مؤشرات لمواجهة ثلاثية بين النظام السوري والأكراد و«درع الفرات» على مشارف مدينة الباب

الأتراك يهددون و«سوريا الديمقراطية» تبث فيديوهات وصورًا لخروجها من منبج تحت إشراف دولي

أسرة تسير وسط ركام ابنية دمرها قصف الطيران الحربي في مدينة دوما بغوطة دمشق، التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية (رويترز)
أسرة تسير وسط ركام ابنية دمرها قصف الطيران الحربي في مدينة دوما بغوطة دمشق، التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية (رويترز)
TT

مؤشرات لمواجهة ثلاثية بين النظام السوري والأكراد و«درع الفرات» على مشارف مدينة الباب

أسرة تسير وسط ركام ابنية دمرها قصف الطيران الحربي في مدينة دوما بغوطة دمشق، التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية (رويترز)
أسرة تسير وسط ركام ابنية دمرها قصف الطيران الحربي في مدينة دوما بغوطة دمشق، التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية (رويترز)

لا يقتصر السجال الحاصل بين تركيا وميليشيات أكراد سوريا حول انسحاب هؤلاء من مدينة منبج، شمال شرقي مدينة حلب عاصمة الشمال السوري، إلى شرق نهر الفرات، بل يتعداه لمواجهة مرتقبة بين الطرفين على تخوم مدينة الباب، أحد معاقل تنظيم داعش، التي يحاول الطرفان السيطرة عليها إضافة إلى طرف ثالث هو قوات النظام السوري المدعومة من موسكو.
الأطراف الثلاثة، بحسب أكثر من مصدر، على مشارف المدينة الواقعة بين حلب ومنبج. ففي حين أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل أيام أن مقاتلي المعارضة السورية المدعومين من أنقرة باتوا على مسافة كيلومترين فقط من الباب، ذكر مصدر كردي أنهم يقتربون منها وباتوا على مشارف بلدة قباسين، بينما تتقدم قوات النظام منها وقد باتت على مسافة 3 كيلومترات فقط.
وما يُعقّد مصير مدينة الباب، هو غموض أي اتفاق دولي حول الفريق الذي سيدخل إليها لتحريرها من تنظيم داعش، وبخاصة بعد يومين من إعلان متحدث عسكري أميركي أن «التحالف الدولي لا يدعم العمليات الحالية التي تشنها القوات التركية مع فصائل سورية معارضة حليفة لها على مدينة الباب».
رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن صراع يحتدم بين ثلاث قوى لدخول الباب، مشيرًا إلى اتفاق روسي – تركي سابق على ترك المدينة لقوات النظام، من دون أن يوضح مصير هذا الاتفاق.
من جهتها، كشفت مصادر قيادية كردية لـ«الشرق الأوسط» أن ميليشيات «مجلس الباب العسكري» و«جيش الثوار» و«لواء الشمال الديمقراطي» و«لواء باب العمر» و«شهداء جبل الزاوية» - ذات الغالبية الكردية - وصلوا إلى مشارف بلدة قباسين بطريقهم إلى مدينة الباب من جهة الشهباء ومن جهة منبج. ولفتت إلى أن احتمال المواجهة مع باقي القوى التي تتجه إلى المدينة «كبير جدا». وأشارت المصادر الكردية إلى «هجوم عنيف تتعرض له قواتنا التي تتقدم من ناحية تل رفعت بالتزامن مع قصف تركي ومشاركة للجيش التركي في المعارك التي تحصل في الميدان»، موضحة أن الاشتباك بين الطرفين حصل فعليا «حين هاجموا قرى حررناها من تنظيم داعش في ريف حلب الشمالي قريبة من الباب». وأضافت: «استمر الهجوم لثلاثة أيام دون إحراز أي تقدم. تركيا تدخلت بشكل عنيف من خلال قصف الطائرات والقصف المدفعي والصاروخي ومشاركة دباباتها بالمعارك». وبينما أكّدت المصادر ما تم تداوله عن أن حملة «درع الفرات» وبخاصة في عملية تحرير الباب لا تحظى بغطاء التحالف الدولي، أشارت إلى «اتفاقيات تجري عادة بين دول كبرى مثل روسيا وتركيا وأميركا وإيران، قبيل اقتحام أي من معاقل (داعش)، لكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بشأن الباب ومن سيدخلها، علما بأننا نعتقد أن النظام لن يتنازل عن المدينة باعتبارها مدخل حلب الشرقي».
ويوم أمس، احتدم السجال بين الأكراد من جهة والأتراك وفصائل المعارضة التي تدعمها من جهة أخرى حول خروج ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» - ذات الأغلبية الكردية والمدعومة أميركيًا - من مدينة منبج. وفيما نفت فصائل في المعارضة خروج كامل الميليشيات الكردية بعكس ما أعلنوا في بيان سابق، هدّد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، قوات ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية بإخراجها بالقوة من منبج في حال لم تخرج بنفسها، لافتا إلى أن بلاده تنتظر من الولايات المتحدة، تنفيذ الوعد الذي قطعته بشأن انسحاب وحدات من المدينة. وقال يلدريم: «تفاهمنا منذ البداية مع أميركا بخصوص إنهاء وجود (ب.ي.د) في منبج وانسحابها إلى شرق الفرات، وفي كل لقاء يقولون إنهم ملتزمون بالتفاهم، وسيفعلون ما يقتضيه ذلك». وأضاف: «لا نزال ننتظر تحقيق الأمر (الخروج من منبج). سينسحبون وعليهم الانسحاب بطريقة أو بأخرى».
في المقابل، أعلنت ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الأربعاء، أن مقاتليها سينسحبون من مدينة منبج ويتوجهون إلى المنطقة الواقعة شرق نهر الفرات، تمهيدا للمشاركة في معركة استعادة السيطرة على مدينة الرقّة، معقل «داعش» الرئيسي في سوريا. إلا أن مصطفى سيجري، القيادي في عملية «درع الفرات» نفى الأمر تماما، وتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن «مراوغة وتضليل» تتبعها الميليشيات الكردية، مشيرا إلى تمددها وتوجه أعداد كبيرة منهم إلى مدينة الباب التي باتت على تخومها.
أما من الجانب الكردي، فقد ادعت نوروز، من «وحدات حماية المرأة» الكردية، أن نحو 10 آلاف عنصر من «قوات سوريا الديمقراطية» خرجوا من منبج على دفعات، وأنه انسحب نحو 9 آلاف مقاتل ومقاتلة بإطار الدفعة الأولى، فيما انسحبت البقية يوم الخميس بمراسم رسمية وسط حضور قادة من وحدات ومجلس منبج العسكري. وتابعت نوروز في حديثها لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «مجلس منبج العسكري مكون من أبناء مدينة منبج وريفها وغالبية شبابه من العرب ومن كتائب (شمس الشمال) وكتيبة (الشهيد فيصل أبو ليلى) و(كتيبة العون)». ونشرت نوروز على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي صورا تظهر مئات المقاتلين مع آلياتهم العسكرية، ادعت أنها التقطت أثناء انسحابهم من منبج. وبدوره، بث رافي منبجي، وهو من «المجلس العسكري لمنبج وريفها» فيديوهات تُظهر عملية تسليم رسمية لمدينة منبج من قبل ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» لقياديي «مجلس منبج العسكري»، وقال إن العملية تمت بحضور ممثلين عن التحالف الدولي.
في هذه الأثناء ميدانيا، قال الجيش التركي إن قواته استهدفت 80 موقعًا لتنظيم داعش وموقعًا تابعًا لميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» بشمال سوريا، يوم الخميس. وأوضح بيان للجيش التركي أن المواقع المستهدفة عبارة عن تحصينات ومواقع أسلحة ونقاط تفتيش وعربات عسكرية، لافتا إلى أن قوات الجيش السوري الحر سيطرت على خمس مناطق مأهولة بالسكان، بينها قريتا عرب ويران والكندرلية. ونقلت وكالة «آرا نيوز» عن الناشط عبيدة الحلبي أن «اشتباكات عنيفة تجري بين مسلحي (درع الفرات) وبين عناصر تنظيم داعش على مشارف مدينة الباب، مع سماع دوي انفجارات ناجمة عن القصف التركي لمواقع التنظيم».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.