ترصد «الشرق الأوسط» في سلسلة حلقات محاولات مدينة بنغازي التي كانت تسيطر عليها الميليشيات المتطرفة، العودة إلى الحياة رغم المصاعب ورغم ضعف إمكانيات الجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر. أهالي المدينة التي تعد ثاني أكبر المدن الليبية بعد طرابلس العاصمة، لديهم إصرار على تنظيف بنغازي من آثار المعارك، لكن ما زالت توجد جيوب في المدينة تثير الخوف والفزع. ومع ذلك تبقى إرادة التغيير والسير إلى الأمام هي الشعار المرفوع هنا. روح معنوية مرتفعة وسط قصص عن بطولات قام بها مجهولون من أجل طرد المسلحين من المدينة.
افتح دكانك.. ارجع إلى بيتك. لكن افعل ذلك وأنت متأهب للخطر. مواقع المتطرفين ما زالت تقاوم في الشوارع الغربية. والخلايا النائمة في الضواحي الآمنة يمكن أن تستيقظ في أي لحظة لتنفيذ عملية خاطفة. والخصوم يحشدون لإعادة السيطرة على الموانئ النفطية. يوجد جيش ورجال لوزارة الداخلية ينتشرون في شوارع بنغازي. لكن الحذر واجب. هبت الرياح صباح يوم الجمعة محملة بالتراب على المدينة. يومٌ يحمل نُذر الخطر. كان يفترض الانتقال إلى منطقة سيدي فرج الواقعة إلى الجنوب الغربي من مطار بنغازي المعروف باسم «مطار بنينة الدولي». كان المتطرفون يحتلون هذه المنطقة الحيوية لعدة أشهر. واليوم جرى طردهم.
البرنامج يتضمن الوصول إلى منزل عميد قبيلة المغاربة الشيخ صالح الأطيوش. وإجراء حوار صحافي معه عن جهود الجيش وشباب بنغازي في الحرب ضد الإرهاب. ثم التوجه معه في سيارته المصفحة لأداء صلاة الجمعة في مسجد أبو بكر الصديق الذي جرى تأسيسه عام 2006 في منطقته على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من منزله. وبعد الصلاة وفقا للبرنامج، يعود الجميع مرة أخرى إلى منزله لتناول وجبة الغداء. لم يكن أحد يعلم أن هناك من ينتظر وراء أشجار الزيتون لتفجير السيارة بمن فيها.
بحلول الساعة العاشرة صباحا كان الغبار قد غطى شوارع المدينة. كانت الإقامة في منزل قريب من محاور القتال بين الجيش والمتطرفين في غرب بنغازي، يعود لأحد شيوخ قبيلة العواقير الكبيرة والقوية في شرق ليبيا. من السهل أن تسمع كل حين وآخر صوت انفجارات المدفعية وتكتكة الرصاص. الطريق من هنا إلى منزل الشيخ الأطيوش لا يقل عن خمسة عشر كيلومترا عبر شارع المطار. وبدأ الاستعداد للتوجه إلى هناك، لكن في اللحظات الأخيرة جرى تغيير الخطة بسبب سوء حالة الطقس.. غبار وريح وانخفاض في مستوى الرؤية. الرأي بتأجيل اللقاء مع الأطيوش إلى المساء. ومع ارتفاع صوت أذان الظهر، وصل الخبر. تفجير سيارة مفخخة لحظة وصول عميد قبيلة المغاربة إلى المسجد.
كانت صحيفة «الشرق الأوسط» هي أول صحيفة عربية تصل إلى هذا العمق من خطوط التماس بين قوات الجيش الذي يقوده حفتر، وبواقي قوات المتطرفين المتحصنين في عدة مناطق في غرب بنغازي. وبدأ عدد من المسؤولين في الاتصال للاطمئنان على أن المبعوث الصحافي ومرافقه محمود، ابن قبيلة القناشات، لم يصابا بسوء في تفجير الأطيوش. كان الاعتقاد ما زال سائدا عن أن هناك صحافيا في سيارة شيخ المغاربة التي تحولت إلى كومة من الحديد الملتوي والمحترق.
في الجهة الأخرى.. أي في منطقة سيدي فرج التي سيطر عليها تنظيم «أنصار الشريعة» الموالي لـ«داعش»، لعدة شهور، يوجد منزل الشيخ الأطيوش وسط بيوت لأبناء عمومته وأقاربه. ويحظى الأطيوش بأهمية خاصة بعد أن أدار بمهارة تسهيل عملية دخول قوات الجيش بقيادة حفتر للموانئ النفطية في الشمال الأوسط من البلاد، واستعادتها من أيدي ميليشيا يقودها أحد أبناء القبيلة ويدعى الجضران.
منطقة سيدي فرج صحراوية وقليلة السكان، ويوجد فيها مزارع للزيتون والخضراوات تروى بالمياه الجوفية. وتنتشر فيها «المزارع» وهي قطع من الأراضي تتراوح مساحاتها بين 500 و3000 متر تخص مواطنين من المدينة. كل مزرعة محاطة بسور ويوجد فيها بعض الشجيرات وغرفة واحدة على الأقل ودورة مياه، ويستخدمها أبناء المدينة في قضاء عطلة نهاية الأسبوع فيها مع الأسرة أو مع الأصدقاء.
وخلال احتلال المتطرفين لمنطقة سيدي فرج استخدموا هذه المزارع في الإقامة والمعيشة وتخزين الأسلحة والمتفجرات والانطلاق منها لتنفيذ الهجمات والعودة مرة أخرى. ولقي كل من الجيش وشبان المنطقة المتطوعين لمحاربة المتطرفين، صعوبة لوقت طويل في هزيمة العدو وطرد الغرباء من سيدي فرج. وخسر أحد قادة المنطقة ويدعى سليمان، كل رجاله ما بين قتيل ومعاق من أجل تحقيق النصر. ويوجد بالقرب من منزل الأطيوش هنا بيوت أخرى فقدت أبناءها في الحرب التي استمرت منذ أواخر عام 2014 حتى منتصف هذا العام.
وينتمي الأطيوش لقبيلة المغاربة المشهورة والموجود أسماء الكثير من قادتها التاريخيين في مذكرات الضباط الإيطاليين الذين غزوا ليبيا في مطلع القرن الماضي. وتتضمن تلك المذكرات، مثل مذكرات الجنرال غارازياني، قصصا عن ضراوة مقاومة المغاربة لأطماع الطليان. ويتركز وجود القبيلة في المنطقة الممتدة بين إجدابيا (على بعد نحو 80 كيلومترا غرب بنغازي) وحتى مدينة سرت (على بعد نحو 600 كيلومتر إلى الغرب من بنغازي). أي أنها موجودة في أغنى منطقة نفطية في ليبيا تحوي نحو 60 في المائة من مخزون البترول في الصحراء المعروفة باسم «الهلال النفطي» وتشرف على أربعة موانئ لتصدير النفط من على ساحل البحر المتوسط.
حين بدأت الفوضى في ليبيا بعد مقتل معمر القذافي، تسابق اللصوص والسياسيون وأمراء الحرب للهيمنة على منابع النفط وعلى موانئ التصدير في عموم البلاد. وساعد على ذلك سماسرة متعطشون للمكسب ينشطون في البحر، ولديهم حقائب من الدولارات وصناديق من الأسلحة. أي أن ثمن أي صفقة يجري تهريبها من الموانئ جاهز، وكما تريد.. أموال سائلة أو سلاح وسيارات.
وأدى احتدام المنافسة على الحقول إلى تراجع الإنتاج والتصدير من نحو 1.6 مليون برميل في اليوم، إلى أقل من 300 ألف برميل في اليوم. وفي خضم هذا الصراع ترأس الجضران ما يعرف بقوات حرس المنشآت النفطية، وجمع عدة آلاف من شباب قبيلة المغاربة وجلس بهم على ساحل البحر ليمنع السفن من شحن النفط من الموانئ. وقال الجضران في ذلك الوقت إنه يفعل هذا الأمر لمنع جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تهيمن على الحكم في طرابلس الغرب، من الاستفادة من عائدات النفط.
استمرت الأوضاع على هذا النحو قرابة 18 شهرا. الموانئ مغلقة، والمفاوضات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة تجري على قدم وساق بين عدة أطراف ليبية في بلدة الصخيرات المغربية. وتنظيم داعش يحصن مواقعه في مدينة سرت المجاورة للهلال النفطي من الغرب. ومدينة إجدابيا، على الحد الشرقي للهلال النفطي، مقسمة بين نفوذ الجضران ونفوذ قوات الجيش الذي يزداد ترابطا وتماسكا بقيادة حفتر يوما بعد يوم. إلى أن جاءت لحظة الصدام. انحاز الجضران للمجلس الرئاسي الذي اقترحته الأمم المتحدة لحكم ليبيا، وانحاز الجيش لقرارات البرلمان التي ترفض إطلاق يد المجلس الرئاسي في البلاد.
قرر الجيش حسم الموقف واستعادة حرس المنشآت النفطية للعمل تحت سلطته، وإخراج الجضران من المشهد. في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي كان الموقف كالآتي.. قوات الجيش تتمركز في منابع البترول جنوبا أي في الجانب الصحراوي من الهلال النفطي. وقوات حرس المنشآت برئاسة الجضران تدير الموانئ النفطية في على ساحل البحر، وهي «الزويتينة» و«البريقة» و«رأس لانوف» و«السدرة». هذا على المستوى العسكري. أما على الصعيد السياسي فقد ظهر الجضران مع مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر، ومع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ليتعهد بأنه سوف يسمح بتصدير النفط لصالح المجلس الرئاسي.
ويقول أحد العناصر القتالية التي كانت تعمل مع ميليشيا الجضران في حراسة المنشآت النفطية، وهو شاب مصاب بشظية في صدره ويقضي فترة النقاهة لدى أقاربه في منطقة سيدي فرج، إنه لا ينتمي إلى توجه معين، وإن عمله في حراسة الموانئ النفطية تحت سلطة الجضران كان في البداية واجبا قبليا.. «أنا من قبيلة المغاربة والموانئ النفطية موجودة في نطاق القبيلة». ويتقاضى عناصر المنشآت النفطية رواتب عن طريق الجضران. ويضيف: «لو وقفنا ضد الجيش لوقعت مذبحة. استمعنا لنداء الشيخ صالح الأطيوش وانسحبنا».
كان عميد القبيلة، الأطيوش، يقوم بدوره مع أبناء قبيلته في منطقة الموانئ النفطية. لا ترفعوا السلاح في وجه الجيش. عودوا إلى حضن القوات المسلحة وإلى حضن الدولة. من يريد أن يلتحق بالجيش فأهلا به وسهلا، ومن يريد أن يعود إلى بيته فهو آمن ولن يمسسه سوء. وأدت سيطرة الجيش بشكل مباغت على الموانئ النفطية إلى إرباك الكثير من عواصم العالم وإلى تضارب مواقف المجلس الرئاسي، وإلى اختلاط الأوراق الليبية في يد كوبلر.
وعلى الجانب الآخر بدأ الاحتفاء بموقف عميد قبيلة المغاربة من جانب المؤسسة العسكرية بقيادة حفتر ومن البرلمان برئاسة عقيلة صالح، ومن جانب القيادات القبلية الموالية للسلطة الشرعية ممثلة في البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق. ويقول البرلمان في سبب تكريم الأطيوش إنه تعبير عن العرفان للدور الذي لعبه، مع شيوخ وأعيان منطقة الهلال النفطي، في دعم الجيش، خاصة في تحريره للموانئ النفطية وحقن دماء الليبيين وعودة تصدير النفط.
وطوال الشهرين الماضيين واصل الأطيوش توجيه النداء تلو النداء لقطع الطريق على أي محاولة للارتداد على الجيش في منطقة نفوذ القبيلة في الموانئ النفطية. يقول الرجل الذي كان أجداده يحاربون المحتلين الإيطاليين في الزمن القديم: الوطن للجميع.. ليبيا للجميع.. والنفط لكل الليبيين. وبينما كانت القوات المسلحة تبسط نفوذها على موانئ رأس الأنوف والبريقة والزويتينة، وجه كلمة للشباب الذين كانوا يقفون مع الجضران، وقال لهم إنه «جرى التغرير بكم.. هناك من أعطاكم فكرة سيئة عن الجيش وعن البرلمان. أطالبكم بالعودة إلى حضن الدولة. عودوا إلى أهلكم، ومن يريد أن ينضم للجيش فالجيش مستعد لقبولهم ومن يريد أن يرجع لبيته فليلقِ السلاح ويرجع في أمان».
ويقول الأطيوش عن الجضران إنه أحد أبناء قبيلة المغاربة، لكن تم استثماره من جانب آخرين استثمارا سيئا ليس لمصلحة الوطن.. «أقول له أنت أخطأت.. ارجع إلى حضن القبيلة وحضن القوات المسلحة، ولو أجرت الدولة التحقيق معك فسيكون تحقيقا عادلا. ولن يصيبك أي ضرر».
قبل تفجير سيارة الأطيوش بليلة واحدة، أي مساء يوم الخميس، الثالث من الشهر الجاري، كان هناك عزاء في منطقة المقزحة، جنوب مطار بنغازي. حضر الكثير من قادة القبائل وقادة من الجيش بعضهم من معاوني المشير حفتر. وخلال مجلس العزاء اتجه الحديث إلى مستقبل الموانئ النفطية. وبدا أن الجضران ما زال يثير القلق لدى البعض. وجرى أيضا ذكر الشيخ الأطيوش والدور الذي يقوم به لحشد القبائل حول الجيش خاصة في منطقة الهلال النفطي ومحاولاته لاستعادة الجضران من ضفة الخصوم ومعاملته معاملة كريمة مع ترك مسألة التحقيق معه للدولة.
لكن هذا الشاب الأسمر، الذي كان مطاردا من الشرطة في مدينة إجدابيا قبل سقوط نظام القذافي، انضم إلى أعداء الجيش والبرلمان. ويتمركز هؤلاء «الأعداء» الآن في بلدة الجفرة، على بعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب من الموانئ النفطية، وهم خليط من ميليشيات جهوية ومذهبية متطرفة كان معظمها يقاتل الجيش في بنغازي حتى شهور قليلة مضت. المثير في الأمر أن وزير الدفاع المقترح في مجلس السراج الرئاسي، على صلة بتلك الميليشيات. ويقول مصدر في الاستخبارات العسكرية في بنغازي: رصدنا تعاون وزير دفاع السراج، المهدي البرغثي، مع هذه الميليشيات لشن هجوم على الموانئ النفطية.
ووفقا لمعلومات الاستخبارات العسكرية في المدينة، فقد شهدت منطقة الجفرة نشاطا محموما قبل محاولة اغتيال الأطيوش بأربعة أيام. وتقول هذه المعلومات إنه في اليوم الأول من الشهر الجاري زار البرغثي قاعدة الجفرة العسكرية (خارج سيطرة حفتر) والتقى هناك مع رائد ليبي يدعى الأزهري، ومع اثنين من العسكريين الأجانب، الأول اسمه إكفين، والثاني يدعى جولياني، بالإضافة إلى مسؤول من إحدى دول المنطقة معني بالملف الليبي، وكذلك في وجود قادة لميليشيات متطرفة من بينهم رجل يلقب بـ«بلعم». ولا يوجد ربط مباشر حتى الآن بين اجتماعات الجفرة، ومحاولة التخلص من الأطيوش، فيما عدا التخطيط للهجوم على الموانئ النفطية.
ويوضح المصدر العسكري أن العناصر القتالية في الجفرة من ليبيين وغير ليبيين ما زالت تصرف لهم رواتب من خزينة الدولة في طرابلس تحت اسم «القوة الثالثة» التي تأسست في عهد الحكومات السابقة التي جاءت بعد القذافي وكان يهيمن عليها كل من جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة.
في اليوم الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري شهدت الجفرة خلافات حول صرف مستحقات المقاتلين الليبيين والأجانب (غالبيتهم مرتزقة أفارقة يطلق عليهم «مجموعة الزرق»)، ويديرهم رجل من مدينة الزنتان. وهدد بسحبهم من الجفرة. لكن تدخل أحد قيادات اتفاق الصخيرات في طرابلس لصرف مستحقاتهم والإبقاء عليهم هناك استعدادا للمشاركة في الهجوم على منطقة نفوذ قبيلة الأطيوش واحتلال الموانئ النفطية. وفي يوم الثالث من نوفمبر وصلت عبر الطائرات شحنات حديثة من الأسلحة إلى الجفرة وأشرف على العملية، وفقا لتقارير أمنية في بنغازي، شخصيات ليبية وأخرى من دول في منطقة الشرق الأوسط. وتشمل صفقة الأسلحة الجديدة صواريخ وقذائف مدفعية ومناظير رؤية ليلية وبنادق قنص وغيرها.
ومن خلال قراءة وجوه الحاضرين في مجلس عزاء المقزحة، يبدو أن الخطر ما زال قائما في قابل الأيام، رغم الجهود الضخمة التي يقوم بها الجيش الوطني بقيادة حفتر. فقد جرى قبل أسبوعين، في ساحة الكيش بوسط بنغازي، تفخيخ سيارة السياسي محمد بوقعيقيص الذي كان يحاول جمع الليبيين في جسم سياسي واحد موالٍ للجيش ومناهض لمجلس السراج والميليشيات التي يعتمد عليها. وقتل بوقعيقيص وثلاثة من مرافقيه.
يقول أحد العسكريين في عزاء المقزحة: «الإمكانيات ضعيفة.. لكن العزيمة على هزيمة الإرهاب كبيرة». كانت الساعة قد وصلت إلى الثانية من فجر يوم الجمعة. والسيارة تعبر في طريق العودة في دروب كان يسيطر عليها المتطرفون حتى وقت قريب. ومن بين الظلام يقف شبان متطوعون لحماية المواقع المحررة. وعلى الجانبين تظهر أمام أضواء السيارة بقايا الدمار الذي خلفته الحرب. ومن المقزحة انعطف الطريق إلى حرم مطار بنينا. هنا يقف جنود بملابس الجيش الرسمية. أعمدة الضوء تكشف كل شيء. تدقيق في الهويات وابتسامة لبث الطمأنينة. ثم هدر المحرك إلى قلب المدينة. ومن الجانب الغربي وصل دوي صوت انفجار مكتوم.
مع صباح الجمعة كان الغبار يغطي المدينة. والحركة شبه مستحيلة. وجرى تأجيل زيارة الأطيوش، والاقتراح بأداء الصلاة في مسجد قريب من وسط المدينة، على أن يكون اللقاء الصحافي معه بعد تحسن حالة الطقس أو في المساء. لكن مع أذان الظهر جاء النبأ بنجاته من محاولة اغتيال. يفترض أن الأطيوش يتحرك بسيارته الخاصة وهي سيارة مصفحة بدأ يعتمد عليها بعد دوره الكبير في موقعة استرداد الجيش للموانئ النفطية. خطة «الإرهابيين» الذين استهدفوه كانت كالآتي.. وضع سيارة مفخخة أمام المسجد وبالتحديد على جانب الطريق الذي سيأتي منه الأطيوش من منزله لصلاة الظهر هنا.
وحين تمر سيارته من جوار السيارة المفخخة يتم التفجير. لكن الظروف لعبت دورا. في هذه المرة لم يأت عميد قبيلة المغاربة بسيارته التي يعرفها المخططون للعملية، ولكنه جاء في سيارة عادية تخص أحد ضيوفه. ومرت بسلام من جوار السيارة المفخخة، إلا أن المخططين رأوا الأطيوش ينزل مع ضيفه فأسرعوا بتنفيذ عملية التفجير وهو يهم بدخول المسجد، ما أدى إلى إصابته في ذراعيه وقدميه وإصابة ضيفه واثنين آخرين أيضا. وأدت شدة الانفجار إلى تحطيم أربع سيارات وإصابة جدران المسجد ونوافذه بأضرار.
وهرع رجال الأمن والجيش إلى موقع الحادث وجرى نقل الرجل وضيفه والاثنين الآخرين إلى مركز بنغازي الطبي. ويقول ميلود الزوي القائد في قوات الصاعقة إن أحد المصابين الأربعة حالته حرجة. وبدأ يتوافد على المستشفى ألوف المهنئين بسلامته. وتحول بيت الأطيوش في منطقة سيدي فرج التي يقع فيها المسجد، إلى مزار لألوف الليبيين الرافضين لعودة الإرهاب مرة أخرى إلى بنغازي.
ووصف فتحي المجبري، عضو المجلس الرئاسي، محاولة الاغتيال بـ«الجبانة» وعدها محاولة لضرب الأمن الذي بدأ يترسخ بالفعل في بنغازي. كما أدان علي القطراني، عضو المجلس الرئاسي، العملية التي استهدفت الأطيوش ووصفها بأنها محاولة من الجماعات الإرهابية لإسكات صوت شجاع مدافع عن قضايا الوطن وداعم للمؤسسات المدنية والعسكرية للدولة. ويعد المجبري والقطراني من أعضاء المجلس الرئاسي الرافضين للكثير من توجهات السراج وكوبلر فيما يتعلق بمستقبل ليبيا.
وفي المستشفى التي جرى تجديدها وعادت إلى العمل بعد أن كان المتطرفون يسيطرون عليها قبل عدة أشهر، بدأ الأطيوش بمعنويات مرتفعة رغم الجروح والضمادات التي تلف ذراعيه وقدميه. ويقول وهو يبتسم: لن يهزمنا الإرهاب.. سأنتظركم لإتمام الحوار الصحافي المرة المقبلة. لكن الطاقم الطبي كان يجهز لنقله عبر الطائرة لاستكمال علاجه في الخارج. ومن جانبها تواصل السلطات في بنغازي التحقيق في الواقعة، حيث جرى القبض على عدة عشرات من المشتبه بعلاقتهم بالجماعات المتطرفة.