تركيا تقطع أولى خطواتها نحو النظام الرئاسي

اللجنة الدستورية بالبرلمان تقر حزمة تعديلات الدستور بعد مناقشات عاصفة

جانب من إحدى جلسات البرلمان التركي غير العادية في 12 يوليو 2016 (إ.ب.أ)
جانب من إحدى جلسات البرلمان التركي غير العادية في 12 يوليو 2016 (إ.ب.أ)
TT

تركيا تقطع أولى خطواتها نحو النظام الرئاسي

جانب من إحدى جلسات البرلمان التركي غير العادية في 12 يوليو 2016 (إ.ب.أ)
جانب من إحدى جلسات البرلمان التركي غير العادية في 12 يوليو 2016 (إ.ب.أ)

اجتاز النظام الرئاسي المثير للجدل في تركيا أولى خطواته بعد أن وافقت اللجنة الدستورية في البرلمان التركي، أمس الجمعة، على حزمة التعديلات الدستورية المكونة من 18 مادة التي تقدم بها حزب العدالة والتنمية الحاكم مدعوما من حزب الحركة القومية المعارض.
وبحثت اللجنة على مدار الأيام التسعة الماضية في جلسات مطولة استمر بعضها لمدة 17 ساعة متواصلة، المقترحات المقدمة التي حملت توقيع 316 نائبا من حزب العدالة والتنمية. وخفضت اللجنة عدد المواد المقترحة إلى 18 مادة، بدلا من 21 مادة مقترحة، قُدمت إلى رئيس البرلمان التركي. وتنص أبرز المواد في حزمة التعديلات الدستورية إلى جانب التحول إلى النظام الرئاسي من مسودة المقترحات على رفع إجمالي عدد النواب في البرلمان التركي من 550 إلى 600 نائب وخفض سن الترشح لعضوية البرلمان من 25 إلى 18 عامًا.
وتتضمن التعديلات أيضا إجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد مرة واحدة كل 5 أعوام، وإجراء الانتخابات الرئاسية في اليوم ذاته.
وتشترط المواد المذكورة أن يكون سن الترشّح لرئاسة الجمهورية التركية 40 عاما، وأن يكون المُرشح من المواطنين الأتراك الحائزين على درجة في التعليم العالي.
وسيتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب التركي، لمدة 5 أعوام، ولا يمكن للشخص الواحد أن ينتخب رئيسًا للجمهورية التركية أكثر من مرتين وهو النظام نفسه الذي طبق في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أغسطس (آب) 2014 التي فاز بها الرئيس رجب طيب إردوغان.
كما تنص المواد الموافق عليها في اللجنة الدستورية على إلغاء القانون الذي يقضي بقطع صلة رئيس الجمهورية المنتخب عن الحزب السياسي الذي ينتمي إليه.
وسيتمكن رئيس الجمهورية، وفقًا للمواد، من تعيين أكثر من نائب واحد له، وتعيين نوابه والوزراء من بين الأشخاص الذين تتوفر فيهم شروط الترشح للبرلمان وإقالتهم أيضا.
وبموجب التعديلات الجديدة سيؤدي نواب رئيس الجمهورية ووزراء الحكومة اليمين الدستورية أمام البرلمان التركي.
وتُتيح التعديلات المقترحة فتح تحقيق مع رئيس الجمهورية استنادًا إلى مقترح تطرحه الأغلبية المطلقة من إجمالي أعضاء البرلمان التركي.
وتحظى التعديلات الدستورية المطروحة من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم بدعم من حزب الحركة القومية المعارض، الحزب الرابع في البرلمان بعدد 40 مقعدًا من إجمالي 550 مقعدًا، بينما يعارضها حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة الذي يمتلك 133 مقعدا وحزب الشعوب الديمقراطي الذي يمتلك 59 مقعدا بالبرلمان.
ويحتاج إقرار التعديلات الدستورية إلى موافقة 330 نائبا على الأقل (ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان)؛ كي يتم عرضه على رئيس البلاد من أجل إقراره، وعرضه على استفتاء شعبي خلال 60 يومًا.
لكن في حال تمكّن المقترح من الحصول على موافقة 367 نائبا (ثلثي الأعضاء) أو أكثر، فتتم إحالته لرئيس البلاد، ويصبح نافذًا بعد مصادقته عليه، أما إذا رفضه فيتم اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي.
ويمتلك حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، 317 مقعدا في البرلمان، لكن لا يحق لرئيس البرلمان التركي المنتمي للحزب التصويت على مقترح تعديل الدستور.
ويحتاج حزب العدالة والتنمية إلى دعم حزب آخر، وأعلن حزب الحركة القومية أنه سيدعمه في التصويت على حزمة التعديلات التي شارك في مناقشتها قبل طرحها على البرلمان عبر لجنة مشتركة مع العدالة والتنمية.
وسيبدأ سريان التعديلات الدستورية الجديدة ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وهو ما سيفتح الباب أمام إردوغان للترشح لفترتين رئاسيتين بدلا من فترة واحدة إذا استمر النظام القديم، وبذلك ستكون أمامه فرصة للبقاء في رئاسة الجمهورية حتى عام 2029.
وشهدت مناقشة التعديلات الدستورية في اللجنة الدستورية للبرلمان التركي مناقشات حادة واشتباكات ومشادات وتثير التعديلات التي تتضمن انتقالا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي مناقشات حادة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، الذي يرفض تغيير النظام الذي وضعه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك معتبرا النظام المطروح الآن يكرس لنوع من الديكتاتورية.
لكن حزب الشعب الجمهوري، يقف في جبهة وحزب العدالة والتنمية الحاكم ومعه حزب الحركة القومية اليميني المعارض في جبهة أخرى، بعد الاستبعاد المسبق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد من مناقشات تعديل الدستور، وخضوعه الآن لعملية ملاحقة لنوابه لاتهامهم بدعم الإرهاب وحبس 12 منهم، بينهم رئيسا الحزب المشاركان، صلاح الدين دميرتاش وفيجن يوكسداغ.
ويعارض الحزبان، وهما أكبر حزبين معارضين، النظام الرئاسي، لكن حزب الحركة القومية غير موقفه من الرفض إلى التأييد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) الماضي.
ويتمسك رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، بأن النظام الرئاسي الذي يسعى إليه الرئيس رجب طيب إردوغان سيكرس الديكتاتورية في تركيا، وهو الأمر نفسه الذي تتركز حوله انتقادات الغرب والاتحاد الأوروبي لتركيا، لافتا في الوقت نفسه إلى أن المناخ السائد حاليا في تركيا لا يجعل أحدا آمنا على نفسه، وأنه بصفته زعيما سياسيا يمكن أن يتعرض للسجن كما حدث في فترات سابقة مع رئيس الوزراء الراحل بولنت أجاويد ورئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دنيز بيكال.
وينتقد الغرب حملات الاعتقالات الموسعة والوقف والفصل من العمل التي شملت أكثر من 170 ألف شخص في تركيا على خلفية محاولة الانقلاب، فضلا عن التضييق على حرية التعبير وحبس الصحافيين والنواب.
وقال فاروق أجار، مدير شركة استطلاعات الرأي «أندي آر»، لـ«الشرق الأوسط»، إنه لولا وقوع محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 15 يوليو الماضي ربما لم يكن حزب الحركة القومية ليغير موقفه الرافض للنظام الرئاسي، لكنه استشعر أن الخطر الذي تتعرض له تركيا والذي قد يتكرر يحتاج إلى تغيير الدستور ونظام الحكم في البلاد.
وأشار إلى أن حزب الحركة القومية قرأ الواقع جيدا؛ لأن أداءه السابق كان يعرضه لخسارة أصوات في الانتخابات وكانت هذه الأصوات التي يخسرها تذهب إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأن المواقف التي أبداها الحزب عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ومنهج التوافق الذي يسير عليه سيجعله يستعيد نسبة الأصوات التي فقدها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأول من نوفمبر 2015، التي وصلت إلى 9 في المائة تقريبا.
وأضاف أن وضع حزب الشعب الجمهوري كحزب معارضة أول لن يتغير لكن حزب الشعوب الديمقراطي لن يمكنه بعد الآن دخول البرلمان حزبا سياسيا ولن يستطيع الحصول على نسبة 10 في المائة من أصوات الناخبين، وهي الحد الأدنى لدخول البرلمان بصفته حزبا حال إجراء انتخابات برلمانية في البلاد.
وانتقد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم حالة الجدل الواسع حول التعديلات الدستورية، قائلا إن من يفهم ومن لا يفهم يدلي برأيه، وقال ساخرا: «جميعكم خبراء أمام أنا فعامل بناء».
من جانبه، قال وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، عقب مصادقة اللجنة الدستورية على مقترح التعديلات الدستورية، إن قبول المقترح يعدّ الخطوة الأولى نحو الإصلاحات.
واعتبر بوزداغ أن قبول المقترح من قبل اللجنة الدستورية يعكس الإرادة العامة.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».