الأكراد... حلمهم بالانفصال ضحية اللاقرار الأميركي والتشدد التركي

فيدرالية تبدّدها تطورات الحرب السورية وأحزابهم تبحث كل الخيارات

الأكراد... حلمهم بالانفصال ضحية اللاقرار الأميركي والتشدد التركي
TT

الأكراد... حلمهم بالانفصال ضحية اللاقرار الأميركي والتشدد التركي

الأكراد... حلمهم بالانفصال ضحية اللاقرار الأميركي والتشدد التركي

لا يبدو المشهد السوري واضحًا، فالأحداث الآخذة بالتبدّل بسرعة ترسم صورة قاتمة جدًا عن مستقبل هذا البلد الذي مزقته الحرب وروّعت أبناءه. وإذا كان المشهد في شمال سوريا واضح المعالم في النصف الأول من عام 2016، فإنه بات الآن الأكثر ضبابية بعد المستجدات التي رست على سقوط مدينة حلب بيد نظام بشار الأسد وحلفائه وعودة تنظيم داعش الإرهابي المتطرف إلى احتلال مدينة تدمر الاستراتيجية، والتدخل التركي النشط عبر عملية «درع الفرات» والسيطرة على مساحات كبيرة على طول الحدود التركية السورية.
في الظاهر تبدو معركة الريف الشمالي لمحافظة حلب، التي تخوضها قوات «درع الفرات» بدعم مباشر من تركيا، موجهة ضدّ «داعش» بعد طرده من مدن وبلدات كبيرة مثل جرابلس والراعي ودابق والباب ومحاصرة «إمارته» في مدينة الرقّة. إلا أن الرسائل التركية تتخطى حتمية القضاء هذا التنظيم، لتهدف إلى تقليم أظافر النفوذ الكردي الذي كبُر وتمدّد بدعم التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وهو ما يوحي بأن ثمّة تفاهمات مصالح إقليمية ودولية، أهمها التقارب الروسي - التركي، قد يدفع الأكراد فاتورتها الباهظة، وصولاً إلى الإطاحة بحلم الدولة الكردية المستقلّة، أو الحكم الذاتي أو حتى الفيدرالية بأضعف الإيمان.
لم يعد خافيًا على أحد أن الأكراد قدّموا تضحيات كبيرة في الحرب على تنظيم داعش في الشمال السوري، بدأ من تل أبيض إلى عين العرب (كوباني) وصولاً إلى معركة منبج الشهيرة. وكانت الوعود الأميركية مغدقة عليهم لقبض أثمانها. لكن المتغيرات باتت تفرض نفسها على أرض الواقع، فمرحلة ما بعد الدخول العسكري التركي إلى سوريا ليست كما قبلها. وربما كان الإطاحة بحلم الكيان الكردي المستقلّ، سببا في الاندفاعة التركية التي قوّضت هذا الهدف، مقابل القرار الأميركي المتردّد أو «اللاقرار» بالمطلق.

التحالف مع واشنطن
ورغم أن الأحزاب الكردية لا يزالون يثقون بمتانة تحالفهم مع الأميركيين، فإنهم يتوجّسون خيفة من انفراط عقد هذا التحالف، وفق ما أعلن القيادي الكردي نواف خليل، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أكراد سوريا وإن كانوا واثقين من تحالفهم مع الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية، فإنهم يتهيأون لكل الاحتمالات، لأن التوافقات الدولية دائمًا ما تكون على حساب الشعوب». وتابع بلهجة تصالحية «القضية الأساسية التي عملت عليها الأحزاب الكردية، هي تمتين العلاقة مع العرب والتركمان والسريان وغيرهم، وهذه العلاقة أنتجت قوّة عسكرية يعتدّ بها، وهي (ميليشيا) «قوات سوريا الديمقراطية» التي حرّرت ما يزيد على 20 ألف كيلومتر مربع من تنظيم داعش الإرهابي. واختتم المسؤول الكردي بالقول إن «كل الضغوط التي مارستها أنقرة على واشنطن ودول أخرى، لم تسمح للجانب التركي بالجنوح بعيدًا في خياراته ضدّ الأكراد». وللعلم، كانت جماعات كردية سوريا انفصالية التوجهات، على رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي (البي ي دي - PYD)، قد أعلنت في 17 مارس الماضي، إنشاء نظام «فيدرالي» في المناطق التي تسيطر عليها شمال سوريا، خلال اجتماع عقدته في مدينة رميلان بمحافظة الحسكة. وتحدثت تشكيل مجلس تأسيسي للنظام ونظام رئاسي مشترك.
في المقابل، أوضح المعارض السوري سمير نشار لـ«الشرق الأوسط» أن «مشكلة المعارضة السورية ليست مع الأكراد الذين هم مواطنون سوريون، ولديهم أحزاب مستقلّة، إنما مع حزب الـ(بي ي دي) الذي نسج علاقات وتفاهمات مع النظام السوري». وتابع نشار أن «الأكراد الانفصاليين يناورون مع كل القوى الإقليمية لتحقيق مكاسب في المواجهة مع داعش مقابل تحقيق مطالبهم الذاتية بالانفصال والفيدرالي... وربما أكثرية السوريين لا يعارضون الفيدرالية، ولكن التفرد بفرض نموذج على مستقبل سوريا بمنأى عن كل السوريين يشبه فكر (القاعدة) و(داعش) والنظام السوري».

نموذج «الوطن الكردي»
جدير بالإشارة أن الأحزاب الكردية الانفصالية حددت مناطق النظام «الفيدرالي» الذي تريده بثلاث مقاطعات ذات كثافة سكانية كردية هي عين العرب – التي يسميها الأكراد كوباني – في ريف محافظة حلب الشمالي الشرقي، و«جيب» عفرين الواقع في ريف محافظة حلب الغربي، ومحافظة الجزيرة أو الحسكة، وهذا الإضافة إلى المناطق العربية التي سيطرت عليها ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية أخيرًا، خصوصا في محافظات الحسكة والرقّة وحلب.
مع هذا، أمام تسارع الأحداث، لا يجازف الأكراد في تظهير اصطفافهم مع القوى الإقليمية والدولية، وهذا ما أشار إليه نشار - المنسحب حديثًا من «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» - إذ قال: «لم يحسم الأكراد خياراتهم مع أي جهة إقليمية أو دولية بعد، لأن التطورات تسابقهم»، لكنه حذّر من أن «هناك قوى دولية ستضحّي بهم، لا سيما، الولايات المتحدة الأميركية، التي يرجّح أن تقدّم علاقتها مع تركيا كدولة كبيرة وقوية في المنطقة، وكعضو فاعل في حلف شمال الأطلسي (ناتو) على تحالفها معهم». واعتبر نشار أن «القضية الكردية ذات أبعاد إقليمية، فهناك توافق تركي - إيراني على المسألة الكردية، ولا بد من الأخذ برأي إيران كلاعب حقيقي، باعتبار أن تداعيات الملف التركي تشكل خطرًا استراتيجيًا على الداخل الإيراني».
عودة إلى المعسكر الكردي، وحول عمّا إذا كان حلم الأكراد في «الفيدرالية» أو الحكم الذاتي قد تبخّر، يرى نواف خليل «أن الأكراد يتوقعون كلّ شيء، وكل الخيارات مطروحة أمامنا على الطاولة. ولكن السؤال هو هل تجد الولايات المتحدة حليفًا أفضل منا لمحاربة «داعش»؟»، مستطردًا «السياسي الذي يضع كل رهاناته على طرف واحد، ولا يضع كل الخيارات أمامه يكون فاشلاً. ولا أخفي سرًا إذا قلت إن المجلس السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (التي تشكل ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري) يتعاطى مع الأمور بواقعية، ويتهيّا لكل الاحتمالات وللتوافقات الدولية التي قد تكون على حسابنا. لكن، بالتأكيد، لن نسمح لفكر الخميني أن يحكمنا». ولفت المسؤول الكردي إلى أن طرح «الفيدرالية» مرفوض من أطراف كثيرة، حتى إن «نظام إيران وحزب العدالة والتنمية (التركي) ونظام الأسد يلتقون على هدف رفض الفيدرالية، لذلك نقول إن كل ذلك لا يطمئن، ولذلك نحن مستعدون لكل الاحتمالات».
ورغم تباعد القراءات حول مستقبل سوريا، شدد خليل على أن «لا أحد قادر على تجاهل دورنا، وسيكون للأكراد دور أساسي في تقرير مستقبل سوريا»، معربًا عن «تمسك الأحزاب الكردية، بما تم التوصل إليه في اجتماع القاهرة الذي ضمّ صالح مسلم وأحمد الجربا وهيثم منّاع وبرهان غليون، والذي يبدأ بحتمية إسقاط نظام بشار الأسد وبناء سوريا الديمقراطية والتعددية لجميع أبنائها».



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.