قفز روبرت جينتز في طائرة «إير برلين» المتجهة إلى بكين بهدف اقتحام عالم الموضة عبر الإنترنت من خلال الاطلاع على تجربة الصين في هذا المجال. وفي الوقت الذي استقل فيه الطائرة للعودة إلى برلين، كان في ذهنه خطة جديدة وهي أن يستنسخ التجربة بحذافيرها.
وكان جينتز، وهو ألماني يبلغ من العمر 34 عاما، مؤسس موقع شركة «زلاندو» التابعة لمجموعة أميركية مختصة ببيع التجزئة في الأحذية والموضة الأميركية من خلال موقع «أمازون» للتسويق الإلكتروني، قد عقد اجتماعات في خريف عام 2013 مع أصحاب ماركات صينية وعالمية، ومتاجر للبيع عبر الإنترنت وغيرها من عناصر التجارة الإلكترونية المحلية، والسبب هو أنه أراد توسيع شركته بجعلها تبحر في العالم الافتراضي الواسع. لكن بعد الاجتماعات، توصل جينت إلى نتيجة مفادها أن الصين تفوقت على غيرها من الأسواق العالمية في البيع عبر الإنترنت، وتعجب من أن المستهلكين الصينيين الذي تحدث معهم وابتاع منهم يتواصلون مع مصممين وأصحاب ماركات معروفة عبر موقع «وي تشات» المحلي للدردشة عبر الإنترنت، في حين أن بائعي التجزئة عبر الإنترنت والشركات التي تتولى توصيل البضائع للمشترين وبيوت الخبرة جميعها لا يزالون يعملون بشكل روتيني بمعزل عن الجمهور.
قال جينتز: «نريد أن نأخذ هذه الخبرة إلى أوروبا»، ففي موسم الإجازات الحالي، تستخدم شركة «زلاندو»، أكبر شركة موضة عبر الإنترنت في أوروبا، شعار «صنع في الصين» للتسويق عبر «أمازون»، فيما يتطلع المارد الأميركي «أمازون» لتعزيز مكانته كأكبر شركة تسويق عبر الإنترنت في العالم بسعيه للانتشار في القارة الأوروبية التي لم تحقق فيها الموضة عبر الإنترنت الانتشار المرجو.
عدد محدود من الشركات استطاعت أن تحافظ على المسافة بينها وبين شركة «أمازون» - أكبر شركة تسويق إلكتروني عبر الإنترنت في الولايات المتحدة - بعد أن اقتحمت تلك الشركات أسواقًا جديدة، لكن الاستثناء الواضح كان في الصين حيث المنافس الشرس موقع «علي بابا»، الذي يعد ثاني أكبر موقع للتسويق عبر الإنترنت عالميا بحسب قيم السوق، والذي استطاع أن يحتفظ بمكانته.
ولعقود عدة، اعتمدت شركات التكنولوجيا في حصولها على كل جديد على «وادي السليكون» بالولايات المتحدة، لكن نهج شركة «زلاندو» واعتماده على الاستلهام من نظرائه الصينيين يمثل استراتيجية جديدة للنظر صوب الشرق، لا الغرب، كمصدر إلهام.
وفي سياق التحول من موقع إلكتروني أوروبي مختص بالموضة إلى منصة بيع عبر الإنترنت، سارت شركة «زلاندو» بنهج مختلف في محاولة للسير على خطى شركة «أمازون» وتعاملاتها في الأسواق وبراعتها التكنولوجية.
وركزت الشركة الألمانية في السابق على التعامل بنفسها مع جميع عمليات البيع وقوائم المخزون لديها، لكن بالإضافة إلى القيام بالبيع المباشر للجمهور، تسعى «زلاندو» الآن لأن تجعل من نفسها متجرا للبيع الإلكتروني وأيضًا تسمح لبيوت الموضة وبائعي التجزئة بتولي عمليات البيع المباشر أيضا، مع تدخل محدود من قبلها.
وقد تساعد تلك الجهود التي بدأت منذ عام تقريبا القليل من شركات التكنولوجية الأوروبية ذات الوزن الثقيل في جني المزيد من المال في المنطقة التي لا تزال تعد أكبر أسواق العالم.
وفي السياق ذاته، قال إريك ميتيغر، عضو مجلس إدارة شركة «كينفيك» الاستثمارية السويدية التي كانت من أوائل المستثمرين بشركة «زلاندو» ولا تزال تمتلك 32 في المائة من أسهمها: «لكي تكون اللاعب الأقوى في بقعة جغرافية معينة، عليك أن تتخطى حدود التجارة الإلكترونية التقليدية»، مضيفًا: «فالتحرك أمر ضروري». ولذلك يجب القول إن تحديات كثيرة واجهت شركة «زلاندو» عندما سعت لاستلهام تجارب الصين.
وعلى الرغم من الهيمنة المحلية، فاللاعبون الصينيون مثل «علي بابا» لم يستنسخوا تجربتهم التجارية الناجحة ليكرروها بالخارج، إذ إن تجربة التسوق عبر الإنترنت في أوروبا تختلف بعض الشيء عن الصين. فـ«أمازون» والمنافسون الأوروبيون، ومنهم شركات مثل «أسوسو» و«يوكس نيت أي بورتر»، بمقدورهم التفوق على «زلاندو» بأساليبهم التقليدية في التجارة الإلكترونية.
وبالنسبة لغالبية الأميركيين، وحتى بعض الأوروبيين خارج الأسواق الناطقة بالألمانية، فـ«زلاندو» لم تصبح اسما مألوفا بعد.
بدأت زلاندو كشركة ناشئة عام 2008 على يد جينتز وديفيد شنايدر بعد أن حصلا على مؤهل جامعي في التجارة، وحاولا وفشلا في عمل موقع أميركي لاتيني ينافس «فيسبوك»، واتخذا من برلين مقرا لشركتهم الجديدة. وبحلول عام 2014، أصبحت «زلاندو» أكبر شركة تكنولوجية عبر الإنترنت في أوروبا، وكان من أوائل المستثمرين بها شركة «روكت إنترنت» المعروفة باستنساخها للتجارب التجارية الخارجية الناجحة، وشركة «دي إس تي غلوبال» التي تعد من ضمن داعمي «فيسبوك» و«تويتر»» و«علي بابا».
ولسد احتياجات الأسواق الأوروبية، قامت «زلاندو» بزيادة عروضها وخدماتها. ففي ألمانيا، حيث يقل عدد مستخدمي كروت الائتمان، بات بمقدور المستهلكين السداد إلكترونيا عبر الإنترنت عن طريق خدمة مرتبطة بحساباتهم البنكية بعد تسلمهم للملابس عبر البريد العادي. وفي إيطاليا، تعاونت «زلاندو» مع شركة محلية لتوصيل المشتريات لكي يطمئن المشترين من جودة السلعة والسداد بعد تسلُّمها.
وأفاد موقع «يورو مونيتور» المختص بتوفير البيانات بأنه رغم أن المنافسين الأوروبيين نجحوا أيضًا في كسب ثقة عملائهم، فلا تزال «زلاندو» الأكبر، سواء حسب تقديرات السوق أو وفق إجمالي مبيعاتها عبر الإنترنت. ومن المتوقع أن تضاعف الشركة مكاسبها السنوية بمقدار 220 مليون دولار (قبل احتساب الضرائب)، وأن ترتفع العائدات بمقدار 20 في المائة لتصل إلى إجمالي 4 مليارات دولار، بحسب تقديرات بعض المحللين.
وبحسب أندريا فيراز، محلل بشركة «مورغان ستانلي» بلندن، فإن «شركة (زلاندو) مهيأة لأن تصبح من أكبر مواقع الموضة في أوروبا». فلا تزال الشركة تعتبر سمكة صغيرة نسبيًا، إذ إن تقييمها السوقي يبلغ 9.4 مليار دولار، وهو مبلغ يعادل واحدًا على أربعين من القيمة السوقية لشركة «أمازون». ويقدر إجمالي حجم أعمال سوق الموضة المتسارع في أوروبا عبر الإنترنت بنحو 75 مليار دولار، ورغم ذلك يعتبر ضئيلاً أمام عمالقة التجارة الإلكترونية العالمية.
استعان موقع «علي بابا» بمشغلين محليين وغطت خدمات السداد الإلكترونية قارة أوروبا، أغلبها لخدمة الصينيين هناك. وفتحت «أمازون» استوديو للموضة في لندن، وانضمت لمجلس الموضة البريطاني لتعزز من مصداقيتها المحلية.
ولمنافسة «أمازون» وغيره من المواقع الإلكترونية، تحتم على «زلاندو» إنفاق الكثير من المال لعمل شبكة من المتعاملين تغطي كل أنحاء أوروبا. وفي ضواحي مدينة أيرفورت الألمانية الهادئة، تستطيع مشاهدة عدد لا نهائي من الصناديق برتقالية اللون تحوي فساتين وأحذية على أحدث طرز الموضة وقد جرى صفها على سيور متحركة لعدة أميال، وفي نهايتها تشاهد العمال ينقلونها على عربات صغيرة لداخل أول مستودعات شركة «زلاندو» الذي يعادل حجمه حتى الآن حجم 18 ملعبًا لكرة القدم.
يمتلك الموقع أربعة مستودعات ولا يزال العدد في ازدياد، ومن المخطط إنشاء مخازن جديدة خارج باريس، وقريبا بالقرب من لندن.
ومثلما حدث لـ«أمازون»، فقد اتهمت الشركة بإساءة معاملة بعض عمالها، بحسب شكوى اعترف بها بعض المديرين التنفيذيين بشركة «زلاندو» الذين أقروا بأنهم كان عليهم أن يحسنوا معامله مرؤوسيهم. وفي إطار الخطوات الإصلاحية التي تبنتها الشركة، جمع جينتز فريق عمله الإداري مباشرة عقب الشكاوى التي وردت بحق شركته عام 2014، وحدد الخطوات المطلوبة لمنع تكرار ما حدث، وأيضًا لجعل الشركة مقصدا لكل ما يختص بالموضة.
وفي هذا الإطار، عملت الشركة على الاستفادة من خبراتها في مجال الإمداد فيما يخص الماركات العالمية والمتاجر الصغيرة في جميع أنحاء أوروبا. والهدف، وفق المسؤولين التنفيذيين، هو استخدام موقع «زلاندو» وتطبيقات الهاتف الذكي كمنصة لبيع البضائع، سواء تلك الموجودة بمستودعاتها، أو مباشرة من بيوت الموضة نفسها، مما يعطي العملاء المزيد من الخيارات والمرونة.
فشركة «أديداس»، على سبيل المثال، تسمح بالشراء عبر منصة «زلاندو»، حتى وإن كان البيع يتم في النهاية عن طريق متاجر شركة الملابس والمستلزمات الرياضية الألمانية العملاقة (مقابل حصول زلاندو على عمولة). وتتضمن العلاقة الآن خدمات مثل توصيل السلع في اليوم نفسه، وكانت أسرعها في برلين حيث لم تستغرق الرحلة سوى 24 دقيقة لنقل السلع للمشتري من أحد مستودعات أديداس.
ويقول رونالد أوشيل، رئيس قسم المبيعات الدولية بشركة أديداس: «لا أحد غيرنا يعرض هذا النوع من الشراكات»، مشيرا إلى العلاقة التجارية الوثيقة التي نشأت بين شركته وشركة «زلاندو» عقب نهاية بطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل.
وفتحت كذلك شركة التجارة الإلكترونية المجال للتعاون مع فريق من المتعاونين من منازلهم بهدف اختبار مدى الإقبال في بمناطقهم التي تتولي فيها «زلاندو» ربطها ببيوت الموضة العالمية، وكذلك التعاون مع شخصيات معروفة تحظى بأعداد كبيرة من المتابعين.
وصرح نيكولاس بورغ، مدير الاستراتيجيات بشركة «زلاندو» الذي عمل في السابق بشركة «إي باي» بأن المرحلة المقبلة ستشمل خاصية الدردشة التفاعلية التي تعمل عن طريق خاصية الذكاء الصناعي، وذلك لتقديم النصيحة للمستهلكين على غرار ما نراه في «فيسبوك ماسنجر».
وأضاف: «في المستقبل، الأهم لن يكون مكان إتمام الشراء، لكن كيف تؤثر في إتمامها. هذا هو التحدي الأكبر أمامنا.. كيف نغير خبرة البيع عبر الإنترنت؟».
* خدمة «نيويورك تايمز»