حجاب: تراجعنا في حلب لن يدفعنا للتفريط في ثوابت الثورة

هولاند يطمئن المعارضة: لن نتخلى عنكم... ووزير خارجيته يتهم روسيا بالكذب

مقاتلون من الجيش الحر يوجهون مضادًا للطائرات على الطيران الروسي والنظامي الذي استهدف حي المشهد جنوب شرقي حلب، أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون من الجيش الحر يوجهون مضادًا للطائرات على الطيران الروسي والنظامي الذي استهدف حي المشهد جنوب شرقي حلب، أمس (أ.ف.ب)
TT

حجاب: تراجعنا في حلب لن يدفعنا للتفريط في ثوابت الثورة

مقاتلون من الجيش الحر يوجهون مضادًا للطائرات على الطيران الروسي والنظامي الذي استهدف حي المشهد جنوب شرقي حلب، أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون من الجيش الحر يوجهون مضادًا للطائرات على الطيران الروسي والنظامي الذي استهدف حي المشهد جنوب شرقي حلب، أمس (أ.ف.ب)

رغم الانتكاسات الميدانية التي منيت بها المعارضة السورية المسلحة في الأيام الأخيرة في «عرينها» الحلبي الذي تكاد تخسره تماما، فإنها ترفض الخضوع أو الانحناء، هذا ما أكده أمس، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب بعد اجتماعه والوفد الذي يرافقه لنحو ثلاثة أرباع الساعة بالرئيس الفرنسي ومعاونيه في قصر الإليزيه.
وقال حجاب، مشيرا إلى التطورات الميدانية في الأحياء الشرقية لحلب، إنه «إذا حقق النظام بعض التقدم فهذا لا يعني أننا سنساوم أو نتنازل عن حقوق الشعب السوري وعن ثوابت الثورة».
واغتنم حجاب المناسبة لتوضيح موقف الهيئة بعد تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت التي أثارت لغطا الذي بإعلانه السبت الماضي عقب اجتماع دول «النواة الصلبة» العشر في باريس، أن المعارضة مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات «من غير شروط مسبقة». ولذا، فإن حجاب عاد ليؤكد أن الهيئة «ملتزمة العملية السياسية، وهي خيارها الاستراتيجي الأول»، ولكن في القرارات الدولية التي توفر «انتقالا سياسيا حقيقيا بحسب بيان جنيف (لعام 2012) والقرارين الدوليين رقم 2118 و2254»، وبالتالي فإن تنفيذ القرارات الدولية لا يمكن اعتباره فرض شروط مسبقة. ويريد حجاب من العملية السياسية أن تنقل سوريا من «الدولة المستبدة إلى الدولة العادلة»، مضيفا أنه «لا مكان للقتلة في المرحلة الانتقالية أو في مستقبل سوريا».
بيد أن العملية السياسية وفق مفهوم المعارضة ورئيس هيئتها التفاوضية تبدو اليوم أبعد ما يمكن عما يجري ميدانيا وخصوصا في حلب، حيث ترى باريس أن موسكو تراوغ وتكذب من خلال الحديث عن مفاوضات روسية - أميركية في جنيف وقبلها في أنقره «بين ممثلين عن المعارضة ودبلوماسيين روس». وتؤكد مصادر فرنسية أن الهدف المباشر الذي يسعى إليه النظام وحليفاه الروسي والإيراني هو السيطرة الكاملة على كافة حلب و«وضع العالم كله وفي مقدمته حلفاء المعارضة الغربيين والإقليميين أمام أمر واقع جديد». وخلاصة هذه المصادر أن المحادثات بحسب المفهوم الروسي كانت لـ«كسب الوقت والانتهاء من حلب ولو كان ذلك على الطريقة الشيشانية ومماثلا لما فعلته القوات الروسية في غروزني». واللافت أن أيرولت استخدم عبارات أقل ما يقال فيها إنها بعيدة عن اللغة الدبلوماسية، إذ اتهم صباح أمس موسكو، لدى وصوله إلى اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل، بأنها «تكذب»، مرددا العابرة ثلاث مرات. ورأى أيرولت أن روسيا تلجأ إلى استخدام «لغة مزدوجة» وإلى «الكذب الدائم»، إذ إنها، في جانب، تدعي التفاوض وفي جانب آخر تواصل «الحرب الشاملة الهادفة إلى إنقاذ نظام الأسد وإسقاط حلب». وأضاف أيرولت أن روسيا تدعي محاربة الإرهاب بينما تركز ضربتها على حلب فيما «داعش» تعيد فرض سيطرتها على تدمر.
يصح على باريس القول المأثور: العين بصيرة واليد قصيرة. وقد أشار الرئيس الفرنسي إلى ذلك بقوله إن بلاده مستمرة في التحرك والضغوط «بانتظار مجيء إدارة أميركية جديدة» للسعي بعدها من أجل حل سياسي. وفيما أصوات تسمع فرنسيا وأوروبيا وأميركيا تدعو إلى الانفتاح على نظام الأسد، فإن هولاند ما زال ثابتا على مواقفه وهو ما أكده مجددا أمس بحضور حجاب ووفده. وقال هولاند إن فرنسا «لم تغير أبدأ موقفها وكانت دائما إلى جانب (المعارضة) الديمقراطية وأدانت النظام دوما وممارساته واستخدامه السلاح الكيماوي وحاربت الإرهاب وتحملت مسؤولياتها على الصعيد العسكري في الحرب على (داعش) والتنظيمات الإرهابية الأخرى»، مضيفا أنها «لن تغير موقفها.. ولن نتخلى عنكم».
غير أن هذه التطمينات الفرنسية وقول هولاند إن باريس «تريد أن تكون للمعارضة كلمتها على الصعيدين العسكري والسياسي»، لن يغيرا من واقع الأمور شيئا، إذ إنها وممثلي الدول التسع الذين اجتمعوا في باريس نهاية الأسبوع الماضي «سلموا» بسقوط حلب كاملة بأيدي النظام، وتركيزهم اليوم على إنقاذ المدنيين عن طريق توفير الممرات الآمنة وإيصال المساعدات لمن بقي في الأحياء الشرقية. وإذا كانت الإدانة لما يجري في حلب «تحصيل حاصل»، فإن باريس تعتبر، وفق مصادرها، أن الدفع باتجاه العودة إلى طاولة المفاوضات هو «الرافعة» التي يمكن استخدامها من أجل «إنقاذ» المعارضة وإعادة إيقافها على قدميها، لأنها «ستكون قوية على طاولة المفاوضات، بينما هي ضعيفة ميدانيا».
ومنذ ما قبل الانتخابات الأميركية، حذرت باريس من «المرحلة الانتقالية» في واشنطن ومن سعي النظام وداعميه لتسخيرها لتحقيق أهداف عسكرية، يمكن لاحقا استثمارها على طاولة المفاوضات. ولذا، فالسؤال المطروح اليوم في باريس هو التالي: ما هي الأوراق التي يمكن استخدامها اليوم للضغط على النظام وداعميه، بعد أن تبين أن كل ما يقال عن الضغوط السياسية على موسكو وعن عزلتها في مجلس الأمن لم يفض إلى أي نتيجة إيجابية لا بل إن الوعود التي أطلقتها موسكو بقيت وعودا؟
في ظل الظروف السائدة واستبعاد أي تغير في المواقف والسياسات من شأنه «قلب الموقف عسكريا»، تعتبر باريس أن ورقة إعادة الإعمار هي أقوى أوراق الضغط، منطلقة من مبدأ أن الحرب ستتوقف يوما ما وستكون سوريا بحاجة إلى إعادة إعمار ما تهدم. والحال أن هذه العملية تحتاج إلى عشرات لا بل مئات المليارات، وأن موسكو أو طهران غير قادرتين على توفير هذه الأموال. ولذا، فإن باريس ترفض أن تكون مساهمتها ومساهمة دول الاتحاد الأوروبي مسخّرة لتوطيد ركائز النظام أو خدمة الأسد، وتربط ذلك بحصول عملية انتقال سياسية حقيقية التي وحدها ستكون قادرة على وضع حد للحرب في سوريا. وكان الوزير أيرولت واضحا في هذا الشأن في ختام اجتماع السبت الفائت في مقر وزارته.
هل ستكفي هذه الورقة؟ الجواب هو بالطبع سلبي، باعتبار أن ما يهم النظام وداعميه في المرحلة الحالية ليس إعادة الإعمار، بل القضاء على المعارضة وتوطيد ركائزه. أما إعادة الإعمار فسيكون لكل حادث حديث.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.