في وقت تواجه فيه قوات الأمن العراقية حرب مدن شرسة في الموصل مع وجود نحو مليون مدني من سكان المدينة يبطئون تقدمهم.. بحث قادة العراق إمكانية تغيير استراتيجيتهم لمساعدة المدنيين على المغادرة لإطلاق يد الجيش في ضرب مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي.
وقالت مصادر عسكرية «إن المقترح - الذي طرح كمؤشر على خيبة الأمل من بطء التقدم في الحملة المستمرة منذ ستة أسابيع ضد داعش في الموصل، رفضه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وقادته في نهاية المطاف».
وخشي العبادي ومستشاروه من أن السكان الفارين قد يتعرضون لمذابح على يد التنظيم الإرهابي الذي ما زال يسيطر على ثلاثة أرباع المدينة، ومن أن السلطات ووكالات الإغاثة ليست في موقف يسمح لها بالتعامل مع موجات نزوح جماعي.
لكن حقيقة أنهم بحثوا تغيير أحد العناصر المحورية في خطتهم، الأمر الذي أكده مصدران عسكريان ومستشار حكومي في اجتماع عقد في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) يشير إلى تزايد القلق من الانجرار إلى حرب استنزاف في الموصل، وفقا لـ«رويترز».
وخاض متشددو «داعش» الذي يسيطر على المدينة منذ منتصف عام 2014، دفاعا مستميتا عن الموصل، ونشروا قناصة واستخدموا قذائف المورتر ونحو 600 انتحاري في سيارات ملغومة إضافة إلى شن هجمات انطلاقا من شبكة أنفاق تحت الأحياء السكنية.
وقال ضابط في الفرقة التاسعة المدرعة التي تقاتل في جنوب شرقي المدينة «إن القيادات العليا أمرتنا بالتقدم لكن في ذات الوقت ضمان إعطاء الأولوية لسلامة المدنيين»، وقال الضابط الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مصرح له بالتحدث لوسائل الإعلام «كيف يمكننا أن نحقق ذلك.. إنها مهمة مستحيلة».
والحملة العسكرية لاستعادة الموصل - أكبر مدينة خضعت لسيطرة «داعش» في العراق أو سوريا - هي أكبر عملية برية في العراق منذ أكثر من عشر سنوات وتشمل تحالفا قوامه نحو 100 ألف مقاتل عراقي ضد بضعة آلاف من المتشددين.
ولأنها بدأت منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول)، فقد استغرقت الحملة بالفعل مدة أطول من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003 وأطاح بصدام حسين وقد تصبح أطول معركة خلال 13 عاما من الاضطرابات التي شهدتها البلاد منذ الإطاحة بصدام.
وبمعدلات التقدم الحالية، يتوقع تقرير نشرته «رويترز» أمس، أن المعركة ستستمر للعام المقبل، مما يهدد بأزمة إنسانية في المدينة خلال الشتاء إضافة لخسائر فادحة في صفوف الجيش.
وقال ضابط الجيش «الأسبوع الماضي ناقش قادتنا مع قادة آخرين في قيادة العمليات العسكرية المشتركة خيار منح المدنيين فرصة للفرار من الموصل... لرفع العبء عن القوات المتقدمة والسماح لهم بالاشتباك بحرية مع عناصر داعش».
وقال جندي من قوات مكافحة الإرهاب الخاصة التي تقود الهجوم إن خروج المدنيين من المشهد سيمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أيضا من تكثيف ضرباته الجوية. وأضاف الجندي نقلا عن ضابط قال: إنه حضر الاجتماع أن القادة أقروا بأن الخطوة «ستسرع من تقدم الجيش»، لكنهم شعروا أن المخاطر ما زالت تفوق المنافع.
وقال الجندي الذي طلب أيضا عدم نشر اسمه «بدلا من ذلك قرروا الالتزام بالخطة الحالية».
ويقول القادة العراقيون إنهم قتلوا ألف عنصر على الأقل من «داعش»، في محاولتهم لدحر التنظيم الذي أعلن لنفسه دولة في مساحات واسعة من العراق وسوريا.
ولم يفصح القادة عن عدد القتلى في صفوفهم لكن الأمم المتحدة تقول: إن نحو ألفي عضو في قوات الأمن العراقية قتلوا في أنحاء العراق الشهر الماضي.
ولا يخفي الجيش العراقي سرا فيما يخص حقيقة أن المعركة لاستعادة أكبر مدينة في شمال العراق هي أكبر تحد واجهه على مدى العامين الماضيين.
وقال الفريق الركن عبد الأمير رشيد يار الله «في عملياتنا السابقة سواء كان في تكريت أو الرمادي أو الفلوجة ما موجود مواطنون داخل المدينة... عليه كان لدينا حرية العمل في استخدام السلاح».
وأضاف في تصريحات للتلفزيون العراقي الليلة قبل الماضية «لكن في معركة الموصل توجيه القائد العام (العبادي) أن يبقى المواطنون في بيوتهم»، وأضاف أنه من دون تلك القيود لكانت قوات مكافحة الإرهاب الخاصة سيطرت على النصف الشرقي من المدينة بالفعل، وتابع: «لهذا نلاحظ أنه هناك تأخير».
وبالنسبة لحكومة العبادي فإن طمأنة السكان في الموصل التي يقطنها أغلبية من السنة بأن عليهم البقاء في منازلهم يرسل أيضا رسالة سياسية مهمة مفادها أن الجيش في صفهم وأن العراقيين بإمكانهم تخطي الانقسامات الطائفية العميقة التي ساعدت في ظهور «داعش» من الأساس.
وقال المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني إن معاملة الجيش للناس في الموصل كانت مصدرا للفخر، وأشاد الشيخ عبد المهدي الكربلائي الذي ألقى خطبة الجمعة نيابة عن المرجع الأعلى في مدينة كربلاء بما سماه «الأداء الرائع في مساعدة الناس المحاصرين في مسرح العمليات».
وفي الأيام الأولى من عملية الموصل سعت السلطات أيضا إلى تشجيع انتفاضة شعبية ضد المتشددين عديمي الرحمة وقليلي العدد مقارنة بالسكان في المدينة، ورد «داعش» بإعدام العشرات ممن اتهمهم بالتعاون مع الجيش.
إلى ذلك، قال متحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إن القوات الدولية لم تجر مناقشات مع السلطات العراقية بشأن تغيير الخطط، وقال الكولونيل في سلاح الجو الأميركي جون دوريان «مواقفنا تنحاز لحكومة العراق في حماية المدنيين وهذا الأكثر أمانا»، وفقا لـ«رويترز». وأضاف أن معدل تفجيرات السيارات الملغومة يتراجع لأسباب منها أن داعش الذي أصبح الآن محاصرا من الشمال والجنوب والشرق والغرب يملك عددا محددا من السيارات والمفجرين ولأن الضربات الجوية على الجسور والطرق داخل الموصل حدت من قدرته على نقل المنفذين إلى الجبهة، وقال «هذا التكتيك بدأ يفقد الزخم».
وحتى الآن نجحت قوات مكافحة الإرهاب والفرقة المدرعة التاسعة في السيطرة أو تطهير نحو نصف القطاع الشرقي من الموصل التي يشقها نهر دجلة من المنتصف.
وأشار يار الله إلى أن المعركة على الضفة الغربية من المدينة قد تكون أصعب لأنها كثيفة السكان كما أن الكثير من الناس الذين فروا من القتال في الشرق اتجهوا للأحياء الغربية الأهدأ نسبيا.
العبادي يرفض تغيير استراتيجية الجيش في الموصل
قيادات عسكرية اقترحت تسريع وتيرة التقدم لمساعدة المدنيين
العبادي يرفض تغيير استراتيجية الجيش في الموصل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة