انعطفت سيارة مدرعة بألواح معدنية ويقودها انتحاري إلى شارع رئيسي مملوء بالجنود في شرق الموصل، وتحولت لكرة من اللهب، مما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والمصابين. وفيما تقدمت السيارة في الطريق مزقتها رصاصات القوات العراقية ردا على أحدث هجوم مضاد من تنظيم داعش ضمن مساعيه لاستعادة السيطرة على المدينة الواقعة شمال البلاد.
هذه الواقعة وما تلاها أول من أمس، كانت، حسب وكالة «رويترز»، معبرة عن التحديات التي يواجهها الجيش العراقي المدعوم من الولايات المتحدة في قتاله ضد عدو مستعد للانتحار للدفاع عن آخر معقل رئيسي له في البلاد، فيما هو محاط بما يزيد كثيرا عن مليون مدني. وفتحت القوات الخاصة المعنية بمكافحة الإرهاب والمنتشرة على تقاطعات الطرق النار من الأسلحة الرشاشة بكثافة على أهداف على بعد بضع مئات من الأمتار. يتحرك قناصة محترفون يرتدون السواد عبر أسطح المنازل أو يختلسون إطلاق النيران من منازل ببنادقهم الكلاشنيكوف.
وبعد ساعة استهدفت ضربة جوية من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة موقعا لإطلاق قذائف الهاون تابع لـ«داعش»، قبل أن يطلق الجنود أكثر من عشر قذائف هاون من جانبهم في محاولة للقضاء على مسلح رصدوه وبدا أنه يقترب منهم.
واجتذبت طائرة من دون طيار (درون) تحلق فوقهم طلقات النار من القوات التي لم تكن متأكدة مما إذا كانت تلك الطائرة تتبع «داعش» أم الجيش العراقي. وأثناء كل ذلك يهرب عشرات من السكان الذين يحملون حقائب الظهر وحقائب التسوق وحتى الأواني عبر جبهات القتال، فيما جثم المئات داخل منازلهم في مناطق استعادها الجيش في اليوم السابق.
وأجبر الوجود المكثف للمدنيين في الموصل - وهي ثاني أكبر مدن العراق - الحكومة على إبطاء وتيرة حملتها التي طوقت المدينة تقريبا، لكنها لم تخترق دفاعات المتشددين حتى الآن إلا من الجهة الشرقية.
وكثيرا ما يوجه الجيش موارد لتوفير الطعام والنقل والرعاية الطبية للمدنيين العالقين وسط المعارك. ويضطر الجنود باستمرار لاتخاذ قرارات صعبة بشأن ما إذا كانوا سيخاطرون بأرواحهم بإعطاء السكان ميزة الشك أو فتح النار على من قد يكونون مدنيين أبرياء.
وقال جندي من قوات مكافحة الإرهاب الخاصة، وهو يقف على الطريق الرئيسي في حي التحرير الذي انفجرت فيه السيارة قبل دقائق: «لا يسمح بمرور أي سيارة من هنا... سنطلق النار على أي سيارة نراها تتحرك حتى وإن كانت تقل عائلة بداخلها؛ لأن هناك احتمالاً ليس بالقليل أن ركابها يرتدون أحزمة ناسفة». وحسب النقيب حسام العبودي الذي كان يصدر الأوامر للجنود في حي التحرير، أول من أمس، فإن اختلاط عناصر «داعش» بالسكان أبطأ مساعي الجيش لهزيمة العدو الشرس، لكن لم يوقفها مع حماية المدنيين. وأضاف أن لديهم مصادر وأسماء لمقاتلي «داعش» ويعرفونهم، مشيرا إلى أن السكان يزودونهم بالمعلومات مثل أن يأتي أحدهم ويقول: «(داعش) وضع قناصا أعلى منزلي».
وفي وقت سابق، الخميس، اقترب رجل في حي الزهراء المجاور الذي استعاده الجيش في وقت سابق من هذا الأسبوع من سيارة «همفي» سوداء تابعة للجيش لإبلاغهم بمعلومة. وقال لسائقها عبر النافذة المجاورة له: «الليلة الماضية في نحو الساعة 11 سمعت جدالا عاليا في ذلك المنزل... نعم لونه أحمر. إنه منزل لـ(داعش). أنتم يا شباب بحاجة لتفتيشه».
ولم يتضح إن كانت المعلومة التي أبلغها لهم قد أسفرت عن أي نتائج، لكن مقدما في قوات مكافحة الإرهاب قال إن رجاله في يوم سابق اعتقلوا أربعة من مسلحي «داعش» كانوا مختبئين في منزل في حي الزهراء بناء على معلومة قدمها لهم مخبر آخر.
ويعتمد العراقيون على المخبرين من داخل المدينة في المناطق التي لا يزال «داعش» يسيطر عليها، وفي المناطق التي استعادها الجيش لتقديم معلومات عن كل شيء، بدءا من موقع المشاة وصولا إلى عادات وطريقة تفكير كبار القادة.
وقال علاء يوسف، 47 عاما، وهو من سكان حي الزهراء، إن المدنيين في الموصل عليهم الالتزام بإخبار الجيش عن مسلحي «داعش» الذين اختبأوا داخل المنازل أو حلقوا لحاهم وغيروا ملابسهم، للاختفاء وسط المدنيين.
وقال من خارج منزله الذي ضربته قذائف «مورتر» التي أطلقها «داعش» قبل يومين: «إنها فرصة المدنيين الأخيرة ليكون لهم دور، ليس فقط في حي التحرير ولكن في الموصل بأسرها». وأضاف: «إذا لم يتعاونوا ويتكاتفوا معا، فسنعود للموقف ذاته».
تمييز «العدو» عن «الصديق».. مشكلة القوات العراقية في معارك الشوارع بالموصل
«المخبرون» يقدمون معلومات مهمة عن المسلحين وأماكن انتشارهم
تمييز «العدو» عن «الصديق».. مشكلة القوات العراقية في معارك الشوارع بالموصل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة