المالديف.. جزر ليست بحاجة إلى تأشيرة

يغمرها دفء المحيط الهندي وتسورها الشعاب المرجانية

وجهة الراحة والاستجمام
وجهة الراحة والاستجمام
TT

المالديف.. جزر ليست بحاجة إلى تأشيرة

وجهة الراحة والاستجمام
وجهة الراحة والاستجمام

السفر إلى جزر المالديف التي تقع في المحيط الهندي جنوب شرقي الهند يستغرق نحو عشر ساعات من أوروبا، ولكنه يقل عن نصف هذا الزمن عند السفر من منطقة الخليج. وهي تعد من وجهات السياحة المفضلة شتاء، لأنها توفر الدفء في مناخ استوائي وبحيرات هادئة لسباحة الأطفال، وعالم بحري استوائي خلاب مليء بالشعاب المرجانية والأسماك الملونة التي يمكن استكشافها من فوق سطح الماء.
لم تكتشف جزر المالديف السياحة إلا في بداية السبعينات، فقد ظلت طوال تاريخها تعتمد على صيد الأسماك والزراعة. ولكن السياحة تمثل الآن نسبة 28 في المائة من دخلها القومي وأكثر من 60 في المائة من مصادر العملة الصعبة فيها. وتعتمد الحكومة في مصادر دخلها وبنسبة 90 في المائة على جمارك وضرائب متعلقة بالسياحة.
وتمثل السياحة مصدر الوظائف الرئيسي في المالديف منذ أن افتتح فيها أول منتجع في عام 1972، وكان اسمه قرية كرومبا، وتحول الاسم الآن إلى كرومبا المالديف. والآن بعد أربعة عقود تحولت السياحة إلى أكبر صناعة محلية، وأكبر مصدر للدخل.
وتعد المالديف أصغر دولة آسيوية من حيث المساحة والتعداد، وهي توفر 17 ألف سرير ويزورها سنويًا نحو 600 ألف سائح. وارتفع عدد المنتجعات فيها من اثنين إلى 29 بين عامي 1972 و2007، وزادت الآن إلى أكثر من مائة منتجع. ومنذ عام 2007 زار المالديف حتى الآن 8.3 مليون سائح.
ولا يحتاج السائح إلى المالديف إلى الحصول على تأشيرة دخول مسبقًا مهما كانت جنسيته ما دام معه جواز سفر صالح وتذكرة ذهاب وعودة ومبلغ من المال يكفيه خلال إقامته فيها. ويصل معظم الزوار إلى مطار مالي الدولي في جزيرة هولهولي. ويطير إلى هذا المطار مباشرة كثير من شركات الطيران الدولية، منها «طيران الإمارات» من دبي، و«القطرية» من الدوحة، و«طيران سنغافورة»، وشركة الطيران التركية من إسطنبول، و«الخطوط البريطانية» من لندن.
ولا تزيد مساحة المالديف عن 90 ألف كيلومتر مربع، وهي مكونة من عدة جزر ويبلغ عدد سكانها 394 ألف نسمة. وهي أيضًا من أكثر دول العالم انخفاضًا في سطح الأرض، حيث لا يفصلها عن مستوى المياه في المحيط إلا متر ونصف المتر في المتوسط. ولذلك فهي من أكثر الدول تأثرًا بخطر ارتفاع منسوب مياه البحار بفعل الانحباس الحراري. ومن أجل المساهمة في درء هذا الخطر، قررت حكومة المالديف أن تتحول البلاد إلى عدم استهلاك أي مواد كربونية بحلول عام 2019.
وترتبط جزر المالديف ثقافيًا وتاريخيًا بشبه القارة الهندية، وتحولت إلى الإسلام في القرن الثاني عشر، وأصبحت سلطنة لها علاقات قوية بالمنطقة العربية وأفريقيا. وطلبت المالديف الحماية البريطانية في عام 1887 ثم حصلت على استقلالها في عام 1965 وأصبحت جمهورية رئاسية مع مجلس منتخب في عام 1968. وهي الآن عضو في منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز. ويصنفها البنك الدولي ضمن الدول ذات الدخل المتوسط. وكانت المالديف عضوا في مجموعة الكومنولث البريطانية ولكنها انسحبت منها هذا العام بعد تلقيها انتقادات حول مسائل متعلقة بحقوق الإنسان والفساد.
وتعتمد المالديف تقليديا على صيد الأسماك، وهي ما زالت الصناعة الرئيسية في البلاد، تليها صناعة السياحة التي تتطور بسرعة. وهناك بعض الصناعات المحلية التي تتوجه في معظمها للاستهلاك المحلي.
وتاريخيًا زار الرحالة العربي ابن بطوطة جزر المالديف، وأطلق عليها اسم «محل دبيات»، كما وصل إليها البحارة العرب في القرون الوسطى، وأدخلوا الكثير من الألفاظ العربية والإسلامية إلى اللغة المحلية. ويعود أصل السكان إلى خليط من الهنود وأهل المالايا وسريلانكا.
ومرت جزر المالديف بمرحلة بوذية في القرون الميلادية الأولى ودخلها الإسلام في القرن الثاني عشر، وتم تسجيل ذلك في سطور محفورة على النحاس. وكتب الرحالة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر أن البحارة البربر تحت قيادة أبو بركات هم الذين نشروا الإسلام في الجزيرة. واستخدمت اللغة العربية في الإدارة تاريخيًا في جزر المالديف بدلا من الأوردو أو اللغة الفارسية.
واستخدم البحارة العرب من البصرة جزر المالديف نقطة استراحة في رحلاتهم التجارية إلى سريلانكا والهند. وكانت المالديف تستورد الأرز من التجار وتدفع لهم بعملات من الصدف والفضة والذهب. وامتدت تجارة المالديف في العصور الوسطى إلى اليمن غربًا والصين شرقًا. ووصف كل من تعامل مع أهل جزر المالديف بأنهم هادئو الطباع ويكرمون الضيف ويتمتعون بآداب عالية. وكانت صناعات الجزيرة تتنوع بين الأواني النحاسية والمفروشات والملابس القطنية وكانت تصدر من الجزيرة بعد استيراد المواد الخام اللازمة لها. وتميزت المالديف بإنتاج الحبال اللازمة لسفن البحارة من غزل قشر جوز الهند، التي تميزت بالمتانة ومقاومتها لمياه البحر المالحة. وكانت حبال المالديف تصدر إلى اليمن ودول الخليج.
ورغم الطقس الدافئ شتاء والسماء الصافية، فإن المالديف ليست بلا متاعب مناخية حيث ضربها في عام 2004 تسونامي بعد زلزال في المحيط الهندي نتج عنه تدمير عدد كبير من الجزر وفيضانات في 57 جزيرة. وتم إغلاق المنتجعات السياحية في 21 جزيرة أخرى بسبب الضرر الذي لحق ببنيتها التحتية. وقدرت الخسائر حينذاك بنحو 400 مليون دولار، أي بنسبة 62 في المائة من الناتج المحلي للجزر.
وما زالت المالديف تخشى من تبعات ارتفاع منسوب مياه البحر، ولذلك بدأت في عام 2008 في تكوين صندوق استثمار وطني بغرض شراء أراضٍ في دول أخرى ينتقل إليها أهل المالديف في المستقبل إذا ما غرقت بلادهم بفعل ارتفاع منسوب مياه البحر. وتتوجه المالديف إلى الهند وسريلانكا لأسباب ثقافية كما توجهت بالاستثمار إلى الأراضي الأسترالية أيضًا.
وتتكون المالديف من 1192 جزيرة في سلسلتين ويمر بجنوبها خط الاستواء. وتنتشر الشعاب المرجانية بين جزر المالديف وتمثل جزر المالديف قمم جبل مغمور في المحيط الهندي. وتعد معظم جزر المالديف محميات طبيعية وهي مقسمة إداريا إلى 31 محمية. وتنتشر الأمطار خلال فصلي الصيف والخريف وتبقى درجة الحرارة في الثلاثينات مئوية طوال شهور العام.
من الأقوال المأثورة لرئيس المالديف السابق محمد نشيد أنه لو توقف البث الكربوني في العالم اليوم، فإن العالم لن يشاهد أي تغيير مناخي لمدة سبعين عامًا، ولكن إذا استمر البث الكربوني بمعدلاته الحالية، فإن بلاده سوف تختفي من على الخريطة في غضون سبع سنوات.
وتقول مؤشرات التغيير المناخي إن الحد الأقصى لارتفاع منسوب البحر سوف يكون 59 سنتيمترًا بحلول عام 2100. ويعني هذا أن مائتي جزيرة مأهولة في المالديف حاليا سوف تكون تحت سطح الماء. ويخشى أهل المالديف من التحول إلى «لاجئين مناخ» في المستقبل.
ويستمتع سياح المالديف بأجمل المشاهد البحرية سواء فوق سطح الماء أو في الأعماق المليئة بالشعاب المرجانية و1100 فصيلة من الأسماك الملونة. وهناك أيضًا خمس فصائل من سلاحف البحر و21 فصيلة من الحيتان والدلافين و187 نوعا من المرجان بالإضافة إلى عشرات الأنواع من الأحياء البحرية الأخرى.
وتلتزم المالديف في قانونها بمبادئ الشريعة الإسلامية، وهي تتمتع بعلاقات وثيقة مع معظم الدول، وبصفة خاصة الهند وموريشيوس وجزر القمر، والأخيرة عضو أيضًا في منظمة التعاون الإسلامي.
* أكثر من مائة منتجع للاختيار منها في المالديف
* عندما بدأت السياحة في المالديف في السبعينات كان هناك منتجع واحد في جزيرة كرومبا، أما الآن فهناك نحو 105 منتجعات للاختيار منها، وهي موزعة على عدد كبير من الجزر. ويزداد سنويًا عدد السياح الذين يختارون المالديف لقضاء أسابيع من فصل الشتاء فيها.
وتسمح المالديف ببيع المشروبات الكحولية للسياح الأجانب رغم أنها تمنع بيعها محليًا كبلد إسلامي. ويمكن للسياح شراء هذه المشروبات في المنتجعات التي يقيمون فيها.
وتتمتع المالديف بشهرة جيدة بين السياح نظرا لجمالها الطبيعي وصفاء مياهها ونظافة شواطئها الرملية الناعمة. وتطلب المالديف تطعيمًا ضد الحمى الصفراء من السياح الوافدين من مناطق مصابة، ومعظمها في أفريقيا. ويحتاج الأوروبيون إلى تطعيم ضد التيفويد وهيباتايتاس إيه.
وما زالت المالديف غير معروفة نسبيًا إلى السياح العرب حيث أكثر الجنسيات زيارة لها تأتي من الصين وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والهند بالترتيب. وهي تركز على السياحة الفاخرة فئة الخمسة نجوم، ولذلك فهي تحقق عوائد جيدة من عدد محدود نسبيًا من السياح. ويتكون المنتجع التقليدي من فندق على جزيرته الخاصة مع قوة عمل مخصصة لخدمة النزلاء والعناية بالحدائق والجزيرة مع عدم وجود مساكن أو قرى لسكان محليين.
والمالديف من الدول البحرية القليلة التي تستطيع ذلك نظرًا لوجود أكثر من ألف جزيرة قابلة للتطوير السياحي. ولا تزيد مساحات هذه الجزر في المتوسط عن 800 متر طولا و200 متر عرضًا. وهي مكونة من الرمال والشعاب المرجانية إلى ارتفاع مترين فوق سطح الماء.
وبالإضافة إلى السواحل التي تحيط بالجزيرة هناك أيضًا الشعاب المرجانية الخاصة بها التي يغوص إليها السياح. كما تصلح المياه الضحلة التي تحيط بالجزيرة للسباحة ولعب الأطفال في أمان.
وتشمل المنتجعات مطاعم ومقاهي ومتاجر للهدايا وقاعات استراحة بالإضافة إلى تسهيلات سياحية مثل مدارس الغوص. وفي أحد أركان الجزيرة تتجمع خدمات الصيانة وإقامة الموظفين وتوليد الكهرباء. وتوفر معظم المنتجعات كثيرًا من الرياضات مثل تنس الطاولة والكرة الطائرة ودورات التدريب البدني والأيروبيكس.
وتتطور أخيرًا السياحة الشعبية حيث يقيم السياح في فنادق صغيرة في جزر مأهولة ويختلطون بالسكان. وهذا النوع يوفر دخلاً إضافيًا ووظائف لسكان المالديف مباشرة.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».