عندما تلقى الجناح الأيمن الشاب أوليفر بوركي الاستدعاء من المنتخب الإنجليزي، لم يكن لديه سوى رد واحد، وهو أنه يعد لظهوره الأول مع المنتخب الاسكوتلندي. كان الاتحاد الاسكوتلندي لكرة القدم سبّاقا في اتصاله، قبل أن يتلقى نفس الاتصال من الاتحاد الإنجليزي، ليجد اللاعب نفسه أمام بلدين تخطبان وده.
حجة الإنجليز كانت قانونية ومشروعة، حيث ولد بوركي ببلدة كركالدي الاسكوتلندية لكنه انتقل إلى بلدة ميلتون موبراي برفقة والدته الإنجليزية عندما كان رضيعا، لكن الحصان انطلق وانضم اللاعب للمنتخب الاسكوتلندي الذي يقوده جوردون ستراتشان، وشارك في لقاء اسكوتلندا والدنمارك قبيل نهايته، والذي انتهى لصالح فريقه بنتيجة 1 – صفر.
فيما أوضح بوركي قائلا: «لم يكن هناك شيء مباشر لكن عندما شاركت مع الفريق الأول للمرة الأولى شعرت بأنهم لا يريدون لي اللعب مع المنتخب الاسكوتلندي»، مضيفا: «كنت أشعر أنني (...)، لكن هذا مستحيل أن يتم. لن أتغير، من يفعل هذا؟ فإنا أعشق اللعب للمنتخب الاسكوتلندي، فهي بلادي التي ولدت فيها، وكل مرة أضع فيها شارة المنتخب، أشعر أن حلمي قد تحقق. لكن أبدا، فهذا لن يحدث مطلقا أن ألعب لغير اسكوتلندا».
كان هذا في مارس (آذار) الماضي، ولم يكن خيال أحد منا، مهما جال بعيدا، أن يتوقع رؤية بوركي يتدرب بأحد أرقى مراكز التدريب بولاية ساكسونيا الألمانية بعد ذلك بستة شهور فقط. والآن مرت ثلاثة أشهر على انتقال الجناح الصغير من نادي نوتنغهام فورست إلى نادي آر بي لايبزيغ مقابل 13 مليون جنيه إسترليني في صفقة هي الأغلى للاعب اسكوتلندي على الإطلاق. وإذا كانت لا تزال هناك بعض الشكوك حول انتماء اللاعب وقناعاته والمنتخب الذي يفضل تمثيله، فلنفكر قليلا في اختياره لناد لم يتعد عمره سبع سنوات بولاية ألمانية، وفي أنه فضّل هذا النادي عن عروض أكبر تلقاها من أندية بالدوري الإنجليزي الممتاز.
قال بوركي: «انظر فقط إلى تشيلسي وإلى كم المواهب بهذا النادي، لكن معظمهم خرج من النادي على سبيل الإعارة ولم يستفد ناديهم منهم»، محذرا من أمر ركز عليه خلال اللقاء، فوفق بوركي: «لا تشعر أن النادي يريدك عندما توقع معه عقدا مقابل مبلغ كبير، وفجأة وبعد جلستين تدريبيتين تجد أنهم أحضروا لاعبا آخر بضعف المبلغ الذي تقاضيته. حينها تفكر، لماذا يجعلونني ألعب في حين أنهم أحضروا لاعبا آخر بخبرة أكبر وفي نفس المركز ولديه سيرة ذاتية أكبر؟ بالنسبة لي، الأمر محير».
على الرغم من عدم تكرار هذا الأمر كثيرا، فإن بوركي الذي سيكمل عامه العشرين في أبريل (نيسان) المقبل، أكد على «الحب والاهتمام» اللذين وجدهما في النادي الذي بذل أقصى ما في وسعه لإقناعه بالانضمام لصفوفه، رغم أن كثيرا من الأصدقاء تعجبوا وجاء رد فعلهم باهتا عند سماعهم لاسم النادي. أضاف بوركي في وصفه لرحلته إلى ألمانيا عقب آخر مباريات فريقه الموسم الماضي مع نادي فورست في 27 أغسطس (آب): «وجدت في هذا النادي كل ما تمنيت، فقد ارتسمت الابتسامة على وجهي عندما نظرت للنادي لأول مرة». وافق نادي لايبزيغ على السعر المطلوب، لكن نادي توتنهام كان قد تحدث أيضا مع بوركي، وكذلك نادي مانشستر يونايتد وكلاهما كانا مهتمين بضم اللاعب بجانب عدد من الأندية الأخرى. وكان رالف هاسنهوتل، مدرب فريق لايبزيغ، ورالف رانغنيك، مدير النشاط الرياضي بالنادي، قد توجها إلى نوتنغهام قبل غيرهم وأثمر حديثهما عن إمكانات ومستقبل ناديهم في إقناع بوركي بأنه ليست هناك حاجة للتفكير في نادي داخل البلاد.
مقارنا بين العرض الألماني وغيره من عروض الدوري الإنجليزي في ضوء المعلومات التي تلقاها عن دوره الجديد بنادي ليزبيغ، والجوانب التي لا تزال تحتاج إلى الصقل والتطوير في أدائه، قال بوركي: «لم أجد دفئا مماثلا من الأندية الأخرى بالشكل الذي يعكس رغبتهم القوية في ضمي، وبالشكل الذي يؤكد أنني سألعب».
قد تشير وجهة اللاعب الجديدة إلى عدم إدراك دوري الدرجة الأولى «تشامبيونشيب» للمواهب الشابة التي يضمها، وربما جاءت تلك الخطوة بمثابة الحجر الذي ألقي في المياه الراكدة لتلفت نظر الأندية الإنجليزية إلى أنها بالفعل تمتلك أفضل المواهب الشابة. فالثقة المتبادلة التي وجدت بين بوركي ونادي لايبزيغ ولدت في الشهر الأول للقائهما، وجاءت مشاركته بعد عشرين دقيقة من أول ظهور له على مقعد البدلاء أمام بروسيا دورتموند بعد أن حل بديلا لزميله الغيني نابي كيتا في أول انتصارات الفريق في الدوري الألماني. وبعد ذلك بأسبوعين سجل بوركي هدف التعادل أمام فريق كولونيا ليشعر اللاعب بأنه قد ثبت أقدامه بالفريق الجديد بعد أن سجل هدفين أمام ليدز يونايتد في آخر مشاركة له مع نادي نوتنغهام فورست.
أضاف بوركي: «عندما ألعب الكرة، لا أفكر في أي شيء سواها، فهي تفرغ عقلي من أي شيء آخر، لكنني بالتأكيد كنت عاطفيا بعض الشيء؛ لأنني قضيت الفترة السابقة من حياتي بفريق نوتنغهام فورست، وكنت أعلم أنه لا بد أن يأتي الوقت الذي أغادر فيه النادي، وأن شيئا ما سيحدث، وعلمت أنني سأتوجه إلى ألمانيا للانضمام لنادي لايبزيغ، ولم أقاوم العرض».
استمر بوركي في صفوف نوتنغهام فورست منذ كان طفلا صغيرا عام 2005، وكان أول ظهور له عام 2014، وانضم للفريق الأول الموسم الماضي قبل أن تتفجر مواهبه الموسم الحالي تحت قيادة الفرنسي فيليب مونتانييه مدرب نوتنغهام فورست، عندما سجل أربعة أهداف، واستطاع أن يظهر قدراته في السرعة والقوة واللياقة البدنية بفريق يقدم كرة ممتعة لكن تنقصه الخبرة. الصداقة كانت قوية، والذكريات السعيدة كثيرة، لكن الرحيل كان يجب أن يتم بشكل أفضل، حيث يشعر بوركي بأن الأمور كان يمكن أن تتم بلمسات نهائية أفضل.
فبحسب تعبيره: «لكي أكون أمينا، لم أشعر أنهم كانوا حقا يريدون بقائي، ولم أشعر أنني كنت أشكل أولوية بالنسبة لهم، وأحسست أنهم سعداء بالحصول على المال مقابل رحيلي. فقد قال كثيرون إن وكيل أعمالي، كريغ ماثير، قد دفع باتجاه إنهاء الصفقة من أجل المال، لكن في الحقيقة لم يكن هناك ضغط كبير لإقناع النادي بالتخلي عني، فقد قبل فورست كل شيء وضع على طاولته، حتى من الأندية الأخرى. من جانبي، كنت أعلم أن هذا هو الوقت الصحيح للرحيل عن النادي، وهو ما حدث».
«اعتقدت أن أحدهم في نوتنغهام فورست سيأخذني جانبا ليقول: انظر، هذا ما يحدث، ثم يتحدث معي قليلا. لم أعلم كثيرا عن الصفقة، وكان من الأفضل لي ألا أعلم كثيرا مما يدور لكي أركز في كرة القدم. فما فعلوه لاحقا هو أنهم وافقوا على كل شيء مقابل مبلغ محدد، وفي النهاية لم يكن اتخاذ القرار صعبا». سواء كان أسلوب نادي فورست صحيحا أم لا، فسلوكهم مسؤولية مالك النادي، الكويتي فواز الحساوي، الذي قضى جزءا من الصيف في محاولة بيع النادي لرجل الأعمال اليوناني إيفانجيلوس ماريناكيس.
استبدل بوركي بيئته القديمة بأخرى تتمتع إدارتها بقدر من الأمان، حتى وإن كان نادي لايبزيغ الذي يعد أكثر الأندية المشاكسة في ألمانيا لسنوات كثيرة. فصعوده لدوري الدرجة الأولى في ألمانيا – من خلال الدعم المالي الذي تلقاه من شركة «ريد بول» - لقي كثيرا من الاعتراضات، إذ إن تأخير بداية مباراتهم الأخيرة بمدينة كولونيا لنحو 15 دقيقة جاء بسبب قيام نحو 100 مشجع من جماهير كولونيا بمنع وصول حافلة فريق لايبزيغ، مما يوحي بأن مشكلات الفريق لم تنته. ويشير وضع النادي إلى صحوته الكبيرة وانعكاسات ذلك على جماهيره مؤخرا في مدينة اعتادت استضافة فرق كرة القدم الأوروبية في مواجهة لوكوموتيف لايبزيغ (لوكوموتيف لايبزيغ يلعب حاليًا في أدنى الدرجات - الدوري الشمالي الشرقي - وهو ناد من ألمانيا الشرقية سابقًا وحل وصيفًا في كأس الكؤوس الأوروبية في عام 1987، ولا علاقة له بفريق آر بي لايبزيغ).
أفاد بوركي: «توجهت للتدريب في يومي الأول، واعتقدت أن هؤلاء اللاعبين يشبهون لاعبي فورست تحت 16 سنة»، معلقا على الفريق الأول لناديه الجديد الذي لا يتعدى متوسط أعمار لاعبيه 23 عاما ونصف، مضيفا: «ثم بدأنا اللعب، وكان المستوى جيدا والجميع كانوا رائعين فنيا لأن الدوري الألماني لا يقبل بأقل من ذلك».
يمتلك بوركي تلك المقومات التي يحتاجها الدوري الألماني، والقوة التي تحتاجها المسابقة تناسبه تماما، لكن ما يميزه عن غيره هو القدرات البدنية النادرة، التي عاني كثيرا مدافعو دوري الدرجة الأولي في إنجلترا لإيقافها في الأسابيع الأولي للدوري هناك.
ففي سن الثالثة عشرة، كان بمقدور بوركي الركض لمسافة 100 متر في 11 ثانية، ولم تتراجع سرعته على الرغم من مشكلات في الركبة ألمت به قبل بلوغ سن العشرين بقليل، وهذا تقريبا ما أدى إلى رحيله عن نادي نوتنغهام فورست. ورغم أنه لم يجرب نفسه في مضمار الملعب بناديه الألماني الذي يبلغ طوله 50 مترا والذي يوجد خلف مركز تدريب لايبزيغ، فإن أي شخص يلحظ طوله البالغ 6 أقدام وبوصتين، يستطيع أن يرى قوة بنيته.
فوفق اللاعب الشاب: «لن أقول إنني الفتى العملاق الذي يسير كالبارجة، لكن قوتي تلك ميزة كبيرة». ووصفه رانكنغ بأحد «قوى الطبيعة»، وقارنه آخرون بغاريث بيل وكريستيانو رونالدو. غير أنه بعد تمريرته الحاسمة أمام دورتموند، قال هاسنهوتل: «القرص الصلب (الهارد درايف) الخاص ببوركي فارغ عندما يتحرك من دون كرة»، وهي التهمة التي لا ينكرها اللاعب. فكثير من حصصه التدريبية شملت تمرينات في الضغط على الخصم عند فقدان الكرة، والجميع يتقبلون فكرة أنه سيحتاج بعض الوقت قبل أن يصبح أساسيا لمدة 90 دقيقة كاملة بالقوة التي يتطلبها لايبزيغ.
قد يكون ما يقال الآن دروسا يتعلم منها الآخرون بالخارج، فغالبا هناك إحساس بأن الأداء التقليدي في الدوري الإنجليزي بالنسبة لأحد نجوم الدوري الإنجليزي المرتقبين هو في الحقيقة وضع أشبه بالوجود داخل طاحونة للاعبين في مثل عمر بوركي. فذكاؤه ومظهره ودماثته تجعله يختلف كثيرا عن غيره من نفس جيله. ربما يجعلك هذا تتساءل لماذا؟ فبالنصيحة الصحيحة وبعض الفضول ستعرف أن الوجهة التي اتخذها بوركي ليست الطريق الذي يسلكه كثيرون في أغلب الأحيان.
قال بوركي: «لم أشعر بالسعادة كما أشعر بها في تلك اللحظة، ولم أندم على أنني اتخذت تلك الخطوة. لم أندم على أنني لم أذهب إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، فهو متاح أمامي (قالها مشددا على الكلمة الأخيرة) وجميع الفرق لا تزال هناك، أعتقد أنني في القمة هنا، قمة الدوريات في العالم. لماذا لا تقول إن هنا البريميرليغ الألماني (الدوري الإنجليزي الممتاز الألماني)، إن لم يكن أقوى؟». ولذلك فأي تفكير آخر يتعلق بالمنتخب الإنجليزي أو أي ناد بالدوري الإنجليزي لن يكون سوى تشتيت للذهن.
أوليفر بوركي: رفضت اللعب لإنجلترا لأنني أعشق اسكوتلندا
جناح لايبزيغ يؤكد أنه فضل الانضمام لفريق ألماني «شبه مغمور» على عروض تلقاها من أندية إنجليزية عريقة
أوليفر بوركي: رفضت اللعب لإنجلترا لأنني أعشق اسكوتلندا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة