روبرت فون نجح في التلفزيون أكثر من السينما

يتسلم 70 ألف رسالة إعجاب كل شهر

روبرت فون (يسار) يحاول إقناع ستيف ماكوين في مشهد بفيلم «بوليت»
روبرت فون (يسار) يحاول إقناع ستيف ماكوين في مشهد بفيلم «بوليت»
TT

روبرت فون نجح في التلفزيون أكثر من السينما

روبرت فون (يسار) يحاول إقناع ستيف ماكوين في مشهد بفيلم «بوليت»
روبرت فون (يسار) يحاول إقناع ستيف ماكوين في مشهد بفيلم «بوليت»

في نهاية فيلم بيتر ياتس «بوليت» (1968) يركب المدعي العام سيارته الحكومية وقد هزمه تحرٍّ لا يعرف المساومة، خصوصًا المساومة السياسية، ويصر على فعل الشيء الصحيح، اسمه فرانك بوليت. القضية في هذا الفيلم البوليسي الممتاز واضحة: شاهد عيان على منظمة، يريد المدعي العام وولتر تشامبرز استخدامه لتحقيق دعاية سياسية تمكنه من الارتقاء إلى منصب أعلى. أما بوليت فهو يريد الوصول إلى الذين تمكنوا من قتل شاهد العيان بصرف النظر عن أي اعتبار آخر. وخلال فصل مشوق تقع أحداثه في مطار سان فرانسيسكو يتواجه بوليت وتشامبرز ويحاول الأخير ثني بوليت عن صيد القاتل، فيقول له بوليت: «أنت سر على رصيفك وأنا سأسير على رصيفي» وينفذ بوليت ما هو بصدده، مما يحمل تشامبرز على مغادرة المكان وقد خسر آمال المنصب الأكبر.
بوليت هو ستيف ماكوين الذي رحل سنة 1980. أما تشامبرز فقد أداه روبرت فون الذي رحل يوم الجمعة الماضي عن 83 سنة. ممثل من أجود المواهب التي انبثقت من السبعينات ومن أشهرها لفترة طويلة. أيام ما قبل الإنترنت كان يتسلم ما معدله 70 رسالة إعجاب في الشهر الواحد.

أوسكار
مثل فون في عدد متساوٍ من الأفلام: 83 فيلمًا من عام 1956 كان «بوليت» نوعًا من التتويج بينها. لكنها حَوَت أيضًا أدوارًا جيدة ومهمّة كثيرة. إنه في فيلم «السبعة الرائعون» لجون ستيرجز (1960) لاعبًا شخصية المقاتل الذي بنى صيته على ادعاء كاذب. حين يأتي اليوم الذي عليه أن يشارك رفاقه المعركة التي يواجهونها ترتجف يداه وتخذله نفسه ويرتعد جبنًا. ليس الدور الذي كان يستحق «أوسكار» أفضل ممثل مساند، لكنه من بين أكثر الشخصيات المشاركة في هذا الفيلم تميّزًا.
لعب كذلك أدوارًا أساسية في «جسر ريماغن» لجون غيلرمن (أمام بن غازارا وجورج سيغال) واستعان به المخرج نفسه لدور آخر في «البرج الجهنمي» (1974) أمام ستيف ماكوين، مرة أخرى، وبول نيومان وويليام هولدن وفاي داناواي. بعده وجدناه في فيلم خيال علمي بعنوان «غزوات ستارشيب» و«اجتياز كوبا» و«العنبر 18» و«سوبرمان 3». ومن آخر ما شاهدناه له مجموعة من الأفلام متوسطة القيمة مثل «حروب العصابة» و«ساعة المرح» و«نجمة ذهبية».
في الحقيقة لم يستطع روبرت فون اختراق الحاجز المعتاد بين الصفين الثاني والأول. ليس أنه لم يؤدِّ أدوارًا بطولية، لكنه لم يتمتع بما يحتاج إليه الممثل - النجم من حضور وتميّز في معالجة أدواره على الشاشة. رغم ذلك لم يخلُ الأمر من أعمال لافتة كان من بينها، لجانب «بوليت» و«الرائعون السبعة»، «الفيلادلفيون الشبان» الذي رشح عنه لأوسكار أفضل ممثل مساند.
الموهبة لا علاقة لها بذلك. فون كان موهوبًا وجيد الأداء فيما يقوم به.
ما افتقده فون في السينما أنجزه على التلفزيون. هو النصف الأميركي من الثنائي الأميركي - الروسي العامل في وكالة مخابرات اسمها U‪.‬N‪.‬C‪.‬L‪.‬E الذي امتدت حلقاته ما بين 1964 و1968 لاعبًا شخصية الجاسوس نابليون صولو. إنها الفترة التي غمرت فيها أفلام جيمس بوند الأولى ومثيلاتها الشاشات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وهو قال عنها: «المسلسل هو نكتة ممتدة من نكتة (جيمس) بوند لتتحول إلى عمل كرتوني ضخم».
شريكه في المسلسل، ديفيد ماكولام، يوازيه عمرًا، إذ احتفل في سبتمبر (أيلول) الماضي بعيد ميلاده الـ83 أيضًا. ومثله لا يزال يتحين الفرص للظهور سينما أو فيديو أو ما شابه.
المشكلة التي واجهها فون في مهنته هي أنه نجح في نوع لا يمكن استعادته في كل عمل جديد. والمشكلة الأخرى أنه حينها لم يكن اقتباس البرامج التلفزيونية للسينما أمرًا رائجًا، وإلا فلو تم له تمثيل دور الجاسوس القادم من تلك المؤسسة (أونكل) في فيلم من أعمال الستينات أو السبعينات لأنجز حضورًا أكثر كثافة مما فعل.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.