شرائط الحزن تزين أحياء دمشق المسيحية في عيد الفصح

البطريرك لحام: المصالحة خشبة الخلاص الوحيدة للسوريين

شرائط الحزن تزين أحياء دمشق المسيحية في عيد الفصح
TT

شرائط الحزن تزين أحياء دمشق المسيحية في عيد الفصح

شرائط الحزن تزين أحياء دمشق المسيحية في عيد الفصح

بدل شرائط الحرير وبيض العيد والكتاكيت الملونة، في عيد الفصح، تمتد شرائط بيضاء خلفتها جنازات الشباب والأطفال لتزين شوارع حي القصاع ذي الغالبية المسيحية في دمشق، وتكتسي الجدران بنعي من يموتون يوميا بقذائف الهاون المتساقطة يوميا بشكل عشوائي على الحي، الذي عاش أهله أسبوع آلام عصيبا بعد أن سقطت قذيفة صاروخية على مدرسة المنار الأسبوع الماضي قتلت طفلا وأصابت أكثر من 46 طفلا آخر، بينهم من بترت أطرافه أو فقد عينه أو أصيب بإعاقة دائمة، من خمسين عائلة في الحي نكبت في هذه الحادثة، وتحول عيد الفصح عندها إلى أسبوع آلام بلا نهاية.
تقول دارين (15 سنة)، طالبة في المرحلة الإعدادية، إن «السوريين يتألمون من ثلاث سنوات وهناك من يقول إن الحال سيستمر هكذا عشر سنوات أخرى وربما أكثر». وكانت دارين تخطط مع صديقاتها للتغلب على الحزن والاحتفال بالعيد، رغم فقدها أعز صديقاتها بقذيفة هاون سقطت على الحي منذ شهرين، لكن إصابة طفلتين صغيرتين من سكان البناء في حادثة المدرسة جعلتها تعدل عن الفكرة، فحتى صلاة الجمعة الحزينة لم تشارك فيها ومكثت في المنزل، في حين ذهبت صديقاتها ووالدتها للمشاركة في صلاة الجمعة الحزينة لكن في كنيسة بعيدة عن القصاع وباب توما وقصدت حي الصالحية. وتقول دارين: «والدتي اختارت كنيسة بعيدة خوفا من القذائف».
حسام (20 سنة)، من سكان حي القصاع، يشير إلى أنه «قبل ثلاث سنوات كان الحي يزهو بألوان الربيع والفصح أما اليوم فلولا الأطفال ربما لن نجد أحدا يحتفل بالفصح في الشام، فالاحتفالات تجري بخجل شديد».
وكان بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام أكد في رسالة له بمناسبة عيد الفصح أن «المصالحة بين السوريين هي خشبة الخلاص الوحيدة لسوريا»، مناشدا العالم «إيقاف آلة الحرب» والعمل على «إحلال السلام في سوريا لأن سلامها هو سلام المنطقة بأسرها وسوريا تستحق اهتمام ومحبة وثقة العالم بأسره».
من جانبه، ندد بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان باستهداف المناطق الآمنة والمواطنين الأبرياء العزل ودعا الضمير العالمي كي يبذل الجهود الحثيثة لـ«إطلاق جميع المخطوفين وبخاصة مطرانا حلب للسريان الأرثوذكس يوحنا إبراهيم وللروم الأرثوذكس بولص اليازجي والكهنة الثلاثة ميشال كيال وإسحق محفوض وباولو دالوليو».
وبالإضافة إلى شبح الموت الذي يخيم على البلاد عموما هناك شبح الأزمة الاقتصادية. فمثلا «أم فادي»، التي أصيب ابنها بسقوط قذيفة على منزلهم منذ ثلاثة أشهر، أرادت أن تفرج هم عائلتها وابنها وأن تحتفل بالعيد، لكنها واجهت مشكلة مالية كبيرة في تأمين لوازم العيد من بيض وحلويات، وتقول إن «تلوين صحن بيض يكلف أكثر من ألف ليرة، وصناعة كعك العيد خمسة آلاف، أما الشوكولاته فأفضل نوع سعره ثلاثة آلاف، أي أحتاج إلى عشرة آلاف ليرة كحد أدنى، من دون أن أحسب ثمن ملابس جديدة للعيد لأبنائي الأربعة الذين أقنعتهم بارتداء ملابسهم القديمة». وتضيف: «بعد الحساب والطرح والجمع لضغط المصاريف دفعت ما لا يقل عن ستين ألف ليرة أمنتها من اشتراك في جمعية مع الجارات». لكن «أم فادي» ترى أن المشكلات الاقتصادية وحتى الأمنية يمكن التغلب عليها إلا أن ما يقلقها وغيرها من السوريين، ولا سيما المسيحيين، هو ما تخلفه الحرب من مشاعر طائفية، وذلك بعد تأكيدها «عشنا طوال عمرنا مع جيراننا من أديان أخرى كالأهل ولم نشعر يوما بوجود فروقات بيننا، كنا نتشارك الأعياد والمناسبات.. اليوم احتل حياتنا الخوف والريبة من بعضنا البعض».
ويتزامن عيد الفصح هذا العام مع إعلان النظام سيطرته على بلدة معلولا بالقلمون بريف دمشق، وهي أقدم بلدة مسيحية لا تزال قائمة في العالم ولا يزال أهلها يتكلمون بلغة السيد المسيح، وكانت فصائل إسلامية مقاتلة قد سيطرت على البلدة خلال الأشهر الماضية ليعود النظام ويسيطر عليها، بعد معارك عنيفة تسببت بأضرار كبيرة بالكنائس والأديرة التاريخية المحفورة بالجبال هناك.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.