يقف الكاهن شربل عيسو أمام مذبح مدمَّر في كنيسة «دير مار بهنام» للسريان الكاثوليك جنوب الموصل، يرفع يديه ويصلي بمشاركة مقاتلي فصائل مسيحية مسلحة، بعد عودته إلى الدير قبل أيام إثر استعادته من تنظيم داعش.
واستعادت قوات عراقية الأحد الماضي هذا الدير الواقع في بلدة خضر إلياس على بعد نحو 30 كيلومترا جنوب الموصل، بعد أكثر من عامين من سيطرة «داعش» عليه.
ويعود تاريخ الدير التابع لطائفة السريان الكاثوليك إلى القرن الرابع قبل الميلاد. كان صرحا بطوابق عدة. لكن بعد اجتياحه المنطقة، أقدم تنظيم داعش على تخريب الدير، وحطموا المنحوتات المعلقة على الجدران، وفصلوا رأس تمثال للسيدة العذراء. وفر الكهنة الذين كانوا موجودين في المكان، ولم يعودوا حتى الآن.
في زيارته الأولى للمكان، قال الأب شربل عيسو لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه «سعيد وحزين في الوقت نفسه» مضيفا أنه «سعيد بالعودة إلى هذه الأماكن المقدسة، وبرؤية هذا الدير الذي أمضيت فيه عاما ونصف عام رئيسا. وفي الوقت نفسه، أنا حزين لرؤيته على هذه الحال، في وضع سيئ جدا، مهدم. هذا يؤلم قلبي».
أمام المبنى الرئيسي للدير الذي يعتبر أحد أقدم الأديرة والمعالم المسيحية في العراق، تلة من ركام تغطي قبري مار بهنام، القديس السرياني الذي يحمل الدير اسمه، وشقيقته سارة.
في عام 2015، نشر تنظيم «داعش» شريطا مصورا على الإنترنت يظهرون خلاله وهم يفجرون القبر الذي لم يبق منه حاليا إلا القليل، جاء ذلك ضمن عمليات تخريب منهجية عدة أقدم عليها التنظيم عندما اجتاح المنطقة.
فقد دمر عناصر التنظيم أماكن عبادة وفجروا مواقع أثرية، بينها بقايا مدينة نمرود، درة الحضارة الآشورية في العراق، ومدينة تدمر «لؤلؤة الصحراء»، وروعة الحضارة الرومانية في سوريا المجاورة.
في المناطق التي اجتاحها في 2014، وضع تنظيم داعش المسيحيين أمام المغادرة، أو دفع الجزية، أو اعتناق الإسلام. فقررت الغالبية الرحيل.
ويؤكد عيسو أن إعادة بناء النسيج الاجتماعي الآن ستكون أمرا بالغ الصعوبة، مضيفا: «عليك رؤية منازلهم. لقد أُحرقت خمسون في المائة منها».
وتعرضت الأقلية المسيحية في العراق منذ سقوط النظام العراقي السابق، لاعتداءات عدة، وأُجبرت على مغادرة مناطق واسعة. وكان عدد المسيحيين في العراق أكثر من مليون قبل الاجتياح الأميركي للعراق في 2003، وبات اليوم نحو 350 ألفا، نصفهم في ولاية نينوى ومركزها الموصل.
ويرى الأب عيسو أن كبح التوترات بين الأديان في هذه المنطقة بعد كل ما حصل يبدو مهمة «صعبة جدا، لكننا متمسكون بالأمل». ويجول عيسو في الدير يرافقه مقاتلون مدججون بالسلاح من فصائل مسيحية، يرتدون صلبانا ويحملون أحزمة رصاص فوق بزاتهم العسكرية.
وينتمي هؤلاء إلى مجموعة «كتائب بابليون» التي تشكلت من مسيحيين من مختلف أنحاء العراق لقتال تنظيم داعش، وهم يقاتلون تحت راية القوات العراقية.
وساهم «البابليون» إلى جانب قوات أخرى في عملية تحرير الدير من تنظيم داعش، ويؤكدون أنهم سيقاتلون حتى طرد المتطرفين من كل المواقع المسيحية التي يحتلونها في العراق، وحتى في سوريا.
في نفس السياق، يقول العقيد ظافر لويس إنهم «حزينون جدا لرؤية كل هذا الدمار هنا، لكن السعادة بالنصر غمرتنا، ونحن فرحون جدا بأن نكون هنا». ويضيف أنه يأمل «في أن يعود المسيحيون إلى هذه المنطقة، وأنا أدعوهم للعودة». ويتابع: «ما قمنا به يظهر أنه حتى لو كنا مجموعة صغيرة فقد استعدنا السيطرة على المكان. ما نحتاج إليه هو قلب مؤمن».
مسيحيون يستعيدون كنائس دمرها تنظيم داعش في شمال العراق
الأقلية المسيحية في العراق تعرضت لاعتداءات متكررة منذ سقوط النظام العراقي السابق
مسيحيون يستعيدون كنائس دمرها تنظيم داعش في شمال العراق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة