تناشد السلطات الأفغانية الشيوخ من سكان إقليم نورستان النائي بشرق أفغانستان للمساعدة في الحد من انتشار أنصار تنظيم داعش في مزيد من الأراضي، وجاءت المبادرة مع سعي المقاتلين وأسرهم للبحث عن ملاذات آمنة جديدة بعد أن فرقتهم في الأشهر الأخيرة غارات جوية أميركية وأفغانية وعمليات برية تنفذها القوات الخاصة.
وترى السلطات الأفغانية الإقليم الجبلي كثيف الغابات الواقع على الحدود مع باكستان مكانا محتملا لقاعدة جديدة لجماعة منبثقة عن تنظيم داعش تأكدت رغبتها في إثارة التوترات الطافية هذا العام في سلسة هجمات كبيرة.
وتنشغل القوات المسلحة الأفغانية وقوات حلف شمال الأطلسي بالفعل في التعامل مع تمرد حركة طالبان في مختلف أرجاء البلاد، لذلك فإن احتمال انتشار تنظيم داعش أثار قلق السلطات والقوات الأميركية،
والتنظيم لا يوجد في أفغانستان حتى الآن سوى في إقليم ننجرهار بشرق البلاد إلى الجنوب من نورستان. واشتبك التنظيم هناك مع جماعات متشددة أخرى منها حركة طالبان التي ترفضه.
ويقول مسؤولون بالمخابرات الأفغانية إن الحملة المكثفة من الضربات الجوية والمداهمات التي شنتها قوات خاصة أفغانية وأميركية في الأشهر الأخيرة دفعت كذلك كثيرا من المسلحين للخروج من ننجرهار ودخول إقليم كونار المجاور على الحدود مع إقليم نورستان. ولمنعهم من التقدم شمالا قالت قوات الأمن إنها قدمت السلاح والذخيرة وإمدادات أخرى لقرى في نورستان، كما استعانت بالثقافة الخاصة بالإقليم في محاولة لخلق حاجز يمنع تغلغل الغرباء.
فعقد حافظ عبد القيوم حاكم الإقليم عدة اجتماعات مع الشيوخ الذين يتمتعون بنفوذ كبير في الإقليم حيث يضعف نفوذ الحكومة.
وخلال جولة قام بها في الفترة الأخيرة استغرقت ساعتين بالسيارة سار عبد القيوم على قدميه بضع مئات من الأمتار إلى مكان الاجتماع احتراما للتقاليد المحلية.
وهناك جلس مع الشيوخ كبارهم وصغارهم وكان كثير منهم يرتدون القبعات الصوفية التقليدية ويصبغون لحاهم الطويلة باللون البرتقالي وتناولوا وجبة من لحوم الماعز، وحث عبد القيوم مضيفيه على التصدي للخطر الجديد.
وقال عبد القيوم وهو نفسه من نورستان للشيوخ في منطقة واما قرب وادي بيش في إقليم كونار الذي استقر به المسلحون سواء كان طالبان أو «داعش» كلاهما مضلل ومدمر لقيمنا الدينية. وأضاف: «أشقائي، التصدي لهذا الخطر هو أولويتنا الأولى».
هذا التواصل ليس مستغربا في دولة تكون فيها كلمة الزعماء التقليديين أكثر تأثيرا من توجيهات الحكومة المركزية.
ولإقليم نورستان الذي يعني اسمه «أرض النور» باللغة الفارسية تاريخ من التصدي للغرباء ومنهم طالبان وتنظيم «القاعدة» عن طريق حرمانهم من الحصول على المواد الغذائية والمأوى والدخول في قتال معهم إذا لزم الأمر.
لكن قوات الأمن الأفغانية ترى تنظيم داعش باعتباره تهديدا جديدا لأنه باستهدافه الأقلية الشيعية يهدد ببدء تمرد خطير تقوده طالبان يكون من الصعب احتواؤه. وقتل أكثر من 30 شخصا الشهر الماضي في هجوم انتحاري أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه في مسجد للشيعة في كابل.
وينظر إلى إقليم نورستان باعتباره منطقة عازلة طبيعية بسبب ثقافته المتفردة وأراضيه الجبلية الوعرة وافتقاره للطرق الممهدة والكهرباء.
وكان الإقليم يعرف باسم كفرستان أو «أرض الكفار» قبل أن يعتنق سكانه الإسلام في القرن التاسع عشر ويعتمد اقتصاده جزئيا على المقايضة، كما أن لغات ولهجات سكانه لا صلة لها باللغتين الرئيسيتين في أفغانستان وهما البشتو والداري.
وجعل ذلك من الصعب على الحكومة المركزية مد سيطرتها على الإقليم، ولا يتمركز به سوى بضعة آلاف من رجال الشرطة ووحدات الجيش المزودة بأسلحة خفيفة.
والنفوذ الحقيقي في إقليم نورستان يتمتع به مجلس الشورى وهو مجلس الشيوخ المحلي.
وقال مسؤول حكومي بارز في بارون عاصمة الإقليم عن أعضاء المجلس: «إذا قالوا لأحد مت فيموت. هذه هي قوة نفوذ المجلس». ويعتقد المسؤولون الأمنيون أنهم إذا أفلحوا في إقناع الشيوخ بعدم السماح لأفراد «داعش» بالاستقرار في الإقليم فإن فرصهم ستكون أفضل في منع مقاتليهم من العبور من وادي بيش؛ حيث يستقر كذلك أفراد طالبان و«القاعدة». ويقول المسؤولون إن مقاتلي «داعش» القادمين من دول مختلفة وجدوا مستقرا لهم في جزء من إقليم كونار الذي يضم منطقة تطلق عليها القوات الأميركية اسم «وادي الموت»، حيث خسرت القوات عشرات من جنودها. وتأكد وجود «القاعدة» في المنطقة في أكتوبر (تشرين الأول) عندما قتل «فاروق» أكبر قائد للتنظيم بالشرق في غارة جوية أميركية.
وحتى الآن يجري احتواء وجود تنظيم داعش الذي يوجد في منطقة تتنازع عليها جماعات متشددة أخرى وتم تحذير السكان المحليين من مساعدته. لكن هناك احتمالا أن يعزز ووجوده. وقال مسؤول في كونار طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مصرح له بالحديث للإعلام: «انتقلوا مع أسرهم قبل بضعة أشهر ولا يظهرون سوى في المساجد ولا يتجولون في المنطقة كثيرا». وأضاف يحاولون كسب تأييد محلي وتجنيد صبية صغار السن، وهو الأسلوب نفسه الذي اتبعوه عندما ظهروا في ننجرهار.
وتنفذ الولايات المتحدة عملية لمكافحة الإرهاب في أفغانستان تختلف عن مهمة التدريب التي تنفذها قوة الدعم الحازم بقيادة حلف شمال الأطلسي. وتصف الولايات المتحدة تنظيم داعش هناك بأنه ناشئ فيما يتعلق بشن العمليات، قادر على إصدار أوامر بشن هجمات كبيرة دموية على أهداف مدنية لكنه يمثل تهديدا عسكريا محدودا. وأصابته الغارات المنتظمة بطائرات من دون طيار وعمليات القوات الخاصة بضربات موجعة هذا العام. وقال الجنرال جون نيكلسون قائد القوات الأميركية في أفغانستان إن الدولة الإسلامية تكبدت خسائر بشرية فادحة فقتل 12 من كبار قادتها ودمرت أكثر من عشرين من منشآت القيادة والتحكم التابعة لها. وبعد أن كان موجودا في تسع مناطق لم يعد له وجود الآن سوى في ثلاث مناطق. لكن المسؤولين الأفغان يخشون من جماعة منبثقة عن «داعش» يقولون إنها تشكلت جزئيا من متطرفين من باكستان المجاورة يعتقدون أنها قد تكبر مع إخراج مقاتلين من العراق وسوريا. ورغم أن نورستان ظل إقليما مسالما على مر التاريخ يدور القتال منذ أسابيع في إحدى مناطقه، حيث يتصدى القرويون ورجال الشرطة لهجمات طالبان.
ويخشى المسؤولون أن يمكن مناخ التوتر الجماعات المتشددة من ترسيخ نفسها في مناطق كانت ستطرد منها في الأوضاع العادية. ويشعر المسؤولون الأفغان كذلك بالقلق من أن تدفع الانتماءات الدينية بعض الناس في نورستان لمساعدة مقاتلي «داعش» بتقديم المأوى والمأكل لهم. وفي منطقة واما أغلب السكان من السلفيين ويعتنق أفراد طالبان المذهب الحنفي السني.
وحتى الآن يسارع السكان المحليون لطمأنة المسؤولين الزائرين بأن مثل هذه الروابط لن تؤثر عليهم وربما يكونون مدركين أن وجود مقاتلين من «داعش» من المرجح أن يقود إلى عمليات جوية وبرية تنفذها قوات أفغانية وغربية. وقال الشيخ جول محمد من الشخصيات العشائرية البارزة: «هنا لا مكان لمقاتلي طالبان أو (داعش) لا نريد دمارا وبؤسا لشعبنا».
الحكومة الأفغانية تستميل مشايخ نورستان ضد «داعش»
مع سعي المسلحين للبحث عن ملاذات آمنة بعد أن فرقتهم الغارات الأميركية
الحكومة الأفغانية تستميل مشايخ نورستان ضد «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة