حي الراشدين بريف حلب الغربي يوثّق قصص أهالي المدينة المنكوبة

الخارجون يتحدثون عن قبور جماعية دفنوا فيها موتاهم وجثث تركوها في الشوارع

بانا العابد الطفلة ذات السبعة أعوام التي كانت تغرد على «تويتر» من شرق حلب ولفتت إليها أنظار العالم وصلت مع عائلتها إلى حي الراشدين في الريف الغربي لحلب مع من تم إجلاؤهم عن المدينة أمس - مصابون على أرضية آخر مستشفى لا يزال يعمل في أحياء حلب الشرقية بانتظار الإجلاء خارج المدينة أول من أمس (أ.ف.ب)
بانا العابد الطفلة ذات السبعة أعوام التي كانت تغرد على «تويتر» من شرق حلب ولفتت إليها أنظار العالم وصلت مع عائلتها إلى حي الراشدين في الريف الغربي لحلب مع من تم إجلاؤهم عن المدينة أمس - مصابون على أرضية آخر مستشفى لا يزال يعمل في أحياء حلب الشرقية بانتظار الإجلاء خارج المدينة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

حي الراشدين بريف حلب الغربي يوثّق قصص أهالي المدينة المنكوبة

بانا العابد الطفلة ذات السبعة أعوام التي كانت تغرد على «تويتر» من شرق حلب ولفتت إليها أنظار العالم وصلت مع عائلتها إلى حي الراشدين في الريف الغربي لحلب مع من تم إجلاؤهم عن المدينة أمس - مصابون على أرضية آخر مستشفى لا يزال يعمل في أحياء حلب الشرقية بانتظار الإجلاء خارج المدينة أول من أمس (أ.ف.ب)
بانا العابد الطفلة ذات السبعة أعوام التي كانت تغرد على «تويتر» من شرق حلب ولفتت إليها أنظار العالم وصلت مع عائلتها إلى حي الراشدين في الريف الغربي لحلب مع من تم إجلاؤهم عن المدينة أمس - مصابون على أرضية آخر مستشفى لا يزال يعمل في أحياء حلب الشرقية بانتظار الإجلاء خارج المدينة أول من أمس (أ.ف.ب)

لم تمنع كل التحديات خلال رحلة الهجرة من الأحياء الشرقية لمدينة حلب إلى الريف الغربي كما الإجراءات المشددة التي تُفرض على المدنيين المهجرين من منازلهم، يارا الصغيرة (8 سنوات) التي وصلت قبل ساعات إلى معبر حي الراشدين الواقع في الريف الغربي شمال سوريا من الاحتفاظ بعصفورها داخل قفص خشبي حملته معها وكانت تتمسك به، فيما ينشغل باقي أفراد عائلتها بجر أمتعتهم والمواد الغذائية التي وزّع عليهم عاملو المنظمات الإغاثية.
يارا محظوظة كونها نجت وعائلتها وعصفورها من جحيم حلب الذي سرق من الطفلة الأخرى راما (10 سنوات) والدها ووالدتها وأشقاءها، وتركها يتيمة مشردة تعجز عن الكلام والتعبير، فهي وبحسب ناشطين موجودين في نقطة إفراغ الباصات ظلت 3 ساعات ونصف الساعة تحت أنقاض منزلها الذي قُصف قبل أسبوعين حتى انتشلها مسعفو الدفاع المدني. راما ونحو مائة طفل يتيم، خرج قسم منهم من الأحياء الشرقية يوم أمس، سيتوجهون إلى دار للأيتام في ريف إدلب ليواجهوا مصيرهم هناك بعد أن فقدوا عوائلهم وأي حافز للتمسك بالحياة في مسقط رأسهم.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» الاثنين إن قرابة 50 طفلا كانوا محاصرين في دار للأيتام بمنطقة شرق حلب تم إجلاؤهم، مشيرة إلى أن بعضهم يعاني إصابات خطيرة والجفاف. وأوضحت كريستا آرمسترونغ المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية أجلوا الأيتام من شرق حلب وموظفين من المنشأة كانوا يعتنون بهم. وأضافت: «كانت لهم الأولوية وهم أول من نقلوا بالحافلات عندما استؤنفت العملية».
وليس الأطفال اليتامى فقط من استسلموا لقدرهم التعيس، بل مئات الرجال والنساء الذين توافدوا يوم أمس إلى ريف حلب بعدما تم احتجازهم لساعات طويلة في الباصات التي نقلتهم من الأحياء الشرقية للمدينة. فقد بدا واضحا على وجوههم الإحباط والانكسار، علما بأنهم لم يترددوا بالإقرار بهما على شاشات الكاميرا وخلال حديثهم مع الناشط معاذ الشامي الذي روى لـ«الشرق الأوسط» أكثر من قصة «كان القاسم المشترك لأبطالها إصابتهم بحالة من اليأس الشديد، خصوصا أنهم أحرقوا منازلهم وسياراتهم كي لا تستفيد منها قوات النظام وحلفاؤها»، مشيرا إلى أن «ألسنة النيران المشتعلة في مقتنياتهم ظلت تحاصرهم طوال الرحلة إلى معبر الراشدين وهي على الأرجح ستحاصرهم إلى الأبد».
وقد خرج من الأحياء الشرقية لحلب منذ يوم الخميس الماضي، بحسب الشامي، نحو 20 ألف شخص تم توزيعهم على مناطق في ريف إدلب الشمالي والغربي وعلى مخيمات على الحدود السورية - التركية وبالتحديد في أطمة، لافتا إلى أنه تم تأمين بعض العائلات في منازل آمنة، وعائلات أخرى سكنت خيما في المخيمات وأبرزها مخيم في بلدة كفر كرمين أنشئ خصيصا لاستيعاب أهالي حلب.
وتحول معبر حي الراشدين الواقع في ريف حلب الغربي إلى نقطة تسلم يتم فيها إفراغ الباصات من الأهالي المهجرين على أن تقلهم من هناك حافلات للجيش الحر توزعهم على المناطق السابق ذكرها. ورغم كون الموقع عبارة عن أرض قاحلة تزيد من كآبة الواصلين إليها، فإن وجود عشرات من عاملي الإغاثة التابعين لأكثر من منظمة وجمعية يوزعون الطعام والشراب عليهم كان يخفف ولو قليلا من آلامهم.
وقال أحمد الدبيس رئيس وحدة الأطباء والمتطوعين الذين ينسقون عملية الإجلاء إن نحو ثلاثة آلاف شخص وصلوا صباح الاثنين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة إلى غرب ثاني مدن سوريا، عبر موكبين يتألف كل منهما من عشرين حافلة، مشيرا إلى أنّه شاهد اعتبارا من الفجر عائلات تنزل من حافلات وتتجمع جالسة أرضا، فيما كان عمال الإغاثة يوزعون المياه المعدنية عليهم. وأضاف الدبيس في تصريح لـوكالة «الصحافة الفرنسية»: «كانوا في وضع سيئ جدا بسبب انتظارهم أكثر من 16 ساعة بحيث لم يكن هناك لا طعام ولا شراب... الأطفال أصابتهم لسعة البرد، ولم يتمكنوا حتى من الذهاب إلى المراحيض».
وأشار معاذ الشامي إلى أنه ورغم أن عددا من أهالي حلب كانوا يقولون أمام الكاميرات إنّهم عائدون إلى منازلهم، فإن القسم الأكبر منهم بدا مقتنعا بأنّهم تركوا مدينتهم إلى الأبد، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لعل إحراق منازلهم وسياراتهم قبل المغادرة أكبر دليل على ذلك... بعضهم قال لي صراحة إنه سيحاول التأسيس لحياة جديدة في إدلب».
وفي فيديو نشره على صفحته على موقع «فيسبوك»، وثّق الناشط السوري البارز هادي العبد الله وصول الطفلة بانا التي كانت توثق يومياتها داخل منزلها في الأحياء الشرقية لحلب عبر موقع «تويتر»، يوم أمس إلى ريف إدلب. كما تحدث لمحمد كحيل، مدير هيئة الطبابة الشرعية في حلب، الذي تحدث عن «قبور جماعية تم دفن القتلى فيها قبل المغادرة لعدم توافر مساحات لمزيد من القبور»، لافتا إلى أن «عشرات الجثث بقيت في الشوارع ولم نتمكن من دفنها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».