لم يستطع قطاع الصناعات التقليدية التونسي، بمختلف حرفه واختصاصاته اليدوية، استرجاع أنفاسه بعدما تأثر تأثرًا مباشرا بتراجع أداء القطاع السياحي في تونس خلال السنوات الأخيرة.
وحقًا، دخل هذا القطاع في أزمة عميقة تهدد وجوده منذ الهجمات الإرهابية التي عرفها متحف باردو بالعاصمة التونسية، ومنتجع سوسة السياحي في عام 2015. وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في أسواق المدينة العتيقة بالعاصمة التونسية، أشار تجار يعملون في مجالات الزربية (السجاد) والمرقوم (البسط) والشاشية (قبعة رجالية شبيهة بالطربوش) والسفساري (رداء نسائي أندلسي الأصل) والخزف التقليدي والتحف اليدوية ومختلف المفروشات على غرار النسيج المحفوف والمنسوجات الحائطية المختلفة، إلى تراجع العائدات المالية بعد ثورة 2011 بنسبة قدرت بنحو 80 في المائة بالمقارنة مع عام 2010. هذا التراجع دفع معدلات الإنتاج إلى الهبوط بنحو 60 في المائة؛ وهو ما فاقم الوضع وبات يهدد حرفا عدة بالاندثار والإفلاس.
بفعل أزمة الطلب، ومن ثم الإنتاج، صمتت أصوات الحرفيين وقلت حركتهم وبات طرق النحاس قليلا ما تسمعه، وغدت حرف تقليدية كثيرة مهددة بالاندثار، من بينها تخصصات النجارة التقليدية وخشب الزيتون والنحاس والزربية. وللعلم، يساهم قطاع الصناعات التقليدية بنسبة 2 في المائة من إجمالي الصادرات التونسية، ويقدر «الديوان التونسي للصناعات التقليدية»، وهو مؤسسة حكومية، عدد الحرفيين العاملين في قطاع الصناعات التقليدية بنحو 350 ألف حرفي يتوزعون على 76 نشاطا حرفيا. وترتفع قيمة الاستثمارات السنوية الحكومية في هذا القطاع إلى حدود 18. 4 مليون دينار تونسي (نحو 7 ملايين دولار أميركي).
هذا القطاع يتأثر تأثرًا مباشرا بأداء القطاع السياحي؛ ذلك أن معظم المقبلين على المنتجات الحرفية هم من السياح الأجانب. وبالنظر إلى ارتفاع أسعار المنتجات التقليدية مقارنة بظروف معظم الشرائح الاجتماعية التونسية، فإن الحرفيين لا يعولون على السياحة الداخلية، بل على ما تدرّه السياحة من جيوب الأجانب الذين لهم قدرة شرائية أفضل.
وعلى سبيل المثال، سجل الإنتاج الوطني من الزرابي والنسيج التقليدي تراجعًا ملحوظًا، وغادرت القطاع خلال السنوات الأخيرة آلاف الحرفيات وغيرن وجهاتهن إلى مواطن شغل أخرى. وأمام هذا الوضع الصعب، أطلق كثير من المشتغلين في القطاع صرخة فزع، وأعربوا عن مخاوفهم من انقراض هذه الصناعة التقليدية الأصيلة، مؤكدين أن كل المؤشرات تدل على وجود أزمة خانقة تستوجب إنعاش قطاع الزربية وإسعافه قبل فوات الأوان.
وفي هذا الشأن، قال صالح عمامو، رئيس الغرفة الوطنية للزربية والنسيج المحفوف «إن الحرفيين في قطاع الزربية مرتبطون بشدة بالقطاع السياحي، فهم يروجون بضائعهم، خاصة في المحال السياحية (البازارات) وداخل النزل (أي الفنادق)». وأشار إلى وجود مشكلات تتوزّع على ثلاثة مستويات، على حد تعبيره، وهي المواد الأولية والإنتاج والترويج. وتنعكس هذه الصعوبات على المردودية؛ إذ إن الحرفي لا يجد المال الكافي لاقتناء المواد الأولية ودفع أجور العاملات، وهو بذلك لا يضمن بقاءهن؛ إذ لاذت كثيرات من الحرفيات اللاتي يتقن «الصنعة» بالفرار من ورش صنع الزربية.
والحقيقة، أن قطاع الزرابي، الذي يعد أحد أهم الأنشطة الحرفية المعتمدة على اليد العاملة المختصة، سجّل تراجعا مطردًا منذ عام 2001 قدر بـ25 ألف متر مربع خلال عشر سنوات، وإلى غاية 2012 شهد الإنتاج تراجعًا بنحو 80 في المائة، وتواصلت الأزمة إلى حد الآن. وفي هذا الشأن، قالت عزيزة السلاوي، وهي حرفية من مدينة القيروان (عاصمة صناعة السجاد التونسي) إن «الحرفية الواحدة تنسج في السنة نحو 18 مترا من الزرابي، إلا أن طاقة الإنتاج السنوي تأثرت كثيرًا نتيجة هجرة الفتيات لحرفة الزربية التي لم تعد تغطي مصاريفها نتيجة الكساد التجاري». وازداد الوضع سوءًا إثر فتح المجال أمام المنتجات الأجنبية لتغزو الأسواق التونسية وليسمح لآلاف الحاويات التي تحمل منتجًا أجنبيًا، وأيضًا منتجًا تونسيًا مقلدًا في الخارج، بالمرور دخولا وخروجا ليضع مورد رزق قرابة 20 ألف حرفي من مختلف النشطة الخرفية موضع الخطر.
تونس: حرف تقليدية في أزمة
معاناة خاصة... الزرابي والنجارة التقليدية والنحاس
تونس: حرف تقليدية في أزمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة