سوريا: معارك «تحديد المصير» في حلب.. والمعارضة تشن هجومًا معاكسًا

قتل 225 مدنيًا جراء قصف النظام السوري للمدينة خلال شهر

سوريا: معارك «تحديد المصير» في حلب.. والمعارضة تشن هجومًا معاكسًا
TT

سوريا: معارك «تحديد المصير» في حلب.. والمعارضة تشن هجومًا معاكسًا

سوريا: معارك «تحديد المصير» في حلب.. والمعارضة تشن هجومًا معاكسًا

شنت الفصائل المسلحة بالمعارضة السورية هجومًا معاكسًا ضد قوات النظام والميليشيات الموالية له في حي الصاخور الاستراتيجي بحلب، حيث تدور اشتباكات عنيفة.
وكانت تقارير تحدثت عن سيطرة قوات النظام على حي حلب الواقع في الجهة الشرقية المحاصرة من المدينة.
وتتركز الاشتباكات في أطراف حي الصاخور، حيث تسعى قوات النظام إلى تقطيع أوصال المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب.
وتعتمد قوات النظام السوري، في هذه المعركة على ميليشيات إيرانية وعراقية، فيما يدير ضباط روس المعركة في حلب حاليًا.
وشهدت الأحياء المحاصرة شرق المدينة قصفًا عنيفًا لقوات النظام، تركزت في أحياء الحيدرية والهلك وبعيدين والإنذارات والشيخ فارس والصاخور، مما أسقط قتلى وعشرات الجرحى.
قيادات في فصائل المعارضة بحلب، انتقدت ما سمته عجز المجتمع الدولي الناجم عن التعطيل الأميركي لمواجهة سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها النظام السوري وحلفاؤه بحلب، فيما تشهد أحياء الهلك والشيخ فارس والصاخور بالجزء المحاصر من المدينة عملية نزوح واسعة، إثر تقدم لقوات النظام في حي مساكن هنانو شرق المدينة، بينما يتصاعد الحديث عن تطورات ميدانية حاسمة قد تشهدها حلب الأيام المقبلة.
وتشكل مدينة حلب الجبهة الأبرز في النزاع السوري والأكثر تضررًا منذ اندلاعه عام 2011، إذ من شأن أي تغيير في ميزان القوى فيها أن يقلب مسار الحرب التي تسببت بمقتل 300 ألف شخص وتهجير الملايين وتدمير البنى التحتية.
واليوم (الاثنين) خسرت الفصائل المعارضة كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها منذ 2012 في حلب، إثر تقدم سريع أحرزته قوات النظام وحلفاؤها في هجومها لاستعادة هذه المناطق، فيما فر آلاف السكان من منطقة المعارك.
ولم يبقَ من المدينة العريقة التي كانت العاصمة الاقتصادية لسوريا سوى خراب، وبعدما كان عدد سكانها 2.5 مليون نسمة قبل النزاع، تراجع اليوم إلى نحو 1.5 مليون نسمة.
وبعد أسابيع على اندلاع التحركات الاحتجاجية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد منتصف مارس (آذار) 2011، شهدت شوارع مدينة حلب تظاهرات طلابية واسعة سرعان ما تم قمعها بالقوة.
ومع تحول الحراك في سوريا إلى نزاع مسلح، شنت فصائل «الجيش السوري الحر» حينها هجومًا كبيرًا على المدينة في يوليو (تموز) عام 2012، انتهى بسيطرتها على الأحياء الشرقية.
وفي مطلع أغسطس (آب) من العام ذاته، بدأت قوات النظام التي شنت هجومًا بريًا استخدام أسلحة ثقيلة في القصف ثم طائرات حربية للمرة الأولى.
ومنذ مطلع عام 2013، بدأت قوات النظام قصف الأحياء الشرقية بالبراميل المتفجرة التي تلقيها المروحيات والطائرات العسكرية، مما تسبب بمقتل الآلاف وأثار تنديد الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الدولية.
وترد الفصائل المعارضة باستهداف الأحياء الغربية بالقذائف التي غالبًا ما تتسبب بوقوع قتلى.
ودفع سكان مدينة حلب ثمنًا باهظًا للنزاع منذ اندلاعه بعدما باتوا مقسمين بين أحياء المدينة. ويقطن نحو 250 ألفًا في الأحياء الشرقية ونحو مليون و200 ألف آخرين في الأحياء الغربية.
ويعيش سكان الأحياء الشرقية ظروفًا إنسانية صعبة جراء الحصار والقصف الذي لا يستثني المرافق الطبية ومقار الدفاع المدني الذي ينشط متطوعوه في إسعاف الجرحى وانتشال القتلى من تحت الأنقاض.
وفي فبراير (شباط) الماضي، توصلت موسكو وواشنطن إلى اتفاق لوقف الأعمال القتالية في سوريا، شمل مناطق عدة، بينها مدينة حلب، لكنه سرعان ما انهار بعد شهرين فقط من دخوله حيز التنفيذ.
وحاصرت قوات النظام السوري في 17 يوليو الأحياء الشرقية بالكامل بعد قطعها طريق الكاستيلو، الذي كان طريق الإمداد الوحيد إلى شرق حلب، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وصولاً إلى نفاد معظمها من الأسواق.
ومنذ 31 يوليو، شنت الفصائل المقاتلة والمتطرفة، وبينها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة) هجمات عديدة، بهدف فك الحصار عن الأحياء الشرقية.
ونجحت تلك الفصائل في السادس من أغسطس في التقدم والسيطرة على مواقع استراتيجية لقوات النظام جنوب غربي المدينة، وتمكنت من كسر الحصار عبر فتح طريق إمداد إلى الأحياء الشرقية يمر في منطقة الراموسة.
لكن قوات النظام تمكنت من قطع هذا الطريق في الثامن من سبتمبر (أيلول) بعدما استعادت عددًا من المواقع التي خسرتها في المنطقة، لتصبح الأحياء الشرقية محاصرة تمامًا في ظل فشل الأمم المتحدة في إدخال المساعدات.
وتتواصل الاشتباكات جنوب غربي مدينة حلب، بين الفصائل المقاتلة والمتطرفة من جهة، وقوات النظام مدعومة من مقاتلين إيرانيين ومما يسمى «حزب الله» وبغطاء جوي روسي من جهة أخرى.
وبعد إعلان قوات النظام السوري في 19 يوليو انتهاء هدنة استمرت أسبوعًا من 12 من الشهر نفسه، بموجب اتفاق روسي - أميركي، تعرضت الأحياء الشرقية لغارات كثيفة تشنها طائرات سورية وروسية، أوقعت عشرات القتلى من المدنيين، وفق المرصد السوري.
ومنذ بدء الهجوم الأخير لقوات النظام على شرق حلب منتصف الشهر الحالي، أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 225 مدنيًا بينهم 27 طفلاً جراء القصف والغارات، فيما قتل 27 مدنيًا بينهم 11 طفلاً في غرب المدينة جراء قذائف الفصائل.
ويجمع محللون على أن معركة حلب أشبه بـ«معركة تحديد مصير»، ومن شأن نتائجها أن تحسم مسار الحرب السورية.
وتعد حلب واحدة من أقدم مدن العالم وتعود إلى 4 آلاف عام قبل الميلاد، وقد توالت الحضارات على هذه المدينة المعروفة بصناعة وتجارة النسيج، التي تتميز بموقعها بين البحر الأبيض المتوسط وبلاد ما بين النهرين.
وبين عامي 1979 و1982، شهدت المدينة فصولاً من قمع النظام السوري لجماعة الإخوان المسلمين، وعادت في التسعينات لتزدهر مجددًا نتيجة حراك تجاري ترافق مع سياسة انفتاح اقتصادي انتهجتها البلاد.
ومنذ اندلاع النزاع في عام 2011، دمرت المعارك المدينة القديمة وأسواقها المدرجة على لائحة «اليونيسكو» للتراث العالمي. وفي عام 2013، أدرجت منظمة «اليونيسكو» الأسواق القديمة التي تعرضت للحرق والدمار على قائمة المواقع العالمية المعرضة للخطر.
وطال الدمار أيضًا مواقع تعود إلى 7 آلاف عام، وتحولت مئذنة الجامع الأموي العائدة إلى القرن الحادي عشر إلى كومة من الركام.
كما لحقت أضرار كبيرة بقلعة حلب الصليبية التي استعادتها قوات النظام من المعارضة بعد قتال عنيف.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.