ولادة عنوان قديم جديد من رحم الـ«آرت ديكو» في مايفير

جولات في رحاب لندن على طريقة «غرايت غاتسبي»

بهو البالم كورت الذي يزوره محبو الآرت ديكو في لندن
بهو البالم كورت الذي يزوره محبو الآرت ديكو في لندن
TT

ولادة عنوان قديم جديد من رحم الـ«آرت ديكو» في مايفير

بهو البالم كورت الذي يزوره محبو الآرت ديكو في لندن
بهو البالم كورت الذي يزوره محبو الآرت ديكو في لندن

بمجرد أن تقع على مسمعك كلمة «آرت ديكو» تتخيل شخصية «غرايت غاتسبي» وتحديدا ليوناردو دي كابريو الذي أدى الدور في الفيلم بشكل رائع، وتتخيل الفتيات في زمن العشرينات والثلاثينات وهم يتمايلن بفساتين بشرابات تتراقص على أنغام موسيقى الجاز، والريش يكلل رؤوسهن واللؤلؤ يغمر أعناقهن بحنان وأحذية بكعوب متوسطة مروسة، والسيجارة التي تترك أياديهن وأحمر الشفاه الداكن.. هذا المشهد يرافق دائما ذكر هذه الحقبة الزمنية التي تميزت بمعمار مميز عرف صالونات الأغنياء على المرايا التي تم استخدامها في مفردات الديكور والأثاث، واعتمد على الأشكال الهندسية المربعة والتموجات المتناغمة.
لا تخلو مدينة واحدة من مدن العالم من معالم الآرت ديكو من أبنية سكنية وفنادق وحتى دور سينما وأماكن سكنية تحولت إلى محلات تجارية، وظلت معالم تلك الحقبة واضحة وتمت مراعاتها بشكل كبير للمحافظة عليها.
ولندن من المدن التي تضم إرثا كبيرا للحقبة الفنية هذه، وتوجد في وسطها وتحديدا في منطقة ستراند، حيث يقع فندق السافوي الشهير ومنطقة بلومزبيري ومايفير كثير من المعالم التي تأخذ بك إلى ذلك الزمن الجميل.
وإذا كنت من محبي المشي ومحبي الآرت ديكو فهناك رحلات منظمة يقودها دليل سياحي في وسط لندن يعرفك على الشوارع التي تختبئ فيها تلك المعالم.
وبما أننا ذكرنا منطقة مايفير في لندن وهي من أكثر المناطق أناقة في المدينة لا يمكن أن نتجاهل فندق «شيراتون غراند بارك لاين» المقابل لحديقة «غرين بارك» والسبب هو أنه يتكلم لغة الآرت ديكو بحذافيرها، والأهم هو أنه أعاد افتتاح أبوابه منذ أسبوعين بعدما كشف النقاب عن أعمال تجديد تكلفت ملايين الجنيهات ضخت الحياة من جديد في ثنايا الفندق البالغ من العمر 90 عاما من التاريخ ومن استقبال أهم الشخصيات والحفلات في قاعة «آرت ديكو بولروم» و«سيلفر غاليري» وتلك القاعة تعتبر من أشهر القاعات في لندن التي شهدت أهم المناسبات واستقبلت ارفع الشخصيات.
آرت ديكو وعصرية
303 غرف وأجنحة تمت إعادة ترميمها من دون التخلي عن شكلها القديم ولكن مع ضخ جرعة عصرية من حيث الألوان، ومن أجمل ما تراه في هذا الفندق التاريخي البهو الرئيسي أو ما يعرف باسم «بالم كورت لاونج» المقسم على شكل أقفاص ومن أفضل الأوقات للجلوس فيها فترة تقديم الشاي بعد الظهر على أنغام الموسيقى.
والديكور على شكل «أقفاص» له قصة وهي أساس بناء الفندق عام 1913، حيث كان يطلق على الفندق وقتها اسم «قفص العصفور» أو The birdcage وكان المبنى الوحيد في لندن الذي يتمتع بقاعدة من الحديد ولكن لم يتمكن أصحاب المبنى من الاعتناء به بسبب تكلفة الحديد الباهظة خلال اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ولحسن الحظ اشترى المبنى لاحقا عمدة لندن اللورد برايسويل سميث وفي عام 1924 استؤنفت عملية البناء من جديد، وفي تلك الفترة كانت لندن هي مهد فن «الآرت ديكو» وكانت تعتبر مغناطيس الطبقة الارستقراطية والفنانين والمثقفين المؤثرين في المجتمع ليصبح بذلك هذا المبنى أهم عنوان في مايفير، حيث جمع تحت سقفه الفن والروعة المعمارية والثقافة وتم افتتاحه كفندق «بارك لاين» عام 1927 ليحتفل في يناير (كانون الثاني) بعيده التسعين.
منطقة بارك لاين من أشهر المناطق لدرجة أنها ثاني أشهر منطقة على خريطة لعبة المونوبولي الإنجليزية المعروفة التي أطلقت عام 1936 وعندما افتتح الفندق عام 1927 كان يعرف سائقو التاكسي الإنجليز المبنى باسم «أميريكان ويرهاوس» وكان في الأساس عبارة عن شقق فخمة وبعدها تحول إلى فندق راق.
ويضم البهو الرئيسي في الفندق اليوم أهم التحف التي تحكي تاريخ الفندق الجميل بالإضافة إلى المفتاح القديم والأصلي للغرفة رقم 845 ونسخة عن مجلة كانت توزع داخليا يعود تاريخها إلى عام 1929 ورسالة من السير برايسويل سميث يعود تاريخها إلى عام 1939 تعلم النزلاء بأن الفندق هو من أكثر الأماكن أمنا في لندن.
ما يميز الفندق من الخارج واجهته البيضاء التي صممت لتكون مقاومة للنيران وهذا ما يفسر محافظتها على لونها الأبيض من دون أي تغير طارئ على مدى السنين.
وما يميز الفندق أيضا ممراته الواسعة وكان يعتبر من أكبر الفنادق بالمقارنة مع تلك الأخرى الموجودة في الأماكن المحيطة مثل سانت جيمس وهايد بارك كورنر وغرين بارك والسبب هو أن الأميركيين كانوا يأتون إلى لندن عبر البحر للبقاء لفترة شهرين وأكثر وكانوا يصطحبون معهم صناديق العفش والحاجيات عملاقة الحجم.
في الماضي كان الفطور يحمل اسم السير برايسويل وكانت هذه الوجبة من بين أكثر ما ينظر إليه في هذا المكان على أنه ترجمة حرفية للرقي والارستقراطية واليوم تغير الاسم وبقيت النوعية هي نفسها، وتحولت غرفت الفطور إلى مطعم إيطالي يحمل اسم «ميركانتي» Mercante يقدم المأكولات الإيطالية التقليدية وجميع المنتجات المستخدمة في أطباقه مستوردة من إيطاليا ويشرف على المطعم الشيف الإيطالي ديفيدي ديغنازيو.
ويوجد في جميع الغرف تمثال لكلب دلماسي ليجسد تصوير فيلم 101 Dalmatians في أرجاء الفندق.
الزوار الذين نزلوا في الفندق عام 1927 كانوا يدفعون ثمن الغرفة (14 شيلنغ) و6 بنسات وثمن غرفة لشخصين (52 شيلنغ) وهذا الشيء يشعرك بأهمية وعظمة هذا المكان التاريخي، واللافت هو أن أسعار اليوم تبدأ من 249 جنيها إسترلينيا للغرفة الواحدة.
رحلات لاستكشاف روعة
«الآرت ديكو» في وسط لندن
ينظم يانيك بوتشي رحلات مشيا على الأقدام متخصصة بالآرت ديكو، يبدأها من القاعة الكبرى في الفندق التي تعتبر بداية هذا الفن في لندن وبعدها يأخذك في رحلة يشير خلالها إلى المباني التي بنيت على هذا الطراز ومن ثم تصل إلى محلات تجارية مثل محلات «سوبر دراي» الذي يضم ثريا عملاقة من وحي هذا الطراز وتمت المحافظة عليها وتم العمل على حفظها من التجديدات والديكورات العصرية في المحل.
والجميل خلال هذه الرحلة هو أنك ستستفيد كثيرا من معلومات يانيك وإلمامه بهذا النوع من الرحلات ومعرفته الواسعة بهذا الفن والمنطقة، فهو يعرف الشوارع بكل زواياها وخباياها، وفي حال كنت تعيش في لندن ستفاجأ بالكم الهائل من الأشياء التي كنت تجهلها من قبل وكنت قد مررت بجانبها من دون إعارة أي اهتمام.
والأهم في مثل هذه الرحلات هو التطلع إلى أعلى لأنك ستفاجأ بما تحتفظ به لندن من خبايا وأسرار وجمال وفن في الهواء الطلق. ويقدم يانيك رحلات مخصصة للآرت ديكو، الأولى في محيط منطقة ستراند والثانية في شوارع بلومزبيري والثالثة في وسط لندن الذي يعرف باسم «West End» وستفاجأ خلال تلك الرحلات بالمباني والمعالم التي شيدت على هذا النمط، ومنها المكاتب ودور السينما والفنادق والأبنية السكنية أيضا.
شاي بعد الظهر في «قفص»
بمناسبة إعادة افتتاح فندق شيراتون غراند بارك لاين، تم التركيز على نمط الفندق الذي يعود إلى فترة العشرينات والثلاثينات، وبما أننا ذكرنا تصميمات وديكورات البهو الرئيسي الذي يرتكز على فكرة أقفاص العصافير، ارتأت الإدارة بأن تضيف فكرة جديدة للافتتاح الذي كان يعبق بموسيقى الجاز وأجواء تعود بك إلى فترة زمن غابر جميل، فكانت العارضات الفارهات تتبخترن بثياب تعكس تلك الفترة.
وللاحتفال بهذه المناسبة قدم الشاي الإنجليزي فترة بعد الظهر على متن حافلة نقل بطابقين مخصصة لتقديم الشاي، والجميل هو أن تصميم المقاعد أشبه بالأقفاص، كما أن الحافلة تجوب بك في شوارع لندن وتعرفك على أجمل معالم المدينة السياحية بدءا من منطقة غرين بارك، ومرورا ببيكاديللي وسانت جيمس وقصر باكينغهام، وعبورا لأهم جسور لندن ومشاهدة ساعة بيغ بين ومبنى البرلمان ووصولا إلى منطقة فيكتوريا.
تستغرق الرحلة نحو الساعتين تتناول خلالها الشاي التقليدي مع الساندويتشات والحلويات تماما وكأنك في فندق أو أي مكان آخر مخصص لتقديم الشاي الإنجليزي.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».