باولو جنتيلوني الزعيم الدمث اسمًا وفعلاً

رئيس الوزراء الجديد «أرستقراطي» عاقل يخوض في مستنقع السياسة الإيطالية

باولو جنتيلوني الزعيم الدمث اسمًا وفعلاً
TT

باولو جنتيلوني الزعيم الدمث اسمًا وفعلاً

باولو جنتيلوني الزعيم الدمث اسمًا وفعلاً

ألقى باولو جنتيلوني، رئيس الوزراء الإيطالي الجديد، بيان حكومته في المجلس النيابي قبل أيام لنيل الثقة في قاعة خلت من غالبية قوى المعارضة التي انسحبت بذريعة أن «هذه الحكومة الضعيفة لا تستحق حتى التصويت ضدها!». واستغرق البيان ثلث ساعة جرى خلالها الهمس بين الحاضرين من مؤيدي الحكومة، وكأنه تعبير عن مللهم، لأن النتيجة مضمونة لصالحه.
وصل باولو جنتيلوني (واسم «جنتيلوني» يعني اللطيف أو الدمث بالإيطالية) إلى منصبه الجديد نتيجة فشل سلفه ماتيو رينزي في إقناع 60 في المائة من الناخبين الإيطاليين بتبني إصلاحاته الدستورية التي تعطي رئيس الوزراء مزيدا من الصلاحيات، وتبدل تركيبة مجلس الشيوخ، وتتبنى قانونا جديدا للانتخابات.
غير أن الحكومة الجديدة تُعتبر نسخة طبق الأصل عن الحكومة المستقيلة باستثناء بعض التفاصيل مثل تحويل آنجيلينو الفانو من وزير للداخلية إلى وزير للخارجية، مع الإبقاء على وزيرة الإصلاح الدستوري ماريا ايلينا بوسكي التي جهزت مسودة الإصلاحات الفاشلة في الاستفتاء، وكذلك بقاء رينزي زعيما للحزب الديمقراطي الحاكم يحرك الأمور من وراء الستار.
جيوفاني، أورسينا أستاذ السياسة الإيطالية في جامعة لويس بروما، قال معلقًا: «لقد حشر رينزي نفسه قبل الاستفتاء على الإصلاحات، فحوّله إلى استفتاء على أدائه لذا خسر بنسبة كبيرة». وأردف: «على الحكومة الآن أن تسترجع أصوات الناخبين الذين ابتعدوا عن تأييد الحزب الديمقراطي ليدعموا (حركة 5 نجوم) المعارضة للحكومة وللاتحاد الأوروبي التي يقودها الممثل الهزلي ذو اللسان السليط بيبي غريللو».
على أي حال، فإن اختيار جنتيلوني ليترأس الحكومة الجديدة، بعدما كان قد شغل منصب وزير الخارجية في الحكومة السابقة لمدة سنتين، يعني فعليًا استمرار سياسة يسار الوسط المتبعة في عهد ماتيو رينزي حتى موعد إجراء الانتخابات النيابية المقبلة المقررة عام 2017، قبل انتهاء المدة القانونية للمجلس النيابي الحالي عام 2018.

أرستقراطي دمث وعاقل
ليس لدى باولو جنتيلوني، في واقع الأمر، طموحات سياسية شخصية. فهو رجل يتحدّر من عائلة نبيلة عريقة درس العلوم السياسية في جامعة روما لا سابيينسا المرموقة في العاصمة الإيطالية. ويتميّز، وفق متابعي مسيرته الشخصية والمهنية والسياسية، بسلوكه المسؤول والمشرف. فهكذا عُرف طوال عمله كصحافي عضو في حزب «الخضر» البيئي، ومنذ عام 1993 كعضو في البرلمان، ثم كوزير للاتصالات في حكومة رومانو برودي بين عامي 2006 – 2008.
ويتمتع جنتيلوني بفضل رزانته واعتداله – وكما يقول عارفوه ومؤيدوه بـ«حسن أخلاقه»، بقدر كبير من الاحترام في مختلف الأوساط. وشخصيته الهادئة تختلف تمامًا عن شخصية رينزي (41 سنة)، الشاب الوسيم ذو المواهب الخطابية، والسياسي الغريزي الذي يحب المواجهة ويتسم بالنشاط والحيوية.. وأيضًا بالغرور. وحقًا، يؤخذ على رينزي أنه تصرف بتهور كبير في فترة من فترات صعوده السياسي الصاروخي، مما أفقده تأييد الجناح اليساري من حزبه، وهو الجناح ذو الجذور الشيوعية بزعامة ماسيمو داليما رئيس الوزراء الأسبق.
عودة إلى باولو جنتيلوني، المولود في العاصمة روما قبل 62 سنة، فإنه حين تبوأ منصب وزير الخارجية أثبت أهليته ومقدرته بسرعة لافتة. كذلك برهن، بخلاف غالبية من سبقوه إلى تولّي هذا المنصب، على تمكّنه من اللغة الإنجليزية، وتعامل بسلاسة مع جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، لتأييد الحكومة الليبية برئاسة فايز السراج المدعومة من الأمم المتحدة. وفي الوقت ذاته، كان يساير روسيا بكياسة ودبلوماسية، ويصرح مرارًا بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «زعيم يمكن الوثوق به».
وعلى صعيد آخر، وجّه جنتيلوني دفة السياسة الخارجية الإيطالية نحو الاعتماد على تنمية الاقتصاد والتجارة بدلاً الانخراط في الأزمات السياسية العويصة في العالم. ويذكر عنه أنه أثناء عمله كوزير للخارجية هدّده تنظيم داعش الإرهابي المتطرف لأنه صرح بأن إيطاليا لا تقبل بوجود تهديد إرهابي في ليبيا يبعد عنها بضع ساعات، ووصفه الدواعش يومذاك بأنه «عدو صليبي».

التحديات الاقتصادية
أما الآن، وبعد تولي جنتيلوني رئاسة الحكومة فإن التحديات التي تواجهه صارت أكبر. ولعل أهم مشكلة تواجهه (تواجه إيطاليا) الآن هي الوضع الاقتصادي المتدهور للبلاد، لا سيما الأزمة المالية التي تعصف بعدد من البنوك، خصوصًا أقدم مصرف في العالم (يعمل منذ القرن الخامس عشر) وهو مونتي دي باسكي في مدينة سيينا، بإقليم توسكانيا بوسط إيطاليا الغربي. فلقد طلب هذا المصرف وقتًا إضافيًا ليجد مَن يمول رسملته ولكن دون جدوى، وذلك لأن المستفيدين من قروضه ليس بإمكانهم دفع ديونهم.
ويبدو أن الحكومة الجديدة ستضطر إلى التدخل من أجل إنقاذ هذا المصرف العريق من الإفلاس. وأما المشكلة الثانية المهمة، فتتعلق بانتظار قرار المحكمة الدستورية حول الوضع القانوني لقانون الانتخابات. وهنا من المتوقع أن يقود ماتيو رينزي حزبه في هذه الانتخابات إلا أن الوضع ما زال غامضًا، حتى اللحظة، حول ما إذا بإمكانه إنجاز مهمة توحيد أجنحة الحزب الديمقراطي في وقت قريب.
وجود جنتيلوني على رأس الحكومة الحالية بكفاءته وحسن تصرفه، حسب آراء كثرة من المحللين والمعلقين السياسيين الإيطاليين، من شأنه أن «يضمن الاستقرار في البلاد والاستمرارية في متابعة السياسات الحكيمة في وقت تلوح العواصف في إيطاليا وأوروبا». ويشير المحللون والمعلقون هؤلاءِ، اليوم، من خلال رصد تطورات الساحة السياسية الإيطالية - وبالأخص، الاستفتاء الأخير - إلى وجود خطر جدي يكمن في أن الناخبين ملوا حقًا من الساسة التقليديين الذين اعتادوا السير في طريق تتبادل فيه الطبقة السياسية المنافع رغم اختلافها في الآراء والمواقف، وقد يميلون في الانتخابات البرلمانية المقبلة إلى التصويت لمرشحي الأحزاب الشعبوية مثل «حركة 5 نجوم» و«رابطة الشمال» الانفصالية ما يمكن أن يعرض فكرة الاتحاد الأوروبي للخطر، ويؤدي إلى انسحاب إيطاليا من العملة الموحدة (اليورو).
وبناء، عليه، لا يشك المحللون في أن مهمة رئيس الوزراء الجديد خلال الأشهر المقبلة ستكون شاقة وحافلة بالتحديات، ويذهبون إلى حد القول إن جنتيلوني قد يجد نفسه مضطر لكبح جماح رينزي، رئيسه السابق، مع أن مثل هذا الأمر «يتطلب شجاعة كبيرة».

ماذا يقول خصومه؟
في المقابل، يتهم خصوم جنتيلوني، ومنهم أولئك الذين يحاولون طعنه من الخلف، رئيس الوزراء الجديد أنه «يتأثر كثيرا بأفكار رينزي». وخلال برنامج هزلي على التلفزيون الإيطالي ظهر ممثل فكاهي معروف يدعى موريتزيو كروتزا، يقلد جنتيلوني بصورة متقنة، وفتح معطفه فشاهد المتفرجون جهازًا مخفيًا يتوهّج باستمرار... بينما يقول كروتزا: «الجهاز يوقف ضربات قلبي إذا بُحت بأي شيء لا يعجب رينزي».
وبالفعل، بدأت عدة قوى في المعارضة شن الهجمات على جنتيلوني، ووصفه بأنه «دمية في يد رينزي». وذهب لويجي دي مايو، أحد زعماء «حركة 5 نجوم» في هجماته إلى حد القول: «تعيين جنتيلوني بعد خسارة الاستفتاء يعني خيانة الشعب الإيطالي». والواقع، أن خصوم الحزب الديمقراطي يدركون أن مشكلات الاقتصاد الضعيف وتزايد الهجرة غير الشرعية سلاح فعّال يثير المواطن العادي الذي فقد بهجة الحياة المعروفة في إيطاليا، ومن ثم غدا «مَن هو في السلطة» هدفا طبيعيا لتنفيس مشاعره الغاضبة.
لكن مناصري جنتيلوني يرون أن في تحميله المسؤولية عن مشكلات إيطاليا المتفاقمة إجحافًا وظلمًا كبيرين. أما المراقبون الموضوعيون فيعتقدون أن جنتيلوني بسبب شخصيته الهادئة لا يبدي الثقة المفرطة التي كانت سمة تصرفات رينزي، كما لا يرى المحايدون منهم في «حركة 5 نجوم» الشعبوية الكفاءة والخبرة اللازمتين لحل المشكلات المعقدة لإيطاليا، ومن جانب آخر، فإن فكرة عودة الملياردير اليميني ورئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني إلى سدة الحكم على رأس حكومة يمين - وسط لا تلقى الاستحسان.
ختامًا، لا شك في أن إيطاليا تمر الآن بفترة انتقالية حساسة، ولا يبدو في الأفق من يعرف كيف ستتطور الأحداث خلال الشهور المقبلة. ولكن ربما سيحاول جنتيلوني أن يضع حدا لمحاولات رئيسه السابق رينزي التدخل في شؤون حكومته، من منطلق أنه زعيم الحزب الحاكم وليس في الأفق من سيخلفه. وبالتالي، فإن احتمالات التخبط أو التشويش واردة في على الدوام، إلا أن إيطاليا (المتعايشة فعليًا مع الهزات والبراكين) دأبت (على امتداد العقود الأخيرة) على اجتراح المفاجآت ومفاجأة العالم... بوقوفها على قدميها بعد كل هزّة سياسية.

بطاقة شخصية
* اسمه الكامل باولو جنتيلوني سيلفيري، ويتحدر من أسرة نبيلة عريقة، ويحمل ألقاب «نبيل فيلوترانو» و«نبيل تشينغولي» و«نبيل ماسيراتا».
* ولد في العاصمة الإيطالية روما يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1954. ودرس في مدرسة ليسيوم توركاتو تاسو الكلاسيكية، ثم درس العلوم السياسية في جامعة روما لا سابيينسا في العاصمة، وتخرّج فيها ثم انطلق للعمل في مجال الصحافة.
* متزوّج من إيمانويلا ماورو.
* انخرط في أيام دراسته بحركة طلابية يسارية، ثم بتنظيم «حركة العمال من أجل الاشتراكية». وخلال هذه الفترة أصبح مديرًا لصحيفة «لا نووفا إيكولوجيكا» البيئية. وعبر عمله التقي بحليفه وصديقه المستقبلي فرنشيسكو روتيللي.
* عام 1993 اختاره روتيللي ناطقًا باسمه إبان حملة انتخابات عمدة روما التي خاضها روتيللي وانتصر فيها على منافسه اليميني المتشدد جيانفرانكو فيني. ومن ثم صار جنتيلوني عضوًا في مجلس بلدية روما.
* دخل البرلمان لأول مرة عام 2001.
* عام 2002 كان أحد مؤسسي حزب «الأقحوانة» (يسار وسط مسيحي)، وتولى مسؤولية قيادية وإعلامية في الحزب.
* بين 2005 و2006 شغل منصب رئيس لجنة الرقابة على خدمات البث الإعلامية الحكومية.
* عام 2006 أُعيد انتخابه عضوًا في مجلس النواب عن تحالف «شجرة الزيتون» (يسار وسط) تحت قيادة رئيس الوزراء الأسبق رومانو برودي، ومن عين وزيرًا للاتصالات في حكومة برودي الثانية (2006 – 2008).
* عام 2007 كان واحدًا من 45 عضوًا في اللجنة التأسيسية الوطنية للحزب الديمقراطي، شكلوا من ائتلاف الديمقراطيين الاشتراكيين وديمقراطيي اليسار والجناح اليساري «الأقحوانة» بين الديمقراطيين المسيحيين.
* تكرر انتخابه لمجلس النواب عام 2008.
* خسر معركة انتخابات عمدة روما عام 2013، لكنه فاز مجددًا (للمرة الرابعة) بالانتخابات البرلمانية.
* عام 2014 عيّن وزيرًا للخارجية في حكومة ماتيو رينزي خلفًا لفيديريكا موغيريني، بعد توليها منصب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي.
* يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) 2016 اختير رئيسًا للحكومة الإيطالية.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».