة إدلب (شمال غرب)، المعقل الأساسي المتبقي لفصائل المعارضة بعد سقوط حلب أخيرا.
خروقات النظام تهدد اتفاق الهدنة... والمعارضة تحذر من مجزرة في وادي بردى
تسجيل 28 خرقًا في اليوم الأول لها ومصادر تتهم الطيران الروسي بالقصف
خروقات النظام تهدد اتفاق الهدنة... والمعارضة تحذر من مجزرة في وادي بردى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة