ارتأت القوى الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن هدف المسارعة لاستيعاب التصعيد العسكري الذي تنتهجه موسكو والنظام السوري في مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري، فرض موسكو ودمشق شروطهما في أي مفاوضات مقبلة لحل سياسي للأزمة المتمادية منذ عام 2011. وفي حين جددت كل من تركيا وألمانيا تمسكهما برحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد كـ«بوابة للحل»، لفت ما أوردته صحيفة «التايمز» البريطانية عن أن الاتحاد الأوروبي اقترح خلال لقاء مع قادة المعارضة قبل أسبوعين تقديم مساعدات مالية لكل الأطراف في سوريا بما فيها النظام في إطار الحل السياسي للصراع، وهو أمر نفته المعارضة نفيًا قاطعًا، متحدثة عن عدم امتلاك أوروبا رؤية واضحة للحل بعد.
الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حذرا أمس السبت من «وهم» تحقيق انتصار عسكري في مدينة حلب، مشددين على ضرورة إجراء مفاوضات تكفل مستقبلاً آمنًا لسوريا. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، خلال مؤتمر حول المتوسط في العاصمة الإيطالية روما مخاطبة رئيس النظام السوري بشار الأسد: «تستطيع أن تكسب حربًا لكنك قد تخسر السلام». وتساءلت موغيريني: «مَن لديه مصلحة في كسب حرب والحصول على جائزة تتمثل في بلد منقسم ومسلح ويضيق بالإرهابيين.. ومعزول على الساحة الدولية؟».
من جهته، قال موفد الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا خلال المؤتمر نفسه: «حان الوقت الآن للبدء بمفاوضات فعلية». وتوجه للأسد قائلاً: «اتصل بالأمم المتحدة لتقول: أنا مستعد لحكم انتقالي، ولمفاوضات فعلية».
ونبّه دي ميستورا من أن «الانتصار العسكري الذي ترتسم ملامحه في حلب قد يدفع الحكومة السورية إلى القول: لقد كسبنا الحرب ولم نعد نحتاج بالتالي إلى مفاوضات»، مضيفًا: «آمل ألا يحصل ذلك لأنه لن يحل شيئًا». وإذ جدد الموفد الدولي دعوة روسيا وإيران إلى استخدام «نفوذهما لإقناع دمشق بالتفاوض جديًا»، فإنه أشار إلى أن «البديل يمكن أن يكون نهاية الحرب، ولكن بداية حرب عصابات رهيبة من دون أي إعادة إعمار». وأكد دي ميستورا أن هذه المفاوضات ينبغي أن تشمل «تقاسمًا للسلطة»، ومحذرًا من أي تقسيم لسوريا.
وتطرق الموفد الدولي إلى سوريا لوعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بإلحاق «الهزيمة» بتنظيم داعش، وقال: «إذا كنتم تتحدثون عن إلحاق الهزيمة بـ(داعش) وليس التصدي له، فستحتاجون إلى حل سياسي شامل»، لافتًا إلى تجربتي العراق وليبيا، حيث لا يزال السلام بعيد المنال.
هذا، وتزامنت تصريحات موغيريني ودي ميستورا مع ما نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية عمّا قالت إنّه عرض قدّمه الاتحاد الأوروبي يقضي بـ«تقديم مال لنظام الأسد مقابل صفقة سلام في سوريا». وأوضحت الصحيفة أن مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قدمت مقترحات جديدة لقادة المعارضة السورية في اجتماع قبل أسبوعين، مع عرض بتقديم مساعدات واستثمارات كمقدمة لإرضاء جميع الأطراف. وبحسب التقرير الذي نشرته الصحيفة فإن تلك المقترحات تنسجم مع قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى «تحوّل سياسي» في سوريا، «خاصة وأن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا دعمت دائمًا إصرار المعارضة السورية على أن مصطلح (الانتقال السياسي) يعني إزالة الأسد من السلطة، إلا أن مناقشة التحديد الدقيق للانتقال تركت الآن إلى المستقبل».
وأشار التقرير إلى أن مقترحات الاتحاد الأوروبي تتضمن نقل السلطات إلى المحافظات السورية، الأمر الذي سيسمح لقوى «المعارضة المعتدلة» بالاندماج بالقوات الأمنية المحلية، مع الحفاظ على المؤسسات المركزية للدولة، ولكن تحت تنظيم أكثر ديمقراطية. ولم تذكر المقترحات شيئًا بشأن مستقبل الأسد.
وفي حين نفت مصادر في «هيئة التنسيق الوطني» السورية نفيًا قاطعًا أن تكون موغيريني قد قدّمت طرحًا مماثلاً لوفد الهيئة الذي التقاها أخيرًا، أوضحت المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المسؤولة بالاتحاد الأوروبي التقت 3 وفود من المعارضة هي إلى جانب وفد الهيئة، وفد من «الائتلاف الوطني»، ووفد الهيئة العليا للمفاوضات في اجتماع موحد، مؤكدة أنّه لم يُطرح خلاله تقديم أي أموال للتوصل لحل سياسي، بل جرى الحديث عن وجوب التأهب لعملية إعادة إعمار سوريا. وأضافت مصادر الهيئة: «تاريخنا يشهد بأننا لا نُشترى ولا نُباع ولا نقبض ثمنًا لقراراتنا ومواقفنا. لا نعلم إذا تم طرح شيء مماثل من تحت الطاولة على الوفدين الآخرين..».
من جهته، أشار هادي البحرة، الأمين السابق لـ«الائتلاف الوطني» المعارض، إلى أن الورقة التي قدمتها موغيريني «لا تتضمن رؤية للحل بل مجموعة من الآراء التي تم تجميعها، تقوم على إقامة نظام برلماني في سوريا مع تحديد صلاحياته»، نافيًا نفيًا قاطعا أن تكون تطرقت لأي عروض مالية. وقال البحرة لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه: «نحن كنا ولا نزال نتمسك ببيان جنيف لحل الأزمة، الذي يقول بعملية انتقالية لا يكون الأسد ولا الدائرة الضيقة حوله ولا الأطراف التي ارتكبت جرائم في سوريا جزءًا منها». واستبعد أصلا أن تكون الأرضية الحالية مهيأة لانطلاق مفاوضات جديدة «خاصة وأن كل الأطراف وخصوصًا موسكو والنظام يستفيدان من الفراغ الحاصل على صعيد السياسة الأميركية ومن مرحلة انتقال السلطة في واشنطن لتغيير الواقع الميداني في سوريا، وفرض شروطهما في مرحلة لاحقة».
على صعيد متصل، لفت يوم أمس تقاطع موقف وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان مع المواقف التي أطلقها أول من أمس كل من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير لجهة وجوب رحيل الأسد لحل الأزمة السورية. وفي هذا السياق، قال ليبرمان أثناء مشاركته في «منتدى سابان» المنعقد في العاصمة الأميركية واشنطن، إن تسوية الأزمة في سوريا تتطلب ترك الأسد منصبه وانسحاب الفصائل الإيرانية من الأراضي السورية، معتبرًا أن الأسد لم يعد شخصية مقبولة على الصعيد الدولي. ثم قال: «يجب علينا وضع الأسد والإيرانيين في مكانهم». وإذ حث ليبرمان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على عدم النأي بالنفس عما يجري في الشرق الأوسط، تحدث عن وجود «حوار شفاف وتنسيق» بين موسكو وتل أبيب في الكثير من المسائل، لا سيما حول سوريا، «وذلك أمر مفيد للغاية»، على حد قول الوزير الإسرائيلي.
وحول التطورات الأخيرة رأى المحلل الاستراتيجي اللبناني الدكتور خطّار بو دياب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التصريحات الأوروبية وحتى التركية عن مسألة رحيل الأسد، لا تبدو فاعلة، لأن هذه الدول غير قادرة على التأثير في تغيير مجرى الأحداث في سوريا»، معتبرًا أن اللافت في المواقف كلام أفيغدور ليبرمان، لكونه مقربًا جدًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومعروف بعلاقاته الوثيقة مع الروس، عدا عن أنه أول موقف إسرائيلي بهذا الوضوح». وأوضح أن «مثل هذا التصريح يترجم خططًا روسية غير سريعة، لكنها على المدى المتوسط».
وشدد بو دياب، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، على أن مصير الأسد «يتوقف كثيرًا على نوع التسوية التي قد يتوصل إليها فلاديمير بوتين مع دونالد ترامب... وأعتقد أن الأسد استنزف، ولولا الميليشيات الطائفية والقوة الروسية لما بقي في السلطة منذ عام 2013». وتابع: «من الواضح أن الأسد سيستخدم لوقت إضافي من قبل الروس، لكنهم يعرفون أنه لم يعد حصانًا رابحًا يراهنون عليه لحكم سوريا».
من ناحية ثانية، لم يجد بو دياب في كلام وزير خارجية تركيا ووزير خارجية ألمانيا، وقبلهما الموقف الفرنسي عن ضرورة رحيل الأسد، سوى «محاولة تجميل قباحة العجز والتخلي الدولي عن سوريا». وأشار إلى أنه «منذ إعلان (الرئيس الأميركي) باراك أوباما في أغسطس (آب) من عام 2011 عن أن أيام الأسد باتت معدودة، تبين أنه كان يبيع للشعب السوري أوهامًا، لأن كلامه لم يترجم إلى أفعال عن دعم الجيش الحرّ». ورأى الأكاديمي اللبناني أن «هناك دولا كثيرة في العالم قدمت دعمًا للنظام، إلى أن ظهر في عام 2014 تنظيم داعش، وبدأ العالم يركز على أولوية محاربة الإرهاب»، مشيرًا إلى أن «مصير منظومة الأسد تحدد في مؤتمر جنيف 1، لكن الدور الروسي عطل هذا القرار، وترافق ذلك مع السعي لحسم عسكري على الأرض، وتأكيده بأنه لا مناص من التعاون مع الأسد على الحل السياسي في سوريا».
حراك دولي لاستيعاب التصعيد في حلب.. والمعارضة تنفي تقديم عروض مالية
دي ميستورا للأسد: اتصل بنا وقل أنا مستعد لحكم انتقالي ولمفاوضات فعلية
حراك دولي لاستيعاب التصعيد في حلب.. والمعارضة تنفي تقديم عروض مالية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة