محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

غيّر انتماءاته الحزبية 5 مرات في 25 سنة من جمهوري إلى ديمقراطي مرورا بـ«الإصلاح»

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
TT

محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)

استوعبت النخب السياسية والمثقفة الأميركية والعالم صدمة فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وصوبوا تفكيرهم نحو توجّه سياسات واشنطن الداخلية والخارجية في عهده، ومدى التزامه بتطبيق وعوده الانتخابية، وبخاصة تلك التي قد تشكل قطيعة تامة مع عهد الرئيس الحالي باراك أوباما كتراجع الدعم الأميركي لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ومراجعة سياسات الهجرة. وفي مسعى لتصور السياسة الخارجية للسنوات الأربع المقبلة، يحاول الخبراء تحديد شخصية ترامب السياسية، رغم تاريخه القصير في المجال، ولا سبيل لذلك إلا عبر العودة إلى أبرز محطات حياته.
لم يعرف الأميركيون دونالد ترامب بتاريخه السياسي، بل بإمبراطوريته الاقتصادية وشركاته العقارية وملاعب الغولف ومشاريعه التي لم تكن دوما ناجحة، وبرنامج تلفزيون الواقع الشهير «دي إبرينتيس». فبعدما تخرج من كلية وارتون المرموقة لإدارة الأعمال التابعة لجامعة بنسلفانيا ببكالوريوس في إدارة الأعمال عام 1968. انضم إلى شركة والده فريدريك ترامب «مؤسسة ترامب»، وأعاد تسميتها «منظمة ترامب». ومن ثم انطلق في مسيرة التأسيس لإمبراطورية شملت فنادق ومنتجعات ترفيهية ونوادي ليلية وغيرها، التي تخللتها 6 حالات إفلاس معلنة بين 1991 و2009.
* لم يعلن ترامب عن انتماءاته الحزبية قبل عام 1987، فإن مقرّبين منه أشاروا إلى أنه كان معجبا بالرئيس الجمهوري رونالد ريغان وبسياساته.
* بين 1987 و1999، عرّف ترامب نفسه سياسيا بالانتماء إلى «الجمهوري»، قبل أن يغير آراءه وأن ينتسب إلى حزب الإصلاح الأميركي. وشارك رجل الأعمال الملياردير في الانتخابات التمهيدية للرئاسة عن حزبه، إلا أنه انسحب بعد ثلاث سنوات بسبب تدخّل اليمينيين المتشددين ديفيد ديوك وبات بيوكانان في «الإصلاح».
* في عام 2001 قرر ترامب الانضمام إلى الحزب الديمقراطي، متأثرا بمحيطه بعد أن انتقل إلى نيويورك. وبرّر الرئيس المنتخب انتسابه لهذا الحزب خلال حوار مع «سي. بي. إس» في 23 أغسطس (آب) من العام الماضي بقوله إن إقامته بمانهاتن، بوسط نيويورك، أثّرت على توجهاته، وقال: «كنت من منطقة كلها ديمقراطيون، وبصراحة، ومع مرور السنوات، زاد انخراطي في الحزب وتطوّرت».
* بعد مرور 7 سنوات، دعم ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين، وغادر الحزب الديمقراطي منتقلاً إلى منافسه الحزب الجمهوري عام 2009، ثم غادره خمسة أشهر عام 2011 وأصبح مستقلا، قبل أن يعود إلى حزب الجمهوريين ويعد بالبقاء فيه.
وإلى جانب انتماءات ترامب الحزبية «المتنقلة»، إذا صحّ التعبير، التي مكنته من اكتساب معرفة بهيكلة الحزبين الأميركيين الرئيسيين، فإنه عبّر عن طموحاته في الترشح للرئاسة في أكثر من مناسبة. ولعل أبرز اثنتين هما عام 2000 عندما طرح اسمه للانتخابات التمهيدية الداخلية في حزب الإصلاح وقبلها عام 1987 عندما نشر إعلانا على صفحة كاملة في عدد من الصحف الأميركية ينتقد فيه سياسة الدفاع الأميركية، كلفه مائة ألف دولار.
* لم يلمع نجم ترامب السياسي إلا في مسيرته السياسية الأخيرة التي انتهت بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وذلك بعدما اصطدمت حملته الانتخابية بتصريحاته الصادمة التي صورته مهرّجا في أحيان كثيرة. ونجح «المختل»، كما وصفه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، في التفوق على منافسته الديمقراطية والسياسية المخضرمة هيلاري كلينتون بعكس التوقعات، رغم سلسلة تصريحات مثيرة للجدل وعنصرية وداعية للكراهية.
* يمكن تلخيص الوعود التي كرّرها ترامب في تجمعاته الانتخابية الأخيرة في خمس نقاط رئيسية، هدفها «النهوض بأميركا من جديد»، وتشمل الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أميركا، وإصلاح المنظمة السياسية، وتغيير العلاقات التجارية مع الخارج، وإعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية، وتخفيض الالتزام الأميركي بسياسات الحفاظ على البيئة. وبالنسبة لترامب، فإن الانتقال من اقتراح إجراء تغييرات هائلة خلال فترة الحملة الانتخابية إلى مرحلة محاولة المرور بسلام عبر دهاليز الحكومة المعقدة، سيأتي بمثابة اختبار عصيب ومبكر لفترة وجوده داخل البيت الأبيض.
وهنا أبرز ملامح مشروعه السياسي كما عبر عنه:
* الهجرة غير الشرعية:
وعد دونالد ترامب أن يتخذ إجراءات لترحيل ما يصل إلى 11 مليون «مهاجر دون أوراق»، وغير شرعيين، بمجرد تسلمه السلطة. ويشكك خبراء في قابلية تحقيق هذه الوعود لأسباب عدة، تشمل صعوبة التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفيدرالية من جهة، والولايات المتحدة ودول هؤلاء المهاجرين الأصل من جهة أخرى. كما وعد ترامب أن يجعل آليات الموافقة على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة أكثر صرامة ودقة، وهو التزام أكثر واقعية وقابل للتحقيق، خصوصا فيما يتعلق باللاجئين إلى الولايات المتحدة من مناطق النزاع في الشرق الأوسط. وقال إن لديه حلولا تشمل بناء مخيمات ومدن للاجئين في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، بدلاً من ترحيل اللاجئين إلى الولايات المتحدة.
* إصلاح منظومة واشنطن السياسية:
كان أحد أهم شعارات دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية: «تنظيف المستنقع»، في إشارة منه إلى ضرورة تغيير المنظومة السياسية في واشنطن، إذ يعد حديث عهد بالسياسية ودخيلا على العاصمة الأميركية. وانتقد ترامب مرارا السياسيين في واشنطن، وقال إن الفساد سببه تقديم المصالح الشخصية. واقترح المرشح الفائز تعديلا دستوريا يضع قيودًا أكثر صرامة على الفترة الزمنية لأعضاء الكونغرس في مناصبهم، والحد من عدد مرات الترشح. كما وعد بوضع قيود تمنع أعضاء الكونغرس والسلطة التنفيذية من «التحزب»، والانضمام لجماعات ضغط، والمشاركة في «لوبيات» سياسية قبل مرور خمس سنوات من تركهم الوظيفة الحكومية. إلا أن سبل تحقيق هذه الوعود تبدو مستبعدة، وتحتاج المرور عبر الكونغرس.
* العلاقات التجارية مع الخارج:
يعتبر ترامب من أشدّ المعارضين لاتفاقية «نافتا»، وهي اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، التي تضم كلا من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وكان تم التوقيع على الاتفاقية في عهد الرئيس بيل كلينتون. كما أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادي (تي تي بي)، التي تضم أكثر من 12 دولة كانت أيضا محل انتقاد من طرفه، الذي وعد بإعادة مناقشة كل من الاتفاقيتين لتخدم التجارة الأميركية بشكل أكبر. ويبدو أنه باستطاعة ترامب الرئيس إعادة التفاوض بخصوص الاتفاقات التجارية، وهي خطوة من شأنها ترك تداعيات كارثية على أسواق الأسهم والاقتصاد.
* السياسة الخارجية الأميركية:
التزم الرئيس المنتخب شعار «أميركا أولا» في حديثه عن السياسة الخارجية الأميركية. وقال في أحد لقاءاته إن حلف شمال الأطلسي «ناتو» مجحف بحق الولايات المتحدة بحجة أنها أكثر من يساهم بالعدد والعدة وحماية الأعضاء في الحلف من دون مقابل يذكر. وأضاف أن أميركا لن تدافع بعد اليوم عن أي من الدول الأعضاء، ما لم تكن تلك الدولة قد قدمت كل ما عليها من التزامات لدول الحلف. أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، فقد كان من أكثر القضايا التي انتقدها ترامب وذكر أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من هذه الاتفاقية، إذ إنها سمحت لطهران بالحصول على أكثر من 1.7 مليار دولار من السيولة، وفي المقابل، الاتفاقية لا تضمن عدم إنتاج إيران قنبلة نووية. ووعد ترامب أن يتم إعادة مناقشة هذا الاتفاق. وبالنسبة للحرب على «داعش»، فإن الرئيس الجديد لم يكن واضحًا في مخططه، وقال إنه يجب ألا تكون خطوات أميركا في القضاء على «داعش» معلنة، بل «سرية». لكنه لم يتردد في تهديد التنظيم والقضاء عليه.
* السياسات البيئية:
لا يؤمن دونالد ترامب بنظريات الانحباس الحراري، واعتبرها في إحدى تغريداته «مؤامرة صينية لإجبار الولايات المتحدة على خفض إنتاجها».
وأثارت تصريحاته حول البيئة مخاوف خبراء التغيير المناخي، إذ وعد بإلغاء التبرع بمبلغ مليار دولار الذي أقرّه أوباما للمساهمة في البرنامج الأممي لتغيير المناخ. كما قال إنه سيستثمر هذا المبلغ في تطوير البنية التحتية للولايات المتحدة. وبشكل عام، هناك وعود أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية كنوع من المزايدة، ولا يعيرها الخبراء اهتماما يذكر لكونها مجرد شعارات انتخابية غير قابلة للتحقيق، وتهدف لتعزيز فرصه لدى مجموعة معينة من الناخبين. وأبرز هذه الوعود، بناء جدار فصل فعلي على امتداد الحدود الجنوبية للبلاد مع المكسيك يتطلب التزام الكونغرس بتوفير مئات المليارات من الدولارات لإنجازه. وبالمثل، لا يملك ترامب سلطة إجبار المكسيك على تحمل تكاليف بناء الجدار، مثلما تعهد مرارًا، وإن كان بإمكانه تهديد الحكومة المكسيكية بتقليص حجم التبادل التجاري بين الجانبين أو تقليص نشاطات فرض القانون المرتبطة بمكافحة الاتجار في المخدرات.
ولقد كشف التاريخ مرارًا من قبل عن أنه أحيانا يكون من الصعب تنفيذ وعود جرى إطلاقها بسهولة أمام حشود الجماهير المتحمسة. على سبيل المثال، رغم إصدار الرئيس أوباما فور توليه الرئاسة قرارًا بإغلاق السجن العسكري في خليج غوانتانامو في كوبا للإرهابيين المشتبه بهم، فإن أعضاء من الحزبين عارضوا الخطوة. وحتى الأشهر الأخيرة من رئاسة أوباما، لا يزال السجن مفتوحًا.
من ناحية أخرى، فإن فرض رقابة صارمة على المساجد داخل الولايات المتحدة على النحو الذي دعا له ترامب، يتطلب من المحاكم إعادة تفسير الحمايات والحقوق التي كفلها الدستور. وإذا ما رغب ترامب في المضي قدمًا في مقترحه بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي لم يعد يذكره خلال الأشهر الأخيرة من السباق الانتخابي وحذف أمس من موقعه الإلكتروني، فإن هذا القرار سيكون من السهل الطعن فيه فورًا أمام القضاء بوصفه غير دستوري أو يناقض القوانين الحالية، حسبما أكد خبراء قانونيون.
ومع ذلك، فإنه من المحتمل أن يتمكن ترامب من منع دخول مجموعة أضيق نطاقًا من المسلمين الذين يعيشون في أجزاء بعينها من بعض الدول التي يسيطر عليها إرهابيو تنظيم داعش لما تتيحه قوانين الهجرة من تقييد دخول بعض الأفراد بناءً على مخاوف تتعلق بالأمن الوطني.
إضافة لذلك، ثمة وعود أخرى أطلقها ترامب تتطلّب تبديل أولويات عمل الوكالات الوطنية، مثل حديثه عن أنه سيسعى لدفع الكونغرس نحو توفير مزيد من التمويل للبرامج الجاري تنفيذها، مثل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين أصحاب السجلات الجنائية، ووعوده الأوسع نطاقًا بـ«إصلاح الهيئة المعنية بشؤون المحاربين» و«الشروع في الاهتمام بمؤسستنا العسكرية».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».