ترامب و«تويتر»... «خبطات صحافية» وجدل حول تغريدات مبهمة

خبراء أميركيون: معاملة أقواله كأنها تصريحات رسمية لأي زعيم سياسي في العالم

ترامب و«تويتر»... «خبطات صحافية» وجدل حول تغريدات مبهمة
TT

ترامب و«تويتر»... «خبطات صحافية» وجدل حول تغريدات مبهمة

ترامب و«تويتر»... «خبطات صحافية» وجدل حول تغريدات مبهمة

ظهر الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يوم الاثنين الماضي، في برنامج «توداي» (اليوم) الصباحي الذي يقدمه تلفزيون «إن بي سي»، وذلك بمناسبة اختياره «رجل العام» في غلاف مجلة «تايم». خلال الحملة الانتخابية، هاجم ترامب المجلة، لأنها كانت نشرت على غلافها رسما لرأسه وقد ذاب جزء منه (انخفضت شعبيته في ذلك الوقت). هذا جزء من الحوار بينه وبين المذيع:
* المذيع: ما رأيك، الآن، في «تايم»؟
- ترامب: واحدة من أكثر المجلات الأميركية احترامًا.
* المذيع: واختارتك «رجل العام»!
- ترامب: هذا شرف لي.
* المذيع: شتمَت، في تغريداتك في «تويتر» مجلة «تايم»، وشتمت دولاً، وشتمت أشخاصًا. لكن، ستكون الرئيس بعد شهر. لماذا تستمر في شتم الناس في «تويتر»؟
- ترامب: لا أشتم أي شخص. فقط أقول رأيي.
* المذيع (إحراجًا): لماذا لا تتوقف عن التغريد اليوم؟
هنا، قال ترامب ما يمكن أن يُسمى «ثورة تاريخية» في العلاقة بين الرئيس الأميركي (وبقية كبار السياسيين الأميركيين) والصحافيين في أميركا (ربما في كل دول العالم). قال: «وجدت أن (تويتر) يربطني مباشرة بالناس. وجدت أنني لا أحتاج لمؤتمرات صحافية، وتعقيدات بروتوكولية».
في الأسبوع الماضي، سألت صحيفة «نيويورك تايمز» سؤالين:
الأول: «هل ستكون تغريدات ترامب مصدر الأخبار للبيت الأبيض؟»
الثاني: «كيف يغطي الصحافيون تغريدات ترامب المستفزة، والمثيرة للجدل، والمبهمة، في كثير من الأحيان؟».
وأجابت الصحيفة، باسم «كثير من المحررين السياسيين الأميركيين» أنهم «خططوا للاستمرار في معاملة تغريدات ترامب كأنها تصريحات رسمية لأي زعيم سياسي في العالم» (بل كأنها «خبطات صحافية»، صانعة سبقا صحافيا».
لكن، قالت كاري بروان، رئيسة تحرير صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، إن ما يفعل ترامب «ليس مثاليًا»، ولهذا، «يجب أن نعامل تغريدات ترامب مثلما نعامل الإشاعات والأخبار غير المؤكدة. يجب وضع كثير من التفسيرات عنها قبل نشرها كأخبار».
وقدمت الأسباب الآتية:
أولاً: كانت قرارات الرؤساء الأميركيين «دائما تحمل تبعات دولية، بشكل أو آخر».
ثانيا: تسبب تغريدات ترامب ارتباكا بسبب «طريقته المبهمة في الحديث عن كثير من المواضيع».
ثالثا: يستبق ترامب البيانات والتصريحات الرسمية للبيت الأبيض، ولوزارة الخارجية، وللبنتاغون، وغيرها من المؤسسات الحكومية.
وقال المؤرخ الأميركي فريد كابلان: «يجب تجاهل تغريدات ترامب، بسبب الارتباك الذي تخلقه، وبسبب استفزازها للصحافيين خاصة، ولكل الأميركيين عامة».
وقال جاك شيفر، كاتب عمود في صحيفة «نيويورك تايمز»: «قبل يناير (كانون الثاني) المقبل (موعد تنصيب الرئيس المنتخب)، لا بد ألا يعتمد ترامب على (تويتر) كثيرا».
وقالت ناشرة ورئيس تحرير مجلة «نيشن» (الأمة) التقدمية، كاترينا هوفل: «يجب توقف الإعلام عن التغطية الزائدة عن اللزوم لتغريدات ترامب. إنها تشتت، وتشوه، وتضعف من قيمة المواضيع المطروحة للنقاش».
وقال وزير الخارجية جون كيري إنه يفضل أن يحصل فريق ترامب الانتقالي على توصيات الخارجية قبل الاتصال بزعماء أجانب، «لكنه لم يفعل ذلك بعد»، و«لم يتصلوا بنا قبل أي من هذه المحادثات»، وأضاف: «يفيد، دائمًا، سؤال الذين يديرون العمل، والذين يعملون منذ فترة طويلة في أماكن عملهم».
لكن، قالت هوب هيكس، المتحدثة باسم ترامب، كما كان قال ترامب في مقابلة تلفزيون «إن بي سي»، إنه سيستمر في الاعتماد على «تويتر» لأنه «يريد أن يعبر عن آرائه مباشرة للشعب الأميركي».
لكن، حقيقة، تسبب بعض تغريدات ترامب عواصف. مثل اتهامين وجههما إلى الصين:
الأول: تخفض سعر عملتها لتخفض سعر صادراتها، ولزيادة منافستها للشركات الأميركية.
الثاني: تبني مجمعًا عسكريًا ضخمًا في بحر الصين الجنوبي (شمال الفلبين، شرق فيتنام).
وحدث توتر آخر، عندما تلقى ترامب تهنئة تلفونية من رئيسة جمهورية تايوان، تساي إينج وين.
لكن، لا يأبه ترامب.
حسب تقديرات مواقع إحصائيات الإنترنت، يتابع ترامب 20 مليون متابع تقريبًا في «تويتر»، و15 مليون معجب تقريبًا في «فيسبوك»، و4 ملايين متابع تقريبا في «إنستغرام». يعرف ترامب ذلك، ويبالغ في الأرقام. ويعرف أهمية مواقع التواصل الاجتماعي.
في الحقيقة، لا يختلف اثنان في الزيادات العملاقة في نشاطات هذه المواقع. مثلا:
غردت 75 مليون تغريدة تقريبا يوم إعلان فوز ترامب (قبل 4 أعوام، كان العدد 31 مليون تغريدة). وناقش 115 مليون شخص تقريبا نتائج الانتخابات في «فيسبوك».
وتسببت المناظرة الرئاسية التلفزيونية الثانية بين كلينتون وترامب في أكثر من 92 مليون تفاعل بواسطة 20 مليون شخص تقريبًا.
ربما لهذا، فشلت كثير من وسائل الإعلام التقليدية في توقع فوز ترامب. مثلاً: اعتذرت مجلة «ايكونومست» لقرائها عن سوء تقديرها. وسحبت مجلة «نيوزويك» نسخًا وضعت صورة كلينتون على صفحتها بأنها الرئيسة المقبلة. لكن، خطورة تغريدات ترامب تظهر في حالات دولية، وفي حالات شخصية.
من الصين، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية بعض ردود الفعل:
كتبت صحيفة «غلوبال تايمز» المقربة من الحزب الشيوعي: «تخبئ تغريدات ترامب نياته الحقيقية: التعامل مع الصين باعتبارها لقمة سائغة. ونهب دول أخرى لضمان الازدهار للولايات المتحدة».
وكتبت «غلوبال تايمز»: «ليست لديه الموارد الكافية للتلاعب بالصين على هواه. بكين سترد في حال التعدي على مصالحها».
وكتبت صحيفة «تشاينا ديلي»: «يحتاج عديم الخبرة هذا إلى دروس مكثفة في السياسة».
ودعت صحيفة «الشعب» إلى عدم التعامل معه لأنه «جاهل» أو «ساذج» أو «الاثنان معًا».
لكن، تظهر خطورة تغريدات ترامب في حالات شخصية أيضًا:
ردت واحدة على تغريدة طرد الأجانب غير القانونيين: «آمل أن يرحل ترامب صديقي السابق القادم من جمهورية الدومينيكان، والمقيم بصورة غير قانونية».
وكتبت أخرى، بسخرية: «أرجوك يا ترامب لا ترحل صديقي السابق سيرجيو المقيم في مدينة ديفي في فلوريدا الشقة رقم..».
لهذا، أعلنت جامعات أنها ستتحول إلى مراكز إيواء مثل هؤلاء. وقالت بلديات مدن كبيرة، مثل: نيويورك ولوس أنجليس، إنها ستحمي هؤلاء في مواجهة ترامب.
يزيد من خطورة تغريدات ترامب زيادة أهمية التواصل الاجتماعي في الإنترنت. وخصوصًا أهمية «الهاشتاغات» (مجموعات المواضيع).
كشف «تويتر» نفسه قائمة أكثر 10 هاشتاغات خلال هذا العام: «أولمبياد ريو دي جانيرو» في المقدمة، ثم «الانتخابات الأميركية»، ثم لعبة «غو بوكيمون» (حُمِّلت أكثر من 500 مليون مرة)، ثم «بطولة كرة القدم الأوروبية»، ثم «جوائز أوسكار»، ثم «انسحاب بريطانيا من المجموعة الأوروبية»، ثم حركة «حياة السود مهمة»، ثم «ترامب».. لكن، طبعًا، لا تؤثر كل هذه على مصير العالم مثلما يؤثر ترامب.



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.