بالقرب من البئر رقم (7) الذي بات يعرف باسم «بئر الخير»، وهو الموقع الجيولوجي التاريخي الذي تم اكتشاف البترول فيه لأول مرة في المملكة عام 1938، وكان أول بئر يتدفّق منها البترول بكميات تجارية، يطل مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، المعروف باسم «إثراء»، على مستقبل قائم على الإثراء الفكري وتشييد اقتصاد المعرفة.
ترمز الصخور التي تسند بعضها بعضًا، والتي صممت لتشكل الطراز المعماري الفريد للمبنى، إلى تعاضد الطاقة والمعرفة، ويجمع «إثراء» بين التصميم المعماري ذي الدلالات الرمزية القوية والتقنية الحديثة، كما يجمع بين أساليب التعليم الفريدة والبرامج الإثرائية، وهو منصة ملهمة للمستكشفين والمتعلمين والمبدعين والقادة. ومن منطلق كونه مركزًا حيويًا للمعرفة والابتكار والتفاعل عبر الثقافات سيساعد على التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة.
وقد صمم المركز من قبل شركة «سنوهيتا»، وهي شركة معمارية نرويجية عالمية شهيرة، حصلت على مقاولة التصميم بعد فوزها بها من خلال مسابقة دولية شاركت فيها كبريات شركات التصميم السعودية والعالمية. جدير بالذكر أن «سنوهيتا» صممت صروحا ثقافية مميزة كمكتبة الإسكندرية في مصر ودار الأوبرا في أوسلو بالنرويج.
قصة هذا المركز الذي وضع لبنته الأولى، الملك عبد الله بن عبد العزيز (2008) وقدمته «أرامكو السعودية» بمناسبة عيدها الـ75، ليصبح واحدا من أكبر المراكز الحضارية الثقافية في السعودية ومعلما بارزًا يخدم احتياجات المجتمع المعرفية والثقافية والإبداعية، رواها رئيس «أرامكو السعودية» السابق عبد الله صالح جمعة، حيث قال: «أرادت (أرامكو السعودية) بمناسبة احتفالها بمرور 75 عامًا على إنشائها، أن تقدم هدية للمجتمع يتكامل عبر برنامج للشراكات المعرفية والثقافية مع مؤسسات وطنية ودولية رائدة تساعد على بناء جسور التواصل بين السعودية والعالم بما يعزز أهداف التنمية الإنسانية في المملكة».
وأضاف في ندوة أقيمت مؤخرًا، حضرتها «الشرق الأوسط»: «الأفكار الأولى لهذا المشروع مرت بمراحل من التعديل والنضج، فقد برزت أولاً فكرة إقامة مكتبة عامة، أو متحف إقليمي، في المنطقة الشرقية يرمز للحضارة والتراث المحلي، لكن أخيرًا وقع الاختيار على إقامة مركز معرفي متكامل يمثل رسالة الشركة والمملكة في تشييد اقتصاد قائم على المعرفة ويخاطب شرائح المجتمع كافة مع التركيز على أجيال المستقبل».
وقال: «كنا في الطريق بالسيارة إلى راس تنورة، حين لمعت الفكرة، ثم بعد مناقشات مستفيضة جرى إقرارها. وصمم المركز ليخدم هذه الغاية التي صيغت هندسيًا ووظيفيًا لدعم التحول إلى مجتمع المعرفة عبر التحفيز على القراءة والاستكشاف، والتشجيع على الإبداع، وتنمية الحس الفني، وتعزيز روح العمل التطوعي والجماعي، ونشر ثقافة التواصل والتفاهم المتبادل بين الشعوب والحضارات».
وحتى قبل افتتاح المركز وعلى مدى سنوات واصل تقديم برامجه الثقافية العالمية وبرامج الإثراء المعرفي، ومن برامجه: «أتألق» و«أكتشف» ومسابقة القراءة الوطنية «أقرأ»، وجائزة «إثراء» للإعلام الجديد، وملتقى «إثراء» الشباب، ومن البرامج الأخرى التي حازت إعجاب كبير من الجمهور «فاب لاب» الظهران، وبرنامج «إثراء» للعروض الأدائية والمسرحية، والبرنامج ذائع الصيت «إثراء المعرفة».
أهم مكونات المركز، برج المعرفة الذي يتكون من 18 طابقًا من المرافق التعليمية، وسيعرض أحدث الدورات التعليمية في عدد كبير من الموضوعات الدراسية، كما سيحتضن ألفي ورشة عمل سنويًا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، إضافة إلى الفنون والوسائط المتعددة وبرامج بناء المهارات، وسيتم تطوير المحتوى المقدم في هذه الورش بالشراكة مع أفضل المؤسسات التعليمية العالمية التي ستعمل جنبًا إلى جنب مع المؤسسات المحلية المتخصصة.
ورغم أن ورش العمل تستهدف الشباب على وجه الخصوص، فإنها ستقدم برامج للأعمار كافة ومختلف المجالات. ستصل هذه البرامج إلى 80 ألف متعلم ومتعلمة سنويًا من خلال تقديم نصف مليون ساعة تعليمية تنمي الشغف وتشبع الفضول المعرفي لدى أبناء الوطن وبناته. وسيدار التعلُّم وتبادل المعارف بشكل يعزز قيمة المواطنة، ويحترم التنوع ويحتفي به، ويعزِز ثقافة التطوع، ويغذي الفضول وحب المعرفة في المجتمع.
ولن يقتصر المركز على ما سيقدمه في العالم الواقعي، بل سيمتد حضوره إلكترونيًا، وذلك من خلال صفحاته ومدوناته الإلكترونية، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي ستمكن من هم خارج المنطقة الشرقية من التفاعل مع المركز والاستفادة من معرفته وأنشطته الثقافية.
أما مكتبة المركز، فهي تمثل تجربة تفاعلية، لا مجرد سلسلة طويلة من الأرفف المرصوصة بالكتب، وسيكون التركيز على التعلّم التفاعلي. وتضم مكتبة المركز أكثر من 220.000 كتابٍ بالعربية والإنجليزية، مع طاقة استيعابية تتسع لنصف مليون كتاب ودورية ودراسة في المحفوظات الرقمية. وتتضمن المكتبة أيضًا مرافق مخصصة للعمل البحثي في مجالات أكاديمية متخصصة. كما ستكون المكان الذي يحتضن المبادرات الثقافية كمسابقة القراءة الوطنية «أقرأ»، ومحاضرات وندوات الكتاب والمثقفين.
ستستمر مقتنيات المكتبة في التطور والتجديد لخدمة الجمهور، حيث تولى فريق المكتبة عمل أشمل دراسة وطنية لأنماط القراءة عند السعوديين، من خلال استطلاع ضم 18.000 شخص من جميع أنحاء المملكة، وقد بُني على أساسه سياسة «إثراء» للحصول على الكتب ووضع البرامج التعليمية.
ومن مكونات المركز، مختبر الأفكار، الذي يوفر مساحة للمخترعين والمبتكرين الشباب لتطوير أفكارهم وترجمتها إلى نماذج أولية ومنتجات يمكن تسويقها. ويمكن للمبتكرين ورواد الأعمال والمخترعين صقل وتطوير أفكارهم وترجمتها إلى نماذج أو منتجات قابلة للتسويق في مختبر الأفكار.
كذلك، متحف الطفل، وهو أول متحف في السعودية مخصص للأطفال حتى سن الثانية عشرة، وهو يهدف إلى تنمية قدرات الأطفال الذهنية منذ طفولتهم المبكرة من خلال إقامة معارض وأنشطة تفاعلية وترفيهية، ويستكشف الأطفال طاقاتهم ويشبعون فضولهم من خلال أنشطة بناء الثقة والأنشطة التعليمية.
يعرف متحف الطفل الأطفال على العالم من حولهم عن طريق تشجيعهم على استكشاف الثقافات عبر العالم باستخدام الدراما والتمثيل في كهف الحكايات، والاستماع إلى قصص أطفال من حول العالم يقصونها بأنفسهم في معرض «عالمنا»، وعن طريق استكشاف معرض الحياة البحرية والبيئية التي تضم حيوانات ونباتات حقيقية.
ويضم المركز، المتحف، الذي يوفّر رؤية بانورامية لأفضل ما في الثقافة السعودية والعالمية من خلال أربعة معارض، يركز كل منها على موضوع معين ويجهز العقول لاستقبال أفكار وأشكال جديدة من التعبير الثقافي. سينطلق الزوار في رحلة اكتشاف عبر آلاف السنين تبدأ بالفن السعودي المعاصر يليه الهوية والتراث السعودي، والفن والتراث الإسلامي، ويختتم بالتاريخ الطبيعي لشبه الجزيرة العربية. تصاحب المعارض الأربعة برامج ومحاضرات وورش عمل وجولات إرشادية تستعرض الموضوعات المختلفة بترتيب زمني من المعاصر إلى القديم.
كما يضم المركز؛ القاعة الكبرى، وفيها تتم استضافة المهرجانات والمتاحف والمعارض الزائرة من حول العالم، إضافة إلى المؤتمرات والفعّاليات. وعن طريق توفير فرصة للزوار لرؤية ما تعرضه المجتمعات الأخرى، تعمل هذه المساحة جسرا يربط بين الثقافات وينمي مجتمعا مبتكرا وإبداعيا، كما يشجع الزوار على التطلع الفكري عن طريق تعزيز الأفكار الجديدة المبتكرة.
تعد القاعة الكبرى من الإبداعات المعمارية الفريدة بالقرب من مدخل المركز، حيث صممت لاستضافة المعارض الزائرة.
وكذلك يضم مسرح العروض الإبداعية، الذي يقدم عروضًا محلية وعالمية تعزز القيم الثقافية والاجتماعية السعودية، وتوفر تدريبًا لأصحاب المواهب المسرحية وصانعي الأفلام والكتاب الروائيين والمهتمين بالفنون المختلفة.
صممت قاعة العروض الإبداعية على أحدث طراز، حيث تتسع لـ300 شخص وستعرض الإنتاج المحلي من الأفلام، إضافة للأفلام الوثائقية العالمية
ويضم المركز المسرح متعدد الوسائط، وهي قاعة تتسع لـ300 شخص، وتقدم برامج متنوعة من المحاضرات الحية إلى الأفلام، هدفها الأساسي هو استعراض الأعمال السينمائية الأصلية من ساحة صناعة الأفلام السعودية الناشئة، إضافة إلى الأفلام الوثائقية التعليمية الثقافية من حول العالم.
ويضم كذلك معرض الأرشيف، الذي ينهض بمهمة إدارة وحفظ السجلات والوثائق التي ترصد تراث المملكة وتاريخها الاجتماعي. ويحتوي على وثائق مهمة ونادرة وسجلات وعناصر من تاريخنا يتم تنظيمها ووضعها في كتالوجات وحفظها، كما يتضمن المواد الأرشيفية الرسمية لـ«أرامكو السعودية» التي توثق أكثر من ثمانية عقود من تاريخ الشركة وإنجازاتها.
وكذلك معرض الطاقة، ويوفر تجربة عملية وتفاعلية لعالم البترول وعلومه وطاقته والتقنية المرتبطة به، فيستطيع الزوار تتبع رحلة النفط من الأرض حتى يصل إلى المستهلكين، مع التعرف إلى آخر الاختراعات ومبادرات الترشيد والإدارة، إضافة إلى مجال مصادر الطاقة البديلة حديث الظهور.
«إثراء».. طراز معماري فريد يجمع الثقافة والفن والإبداع
عبد الله صالح جمعة يروي قصة إنشاء مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي
«إثراء».. طراز معماري فريد يجمع الثقافة والفن والإبداع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة