الأكراد يستبقون «الآستانة» بإقرار دستور خاص بمناطق سيطرتهم

سيدا لـ «الشرق الأوسط» : محاولة لفرض أمر واقع واستفراد بالورقة الكردية

مؤتمر في بلدة رميلان شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات كردية، لإقرار دستور يتم فرضه على المدن والقرى الخاضعة لهم (رويترز)
مؤتمر في بلدة رميلان شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات كردية، لإقرار دستور يتم فرضه على المدن والقرى الخاضعة لهم (رويترز)
TT

الأكراد يستبقون «الآستانة» بإقرار دستور خاص بمناطق سيطرتهم

مؤتمر في بلدة رميلان شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات كردية، لإقرار دستور يتم فرضه على المدن والقرى الخاضعة لهم (رويترز)
مؤتمر في بلدة رميلان شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات كردية، لإقرار دستور يتم فرضه على المدن والقرى الخاضعة لهم (رويترز)

استعجلت القوى الكردية التي تبسط سيطرتها على مناطق واسعة شمال سوريا، وعلى رأسها «الحزب الديمقراطي الكردي» و«قوات سوريا الديمقراطية»، المحادثات المستمرة منذ سنوات لإقرار «عقد اجتماعي» أو دستور يتم فرض تطبيقه في المدن والقرى الخاضعة لسيطرة هذه القوات، استباقًا للمحادثات المرتقبة في الآستانة بين المعارضة والنظام برعاية إقليمية ودولية.
وأعلن مسؤولون أكراد أن اجتماعات تعقد في منطقة رميلان منذ مطلع الأسبوع سيتم في ختامها التصديق على مضمون هذا العقد الذي يحدد «نظام الأقاليم وحقوق وصلاحيات هذه الأقاليم ومجالس الشعوب». وأفادت مصادر مشاركة في الاجتماعات بأنّه وبعد التصويت على اسم النظام والموافقة بالإجماع على تغيير اسم الفيدرالية إلى «النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا» بدلاً من «النظام الاتحادي الديمقراطي الفيدرالي لروج آفا - شمال سوريا»، ناقش المجتمعون آلية المجالس، ومجالس المقاطعات والهيئة التنفيذية للمقاطعة، ونظام الأقاليم وحقوق وصلاحيات الأقاليم ومجالس الشعوب في الأقاليم.
وقالت نوروز، من وحدات حماية المرأة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن نحو 30 حزبًا كرديًا وعربيًا يشاركون في هذه الاجتماعات تمثل كل مكونات الشعب السوري من «العشائر العربية وسريان أشور وكرد وعرب وتركمان»، موضحة أن «هذه الخطوة تأتي استباقًا لجولة المفاوضات المزمع عقدها في كازاخستان». وأشارت نوروز إلى أنّه سيتم الالتزام ببنود العقد الاجتماعي في كل مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» من «ديرك حتى كوباني وعفرين ومنبج وصرين والشدادي حتى الرقة بعد تحريرها».
وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز الحكم الذاتي لمناطق بشمال سوريا شكل فيها الأكراد بالفعل أقاليم تحكم نفسها منذ بداية الصراع في سوريا عام 2011.
وقالت هدية يوسف، التي ترأس مجلسًا مؤلفًا من 151 عضوًا، إن الخطة التفصيلية ترقى إلى مستوى دستور وتعرف باسم العقد الاجتماعي، وأنه من المتوقع أن يقر المجلس الخطة الأربعاء أو الخميس في اجتماع بمدينة رميلان. وأضافت في رسالة مكتوبة وصلت لوكالة «رويترز» أنها تتوقع التصديق على الخطة لأن محتواها نوقش مع كل الجماعات والأطراف السياسية مرارًا، لافتة إلى أن صيغة المسودة كتبت بالتوافق. وقالت هدية: «سوف نوضح من خلال العقد كيفية البدء في تشكيل مؤسساتنا ونظامنا الإداري. وسنبدأ بالتحضير للانتخابات. في البداية ستجرى انتخابات لاختيار إدارات إقليمية تعقبها انتخابات لاختيار هيئة مركزية».
وبدأ المجلس الذي ترأسه يوسف اجتماعه أول من أمس الثلاثاء، ويُعتبر هذا المجلس بمثابة «جمعية تأسيسية» يقول مسؤولون فيه إنه يضم أعضاء من كل الجماعات السياسية والعرقية والدينية في المنطقة.
من جهته، أوضح نصر الدين إبراهيم، وهو سياسي كردي آخر يشارك في الاجتماع أن كلمة «روج آفا» التي تشير إلى شمال سوريا باللغة الكردية، أسقطت من اسم النظام الحكومي المقترح خلال الاجتماع. وأضاف أنه قاد 12 حزبًا كرديًا لإبداء تحفظات لكنهم لن يعيقوا التصديق على الوثيقة. أما السياسية الكردية فوزة أحمد فلفتت إلى أن «الجماعات التي ستوقع على الدستور الجديد لا تستبعد المشاركة في محادثات السلام المستقبلية»، مضيفة أنها لم تتلق دعوة للمشاركة في اجتماع كازاخستان.
وعلّق عبد الباسط سيدا، المعارض الكردي، عضو الائتلاف السوري والرئيس السابق للمجلس الوطني السوري على الاجتماعات الحاصلة في رميلان والتوجه لإقرار دستور لمناطق سيطرة «الحزب الديمقراطي الكردي»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إنّها تندرج في إطار «استباق الأحداث، وفرض أمر واقع قبل المحادثات المرتقبة في الآستانة، من خلال السعي لتشكيل وفد كردي حسب تطلعات الـPYD، الذي يصر على الاستفراد بالورقة الكردية». ورأى سيدا أن «سوريا لا يمكن أن تعود للنظام المركزي المتشدد الحالي، وهي لا شك يجب أن تعتمد في المستقبل نظامًا لا مركزيًا، إلا أن طبيعة هذا النظام وكيفية التعبير عنه دستوريًا يجب أن يحصل بنقاش مستمر بين كل مكونات الشعب السوري».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.