غرينتش جارة لندن القديمة

معلم ومعلومة

غرينتش جارة لندن القديمة
TT

غرينتش جارة لندن القديمة

غرينتش جارة لندن القديمة

على بعد قرابة ثلاثة أميال إلى الجنوب والشرق من وسط لندن تقع غرينتش، وهي واحدة من «القرى» السابقة التي كانت تجاور مدينة لندن القديمة في العصور الوسطى. وتتميز غرينتش بتاريخ ثري، وتضم الكثير من المعالم التاريخية، بجانب ضواحٍ سكنية جذابة.
في القرن الـ16 عاش الملك هنري الثامن في قصر داخل غرينتش، لكن بمرور السنوات تردت أوضاع القصر حتى جرت إزالته نهاية الأمر في القرن الـ17. وعلى بعد ميل واحد إلى الغرب من غرينتش، كان يوجد حوض ديبفورد المهم لبناء السفن، حيث جرى بناء الأسطول الملكي وأبقى على بعض سفنه هناك. في القرن الـ17، بنى الملك تشارلز الأول منزلاً ريفيًا رائعًا من الحجر في غرينتش من أجل الملكة. وحتى يومنا هذا، لا يزال المنزل يعرف باسم «منزل الملكة»، ومفتوحا أمام الجمهور. وعلى مسيرة خمس دقائق من قلب غرينتش، توجد «غرينتش بارك» الممتدة على مساحة 73 هكتارا. عام 1685، أنشئ «المرصد الملكي» فوق قمة تل في غرينتش بارك. وأمام «المرصد الملكي»، يمر «خط غرينتش»، خط افتراضي لحساب التوقيت يقسم الأرض إلى نصفين شرقي وغربي. على ضفة النهر، توجد مجموعة رائعة من المباني، التي يعود تاريخها الأصلي إلى عامي 1695 و1712، وتشكل في مجموعها مستشفى غرينتش لذوي الاحتياجات الخاصة. كانت المباني قد أغلقت عام 1869، ثم جرى استغلالها لاحقًا كلية للأسطول الملكي لتدريب الضباط الملتحقين بالأسطول.
أما اليوم، فيجري استخدام المباني في مجموعة متنوعة من الأغراض، منها مقر لـ«ترينيتي كوليدج للموسيقى». ومن بين الأماكن الأخرى التي تجدر زيارتها في غرينتش قاعة الاحتفالات السابقة داخل كلية الأسطول الملكي، وهي مفتوحة أمام الجمهور مجانًا، وربما تتميز أروع الأسقف المزخرفة على مستوى إنجلترا بأكملها.
اليوم، من السهل الوصول إلى غرينتش بالقطار من محطتي تشيرينغ كروس ولندن بريدج (تقريبًا 15 دقيقة) أو من خدمة سكك حديد «دوكلاند لايت» من بانك وكاناري ووارف. ومن الممكن بطبيعة الحال زيارة غرينتش بالسيارة، لكن المساحات المخصصة لانتظار السيارات محدودة وباهظة التكلفة؛ لذا فإنه من الأفضل السفر باستخدام وسائل نقل عامة. ومن أفضل الطرق للوصول إلى غرينتش عبر خدمات النقل النهري باستخدام القوارب، التي تنطلق من وستمنستر وتتوقف عند نقاط متنوعة على امتداد الطريق، بما في ذلك برج لندن وكاناري وورف. ولا شك أن المرور أسفل جسر لندن داخل قارب يعد تجربة لا تنسى.
ويوجد مرفأ قوارب النقل النهري أمام معلم آخر من المعالم السياحية في غرينتش، «ذي كتي ستارك»، سفينة سريعة كانت تستخدم سابقًا لنقل الشاي. يرجع تاريخ بناء السفينة إلى عام 1869 في غلاسغو وتتميز بثلاثة صوارٍ. وجرى تصميم السفينة بهدف نقل صادرات الشاي من الصين إلى إنجلترا بأسرع وقت ممكن. وكانت السفينة الأولى التي تعود إلى إنجلترا في الموسم الجديد بشحنة الشاي تحقق السعر الأعلى؛ لهذا كان للسرعة أهمية كبيرة. وبالفعل، كانت «ذي كتي ستارك» بمثابة «مازيراتي» السفن آنذاك، والآن، متاح للجمهور زيارتها ومشاهدتها من الداخل.
من بين المعالم الجذابة الأخرى السوق القديمة المغطاة بقلب غرينتش، التي تعد نسخة أصغر من منطقة التسوق الشهيرة كوفنت غاردن بقلب لندن.
بوجه عام، تبدو غرينتش مكانًا لطيفًا وسهل الوصول إليه، خصوصا مع قربها من وسط لندن، وما تتميز به من متنزه فسيح وإطلالة رائعة على النهر ومنازل عتيقة ضخمة ومميزة تنتمي إلى القرن الـ18. وتصلح غرينتش لرحلات الأسرية، بجانب كونها مكانًا جذابا ثقافيًا من الممتع زيارته في الصيف والشتاء على حد سواء.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».