السعوديون على موعد مع مدينة جديدة تنقل اقتصادهم إلى أفق أرحب، فمدينة رأس الخير، كما أطلق عليها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله في السادس من يوليو (تموز) من عام 2011، حاضنة الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي «صناعة التعدين»، في حين تقدر الاستثمارات السعودية فيها لإنشاء البنية الصناعية وربط المدينة بالمناجم بقرابة 34.7 مليار دولار (130 مليار ريال).
تعود تسمية «رأس الزور» بحسب المؤرخ السعودي عبد الخالق الجنبي، إلى الشكل الظاهر لالتقاء البر والبحر، والزور في اللغة العربية يعني الانحناء، حيث يعطي شكل اليابسة عند التقائها مع مياه الخليج شكل منحنى.
وتعد منطقة رأس الخير - راس الزور سابقًا - من المناطق الآثارية القديمة، التي تعود المستكشفات الأثرية فيها من الفخاريات واللقى الأثرية إلى الألف الرابع قبل الميلاد، حيث تعود هذه المستكشفات إلى «ثقافة العبيد»، وهي ثقافة عظيمة انتشرت في المنطقة الشرقية، وبلغ أثرها حضارات ما بين النهرين.
وهنا يؤكد الجنبي على أن التسمية الصحيحة لهذه الحقبة التاريخية التي تعود إلى سبعة آلاف سنة هي ثقافة وليست حضارة بالمعني المتعارف عليه لمصطلح حضارة، ويضيف: كان لهذه الثقافة تأثير كبير على كثير من الحضارات البشرية، خصوصًا حضارات ما بين النهرين، ويشير إلى أن ثقافة العبيد تعود إلى بداية التاريخ وبداية استخدام الكتابة وتعد موازية لحضارة بلاد ما بين النهرين وأبرزها حضارة أور، إلا أن ترجيح تسمية ثقافة يعود إلى أن أغلب المكتشفات لهذه الحقبة كان من الفخاريات.
ووجد باحثو الآثار في منطقة رأس الخير كثير من الفخاريات التي تعود إلى حقبة العبيديين، مما يدل على أهمية المنطقة من الناحية الاستراتيجية في تاريخ الحضارات البشرية، حيث كانت عبر موقعها على مياه الخليج العربي إحدى محطات التجارة التي تربط مدن ما بين النهرين، في الشمال، بمنطقة هجر في الجزيرة العربية، وكذلك كانت تمر بها خطوط الملاحة البحرية إلى مناطق جنوب الجزيرة العربية وشرق أفريقيا والهند.
ويقع مباشرة إلى الجنوب من منطقة رأس الخير، جزيرتا جنة والمسلمية، وهما من جزر العماير التي تعود إلى قبائل بني عقيل، والجزيرتان ما زالتا عامرتين بالسكان، إضافة إلى رأس البخراء الشهير، الواقع بين الجزيرتين، والذي ورد ذكره في «معجم البلدان» لياقوت الحموي، كما تعد منطقة رأس الخير، والجزيرتان، ورأس البخراء، من المناطق الآثارية القديمة، التي عرفت الاستيطان البشري منذ فجر التاريخ.
إلى الشمال من منطقة رأس الخير، يقع رأس منيفة، وهي منطقة مشهورة بجمالها، خصوصا في فصل الربيع، فإذا شهدت المنطقة موسم أمطار وافر يتحول بر منيفة إلى بساط أخضر، فيما يلتقي البحر والبر على شكل منحدر (في صورة مشابهة لالتقاء البحر مع الجبل).
وتتحول المنطقة إلى منطقة نزهات برية تجتذب الكثير من أبناء المنطقة الشرقية، والزوار من دول مجلس التعاون الخليجي، وتنتشر المخيمات بشكل كبير مع نهاية فصل الشتاء وبداية فصل الربيع.
يحد منطقة رأس الخير من جهة الجنوب رأس أبو علي، وبالطبع يحد المنطقة من جهة الشرق الخليج العربي، في حين يحد منطقة رأس الخير من الغرب بر أبو حدرية، وشمالاً رأس منيفة.
من أشهر القبائل العربية القديمة التي سكنت منطقة رأس الخير: قبائل تنوخ وإياد والأزد ثم بنو عبد القيس، وبنو تميم، كما سيطرت على المنطقة في حقبة تاريخية لاحقة قبائل بني عقيل العامريين، التي تتحدر منها قبيلة العماير الشهيرة، التي امتلكت معظم المنطقة الشرقية من السعودية بعد إسقاطها للدولة العيونية في القرن السابع الهجري، وامتد نفوذها وسيطرتها على إقليم البحرين القديم كاملاً، كما امتلكت القبيلة الكثير من البساتين في واحتي القطيف والأحساء، كما برع أبناؤها في مهنة الغوص لجمع اللؤلؤ، وكانت جزيرتا جنة والمسلمية مركزًا للغوص ولجمع اللؤلؤ في فترة سيطرة قبلة العماير عليهما، وما زال كثير من الأسر في الجزيرتين وفي جزيرة دارين ومدينة عنك ينتسب إلى القبيلة.
رأس الخير من فجر التاريخ إلى ثورة الصناعة التعدينية في السعودية
كانت ملتقى خطوط التجارة والحضارات وأصبحت موطن الصناعات
رأس الخير من فجر التاريخ إلى ثورة الصناعة التعدينية في السعودية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة