منى موصلي: أطباقي تشبهني وأحلم بتدريس الطهي

درست فنون الطبخ في لندن وسويسرا

الشيف منى موصلي خلال تصويرها برنامجها على الـ«إم بي سي»
الشيف منى موصلي خلال تصويرها برنامجها على الـ«إم بي سي»
TT

منى موصلي: أطباقي تشبهني وأحلم بتدريس الطهي

الشيف منى موصلي خلال تصويرها برنامجها على الـ«إم بي سي»
الشيف منى موصلي خلال تصويرها برنامجها على الـ«إم بي سي»

تعدّ الشيف منى موصلي المرأة السعودية الوحيدة التي دخلت مجال الطبخ من بابه العريض. فهي عندما قررت دخول مؤسسات ومعاهد وجامعات في سويسرا ولندن لتتعلّم فنّ الطهي، تحلّت بالجرأة الكافية لأن تطوي صفحة الدراسات التقليدية التي كانت تزعم القيام بها بناء على رغبة والديها. «البداية كانت صعبة جدّا فوالدتي رفضت رفضا تاما أن أدخل هذا المجال، إذ كانت تفضّل أن أدرس الطبّ أو أي اختصاص جامعي آخر على هذا المستوى، ولكني أصررّت على تحقيق حلمي، وفي منتصف الطريق كدت أصاب بالإحباط للانتقادات الشديدة التي طالتني من جميع الأطراف، لا سيما من قبل الرجال أرباب الطبخ في السعودية الذين كانوا يعاملونني بقسوة».
اليوم تعمل منى موصلي في مطابخ الطيران الخاص، التي تتطلّب، كما تقول، الدقّة من ناحية، والتقنيّة الخاصة به من ناحية ثانية. جميع الأطباق التي تقدّم على متن الطائرة تكون طازجة، «وهذا المطبخ خاصة فيه من الخطورة ما يجعلك تلتقطين أنفاسك طوال الوقت، فأي خطأ يرتكبه الشيف في موضوع حفظ مكوّنات الطبق مثلا، أي في حرارة معيّنة يمكن أن يأتي على الطبق بأكمله فيقع صاحبه في الممنوع». وتضيف: «إن العوامل التي تحيط بمطبخ الطائرة لا تشبه غيرها، فتختلف عنها إن من ناحية نسبة النضج، أو عملية التذوّق». وترى الشيف السعودي التي تقدّم حاليا برنامج «توب شيف» على قناة «إم بي سي»، وتشارك فيه عضوا ضمن لجنته التحكيمية إلى جانب كلّ من الشيفين الصيني بوبي تشين، واللبناني مارون شديد. إن العمل في هذا المطبخ يضع صاحبه على اتصال مباشر مع ركّاب الطائرة، إذ يجب أن يقف على طلباتهم مهما كانت صعبة. «لقد طلب مني أحد الزبائن مرة أن أحضّر له خروفا محشيا، وكم كانت مفاجأتي كبيرة عندما أصرّ على أن يكون كاملا، فاضطررت أن أحمل جميع أجزائه معي على متن الطائرة، لأنه من الصعب تقطيعه في مطبخها كما أن الوقت لا يسمح لي بذلك».
لا تحبّ الشيف منى مجادلة الزبون في نوعية الطبق الذي يطلب منها تحضيره، وتعلّق: «هو حرّ في أن يختار الطبق الذي يريده ومن واجبي أن أحضّره له على طريقته أحيانا إلا إذا ترك لي حريّة التصرّف».
وتصف الشيف منى أطباقها بأنها تشبهها وتقول: «برأيي أن الطبق الذي يحضّره كلّ شيف هو بمثابة المرآة التي تعكس شخصيته. ومن ناحيتي فإن أطباقي أنيقة ومرحة وفيها كثير من الابتكار والدقّة». وتضيف: «لقد تربّيت على طعم الأكل اللذيذ، وهذا الأمر هو الذي ينمو فينا مع الوقت فيعرّفنّا بـ(صاحبة النفس الطيّب) أو بـ(أنها تعرف طعمه تمّا) (فمها)، ولذلك اعتبر تذوّق الطعام نوعا من التربية المنزليّة التي ترافقنا منذ نعومة أظافرنا». وعما حفظته من مطبخ والدتها تقول: «لطالما كان أسلوب والدتي يعتمد على الطبخ الصحّي، فكنت إذا ما أضفت بعض الزبدة لطبق ما تقول لي ما يصير يا ماما». وتتابع: «برأيي أن وراء كل شيف ناجح والدة عظيمة».
وعن القاعدة الذهبية التي يجب أن يتبعها الشيف في أطباقه تردّ: «يجب أن يحصل ما يشبه الانفجار في فم متذوّق طبقه، وذلك بفضل طعمه اللذيذ الذي سيحثّك على تذوّقه لأكثر من مرة إلى حين الانتهاء منه». وتشير الشيف السعودية إلى أنها تأثّرت بالمطبخين السوري والسعودي لكون والدتها من الشام ووالدها من الرياض. «في المطبخ السوري أسمح بإضافة الجديد على أطباقه، شرط الحفاظ على هويته الأصلية. أما في المطبخ السعودي فأستطيع فقط أن أبدل في تقنية تحضيره على الطريقة الحرفية التي تتبعها ربات المنزل السعوديات، فيصبح مختلفا عن المطبخ السعودي التقليدي. وعندما انتقلت للعيش في السعودية اكتشفت أن البهارات والدسامة من عناصره المهمّة، وأحيانا كثيرة تغلب على طعم المكوّنات ولذلك حاولت التوفيق ما بين بهاراته المعطّرة ومكوّناته ليصبح أكثر توازنا».
من ناحية أخرى، تشير إلى أن لكلّ طبخة أسرارها، وتوضح: «نعم هذا ما أردده دائما، فبرأيي، إن هناك قصّة معيّنة تغلّف كل طبق، يحيكها الشيف بأنامله وبشخصيّته ومن هنا تبدأ الحكاية».
بكت منى موصلي أكثر من مرة في بدايات مشوارها قبل أن يعتاد العنصر الذكوري على حضورها الأنثوي في المطبخ. «لم يتقبّلوني في البداية فكانوا قساة معي ومع مرور الوقت اعتادوا على الفكرة. وإلى حين تحقيق ذلك بكيت مرارا لوحدي إذ كنت أرفض أن تسقط دموعي أمام أحد حتى لا يستضعفوني، وصرت أقول لنفسي إنه في سوق الرجال يجب أن تجاري طباعهم فصرت فظّة مثلهم، عندها سارت الأمور على ما يرام». وتختم هذا الموضوع: «هذه المعاناة جعلتني أتشبّث أكثر بحلمي فجاهدت ووصلت».
ليس من السهل العمل في المطبخ. تقول الشيف السعودية معلّقة: «هناك قلق دائم يرافقك، إضافة إلى صراخ الرجال وأصواتهم المرتفعة، فكل ذلك كان غريبا علي مما اضطرني إلى أن أتعامل مع هذا الواقع وأصبح جزءا منه».
فتحت منى موصلي الباب العريض أمام المرأة السعودية لتدخل مجال الطهي مهنة لها: «هي مهنة ترتكز على الحبّ والشغف وإلا فإن من يمارسها لن يستطيع الصمود والاستمرار، فالعمل على مدى ثماني عشرة ساعة متتالية ليس بالأمر السهل، ويتطلّب قوّة بدنية وإرادة وحزما وهي عناصر غالبا ما نجدها لدى الرجال أكثر من النساء».
وعن التغييرات التي طالتها بُعيد ممارستها هذه المهنة، تقول: «لقد صرت متشبثّة بالأرض والواقع بشكل أكبر، وأصبحت أرى أمور (اللوكس) والأناقة المبالغ فيهما من خلال ارتداء ماركات معيّنة أمرا سخيفا بتّ لا أستسيغه بتاتا، فهناك معان أسمى للحياة يجب أن نركّز عليها بدل إضاعة الوقت بأمور سطحية». وتضيف: «الجانب الإنساني حاضر بقوة في مهنتنا التي أصفها بالصعبة، وأحيانا عندما كنت أرى عمّالا من ضمن فريق المطبخ الذي أعمل معه في باريس مثلا، يعانون ويتحمّلون أمورا قاسية، كان قلبي ينفطر حزنا عليهم، ولذلك ترينني اليوم آخذ هذا الأمر بعين الاعتبار في مطبخي، فأنا حازمة نعم ولكن في الوقت نفسه إنسانية إلى أبعد حدود».
وحول تجربتها في البرنامج التلفزيوني «توب شيف»، تقول: «لقد سعدت كثيرا في هذه التجربة التي تجري على مستوى عال منفّذ من قبل تلفزيون (إم بي سي) الرائد في مجال الإعلام المرئي. وأحيانا كثيرة أضطر إلى أن أكون قاسية تجاه المشتركين، لأن اللعبة تقضي بأن يخرج أحدهم منها في كلّ حلقة، مما يجبرنا على اختيار الأفضل بينهم دائما؛ ولذلك أحاول قدر الإمكان أن أحكم بعدل رغم أن جميع المشتركين برأيي يشكّلون مواهب جيّدة في عالم الطبخ».
وعن أكثر ما تحاول أن تظهره في البرنامج تردّ: «أحاول التشديد دائما على أن المطبخ مكانا لا يتحمّل المزاح بل يتطلّب الجديّة والحزم». أما الخبرة التي اكتسبتها منه فهي تلك التي تستنبطها، كما ذكرت لنا، من الشيفين المشاركين معها في لجنة التحكيم (مارون شديد وبوبي تشين)، «هما رائعان، فالأول لديه خبرة في مطابخ عالمية ويضفي أجواء الحرفية والمرح معا على البرنامج. أما الشيف مارون شديد فهو أستاذ في الأصالة وهوية المطبخ العربي وصاحب ثقافة كبيرة في المطبخ الأوروبي».
وعن الحلم الذي تنوي تحقيقه يوما ما قالت: «أرغب في أن أمارس مهنة تعليم فنّ الطبخ للجيل الجديد من الفتيات السعوديات، وأن أجدّد في طريقة تقديم الطبق السعودي ليصبح أكثر عصرية».



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.