أمام التسابق الدولي في سوريا تحت عنوان «محاربة الإرهاب»، لا تزال دير الزور الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش منسية وخارج هذه الحسابات لغاية الآن، وهي التي يعيش سكانها بين حصارين متلازمين، حصار التنظيم منذ أكثر من عامين وحصار النظام الذي يتخذ من المدنيين دروعا بشرية، ويعتقل شبابها لتجنيدهم في صفوفه أو زجهم في سجونه.
وللنظام حساب طويل مع محافظة دير الزور، التي كانت السباقة في ملاقاة طلائع الانتفاضة الشعبية ودعمها، وكانت الحضن الأوسع للجيش السوري الحرّ، وفق تقرير أعدّه مركز «24 للدراسات» الذي سلّط الضوء على تجربة دير الزور مع هذه الثورة، والتي بفضلها تمكن الجيش الحرّ في العام 2013 من السيطرة على 95 في المائة من أراضي هذه المحافظة الكبيرة جدا، قبل أن يظهر تنظيم داعش كفصيل مقاتل في شمال المحافظة، ويتمدد بعد أن بايعته سرا بعض الفصائل، وكان ذلك عاملا مساعدا في سيطرة التنظيم على المنطقة.
وما دامت أولويات الحرب السورية في مكان آخر، مثل حلب وريفها وإدلب، فإن قضية دير الزور بحسب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية محمد أبو رمانة، مرتبطة بـ«الحسابات الاستراتيجية عند الروس والإيرانيين ونظام بشار الأسد، لأن أولويتهم مدينة حلب التي تشكل عاصمة المعارضة، ويحاولون حسم معركتها قبل أن يتسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأميركية».
ويشير أبو رمانة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «تنظيم داعش يخدم الآن حسابات الروس والإيرانيين والأسد وأجندتهم، لأنهم إذا حسموا معركة حلب تصبح المواجهة في الرقة ودير الزور، وتصبح ورقتهم أقوى في المفاوضات، وعندها سيخيرون العالم بين نظام الأسد وداعش»، مؤكدا أن دير الزور «ليست أولوية للنظام والروس، فأولويتهم ليست قتال (داعش)، بل القضاء على الفصائل المعتدلة والقضاء على المناطق التي تشكل تهديدا لسوريا المفيدة».
الناشط المعارض في دير الزور عاهد العيد وصف منطقته بأنها «منسية ومتروكة لقدرها وحصارها ومعاناتها». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن أهالي مدينة دير الزور «يعيشون بين فكي كماشة حصار النظام و(داعش) على حد سواء، وخاصة في المناطق الغربية كحيي الجورة والقصور». وأضاف: «المدنيون يعانون تدهورا حادا نتيجة فقدان المواد الغذائية التي يستولي عليها جنود النظام، ويبيعونها في السوق السوداء بعشرة أضعاف قيمتها الحقيقية، لكن الناس ليس لديهم المال لشراء حاجياتهم».
وتتسابق القوى للسيطرة على مناطق نفوذ «داعش» في دير الزور، لكن من دون أي تنسيق بينها، وفق ما يشير تقرير مركز «24 للدراسات»، لأنها قوى متصارعة ومتنافسة. ويلفت إلى أن «قوات الأسد وحلفاءها وقوات سوريا الديمقراطية، يسعون إلى مهاجمتها من الشمال، حيث مناطق نفوذ قوات حماية الشعب الكردي، أما القوى الأخرى فهم أبناء دير الزور الذين غادروها بعد خسارة المعارك ضد التنظيم، الذين يعتبرون الأقل دعما وتسليحا، مقارنة مع قوات الأسد والقوات الكردية». أما الجهة الثالثة وفق التقرير، فهي «فصائل عسكرية أخرى من أبناء دير الزور، مثل (أحرار الشام) و(جبهة النصرة) الذين يعتمد عليهم بشكل كبير خاصة في مواجهتهم مع (داعش)، لكن هذه القوى لا تمتلك فرص النجاح الكامل».
وما دامت المعارضة المعتدلة هي الهدف الأول للأسد وحلفائه، فقد أبدى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية محمد أبو رمانة اعتقاده، بأن «المرحلة المقبلة بعد حلب لن تكون الرقة ودير الزور، بل المنطقة الجنوبية مثل درعا وغيرها وقضم هذه المناطق».
ويشدد الناشط عاهد العيد على أن دير الزور «لم تكن في الأساس على جدول اهتمام النظام، إنما يستخدمها ورقة للاستفادة منها». وأشار إلى أن الذين «يحاولون الخروج من المدينة إلى مناطق أكثر أمنا، مضطرون لدفع ما لديهم، مع تحمّل خطر الطرقات». وأوضح أن النظام «يتخذ من المدنيين دروعا بشرية، وهو لا يتوانى عن المداهمات يوميا واعتقال الشباب وإلزامهم بالتجنيد في صفوفه وزج من يرفض أوامره في سجونه».
ورغم امتلاك قوات سوريا الديمقراطية الدعم العسكري المطلوب، فإنها «تفتقر إلى الحاضنة الشعبية التي من المرجح أن تنقلب عليها، في حين تعتبر قوات الأسد الأقل حظا نظرا لسمعتها السيئة والدموية التي تمارسها في كل المناطق السورية». ويرى التقرير أن القوات المتحدرة من دير الزور «تعاني تشققا واضحا لقواتها، التي تتوزع على عدة جبهات، وتنتقد التنسيق ومقومات الدعم واستقلالية القرار». ويقول، إن «الواقع الحالي يشير إلى أن (داعش) ما زال يحتفظ بمساحات كبيرة في دير الزور، وقوة عسكرية كبيرة، قد تسمح له بالبقاء لفترة أطول، كما أن التركيبة الأمنية والاجتماعية التي أسسها التنظيم، عبر ترهيب الأهالي تحد من قدرات القوى الأخرى على تجييش السكان واستمالتهم، وتبقيهم لفترة أطول تحت وطأة إرهاب (داعش)».
ويخلص تقرير مركز «24 للدراسات»، إلى أن «حسم الصراعات في دير الزور يبقى رهن جدية الإرادة الدولية في تخليص المحافظة من نير احتلال (داعش)»، متوقعا أن «يبقى مصيرها معتمدا على الخلاص السوري من الاستبداد والقوى المتطرفة التي تهافتت لتصفي حسابات الأطراف الدولية على أرض سوريا».
«دير الزور» المنسية بين حصاري الأسد والتنظيم.. ومدنيوها دروع بشرية
أولوية الأسد القضاء على المعارضة المعتدلة.. و«داعش» ورقته الرابحة

الهلال الأحمر يقوم بتوزيع الخبز على المدنيين في الأحياء المحاصرة بدير الزور، خلال الشهر الحالي، والذين يبلغ عددهم نحو 200 ألف نسمة (الفرات بوست)
«دير الزور» المنسية بين حصاري الأسد والتنظيم.. ومدنيوها دروع بشرية

الهلال الأحمر يقوم بتوزيع الخبز على المدنيين في الأحياء المحاصرة بدير الزور، خلال الشهر الحالي، والذين يبلغ عددهم نحو 200 ألف نسمة (الفرات بوست)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة