لبنان: خلافات حول الحقائب الوزارية في أول أيام الاستشارات الحكومية

نصر الله يفوِّض بري.. والحريري يلتقي كتلته اليوم

أطفال يحملون صورة للحريري لدى احتفالهم بإعلان تكليفه برئاسة الحكومة في بيروت (رويترز)
أطفال يحملون صورة للحريري لدى احتفالهم بإعلان تكليفه برئاسة الحكومة في بيروت (رويترز)
TT

لبنان: خلافات حول الحقائب الوزارية في أول أيام الاستشارات الحكومية

أطفال يحملون صورة للحريري لدى احتفالهم بإعلان تكليفه برئاسة الحكومة في بيروت (رويترز)
أطفال يحملون صورة للحريري لدى احتفالهم بإعلان تكليفه برئاسة الحكومة في بيروت (رويترز)

مع انطلاق الاستشارات النيابية غير الملزمة التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بدأت تظهر بعض المؤشرات الخلافية بين الفرقاء السياسيين حول الحصص الوزارية ومطالب كل فريق في موازاة التباين في المواقف حول صيغة الحكومة، بين «الوحدة الوطنية» أو تلك التي تقتصر على الموالاة، رغم تأكيد كل من الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون على بذل الجهود لعدم إبعاد أي جهة وكي تكون حكومة جامعة لكل الأطراف.
ويوم أمس، عاد رئيس الجمهورية وأكد خلال استقباله وفد سفراء مجموعة الدعم الدولي، أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة يتعزز فيها الاستقرار السياسي باحترام الميثاق والدستور، مشددا على أن «تطبيق القوانين هو المعيار الوحيد الذي يرسم حركة الدولة ومؤسساتها لإنهاء حالة التراخي». ولفت إلى أن أولويات المرحلة المقبلة هي إنجاز قانون جديد للانتخابات النيابية التي ستجري في موعدها، مضيفا: «جمع اللبنانيين حول سياسة داخلية وطنية، سيليه جمعهم حول سياسة خارجية واحدة».
وفي وقت تتجه فيه الأنظار إلى موقف الثنائي الشيعي (ما يسمى «حزب الله» و«حركة أمل») من المشاركة في الحكومة بعد تلويح رئيس مجلس النواب نبيه بري باحتمال بقائه في المعارضة، أعلن يوم أمس أمين عام ما يسمى «حزب الله» حسن نصر الله، تفويضه لبري للبحث باسمه بشأن الحصص الوزارية، في حين قال النائب في «تكتل التنمية والتحرير» الذي يرأسه بري، علي خريس، إن قرار الكتلة في المشاركة أو عدمها سيكون موحدًا مع حلفائها، ما يسمى «حزب الله» ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، مؤكدا في الوقت عينه مدّ اليد للآخرين ومقاربة الملف الوزاري بإيجابية، مع العلم بأن فرنجية أعلن بعد لقائه الحريري أمس، أنه طالب بتمثيل كتلته بحقيبة أساسية في حكومة وحدة وطنية.
وفي حين قال النائب في «القوات» جورج عدوان يوم أمس بعد لقاء الكتلة مع الحريري: «نريد حكومة يلتزم بها الجميع وبقراراتها دون غياب أو تعطيل، ومن يريد ممارسة التعطيل أو المعارضة فالباب مفتوح له ليكون خارج الحكومة»، وهو ما سبق لرئيس الحزب سمير جعجع أن أعلنه، أوضح النائب في الكتلة نفسها، أنطوان زهرا لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك فرقا بين حكومة الوفاق الوطني وبين تلك التي تعمل للوفاق الوطني، وبالتالي عندما نقول تبقى المعارضة خارج الحكومة فليس القصد إبعاد طرف معين، إنما انطلاقا من أن إشراك كل المكونات يعطّل الديمقراطية وبالتالي من الأفضل أن تسير الأمور بشكل طبيعي من خلال وجود الموالاة والمعارضة، في وقت اعتدنا منذ اتفاق الطائف على حكومات الوحدة الوطنية، الأمر الذي عطّل المساءلة والمحاسبة».
وعلى الرغم من أن زهرا اعتبر شبه الإجماع على شخص الحريري بتسميته رئيسا للحكومة أمرا جيدا، فإنه رأى فيه إشارة سلبية في سعي كل الأطراف إلى مطالب وزارية، وبالتالي فكل من سمّاه يريد الحصول على المقابل عبر الوزارات.
ونفى زهرا المعلومات التي تشير إلى أن المباحثات الوزارية تجري فعليا في الكواليس والاستشارات النيابية ليست إلا شكلية، قائلا: «لا بأس أن يكون هناك بعض المباحثات في الكواليس، إنما لا يعني أنها نهائية، وعلينا انتظار انتهاء الاستشارات والبدء بالبحث العملي ليبنى على الشيء مقتضاه».
وفي ضوء الجدل غير المباشر بين «القوات» ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول المطالبة بوزارة المال، قال زهرا: «يجب أن تتمثل القوات بشكل لم تتمثل به سابقا، حيث لم تكن لها مشاركة فعلية في الحكم قبل ذلك، وهذا يجب أن يتم انطلاقا من حجمها التمثيلي والسياسي ومشاركتها البرلمانية المشرفة لتكون شريكا فعالا في الحكم، بما لا يقل عن وزارة سيادية نفضّل أن تكون المالية ووزارات أخرى خدماتية، وهذا ما سنطالب به رئيس الحكومة المكلّف وننتظر منه الرد». وهو ما أعلنه عدوان أيضا، قائلا: «القوات تطالب بحقيبة سيادية ووزارة خدماتية أساسية ووزارة متوسطة».
في المقابل، نفى خريس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» البحث في الحصص والحقائب خلال لقاء الكتلة الحريري، لافتا إلى أن هذا الأمر متروك للرئيس بري متمنيا على الأطراف السياسية عدم رفع سقف المطالب وتسهيل تأليف الحكومة. ولفت إلى أن الحديث بتفاصيل توزيع الوزارات سيتم لاحقا بعد حسم صيغة الحكومة، وهل ستكون مؤلفة من 24 أو 30 وزيرا، وإذا اعتمد الخيار الثاني فيجب أن يحصل الشيعة، أي الحزب و«حركة أمل» على 5 وزارات بينهما واحدة سيادية على الأقل. وحول الخلاف بشأن وزارة المالية مع «القوات» قال خريس: «ننتظر ونرى في الأيام المقبلة كيف ستحسم الأمور».
وعن اجتماع الكتلة مع الحريري ضمن مواعيد الاستشارات النيابية يوم أمس، أكد خريس أنه لم يتم خلال اللقاء الحديث عن الحقائب والحصص، إنما كان التأكيد على كيفية عمل الحكومة والتركيز على الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد والتوافق على قانون عصري للانتخابات، إضافة إلى إقرار موازنة في أسرع وقت. وهو ما أعلنه النائب في كتلة بري أنور الخليل، بعد اللقاء مع الحريري قائلا إن «الاجتماع كان مفيدا ومنتجا وصريحا جدا في كل الأمور التي تهمنا وتهم المواطن»، مضيفا: «لم نطلب حقائب معينة على الإطلاق ولكن طلبنا أن يكون الأمر عادلا بين الناس».
وكان الحريري قد استهل استشاراته النيابية في يومها الأول ظهرا، باستقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن ثم بلقاء جمعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام، وآخر مع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي قال: «وصلنا إلى مرحلة لم يعد بإمكاننا التساهل في إدارة الشأن العام»، مضيفا: «نحن في حاجة إلى تشكيل حكومة بشكل سريع، وذلك يقتضي تعاون جميع المعنيين بالشأن السياسي لتسهيل عملية التأليف».
من جهته، أكد رئيس حزب الكتائب، سامي الجميل وكتلته، بعد لقائه الحريري: «في هذا الجو الإيجابي الموجود في لبنان، لا يمكننا إلا أن نكون إيجابيين، ونعطي فرصة لإنقاذ لبنان من واقعه المرير». كما قال النائب في «تكتل التغيير والإصلاح» إبراهيم كنعان بعد الاجتماع مع الحريري، إنه «ليس الوقت للحديث عن المقاعد الوزارية، لكننا طالبنا بتمثيل الأقليات في الحكومة وطرحنا مسألة المداورة بالحقائب».
وعلى صعيد البيان الوزاري، قال كنعان: «إن خطاب القسم شكل نقطة التقاء وتأييد من مختلف الكتل النيابية بالعناوين التي حملها». وفيما من المتوقع أن تلتقي كتلة ما يسمى «حزب الله» الحريري اليوم، ضمن مواعيد اليوم الثاني للاستشارات النيابية، وهو اللقاء المباشر الأول من نوعه منذ سنوات، دعا نصر الله أمس «إلى التعاطي بإيجابية مع العهد الجديد؛ لأننا أمام فرصة ذهبية للحفاظ على بلدنا ومواجهة التحديات، ورهاننا كبير على قدرة الرئيس عون في إدارة الملفات».
وقال في كلمة له: «لم نسمّ الحريري لكننا قمنا بكل ما يلزم لتسهيل التكليف، وندعو إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، ففي كل الحكومات السابقة كان تكتل التغيير والإصلاح يشعر بالغبن، وكنا نحن وحركة أمل لا نقبل بأي تشكيلة لا ترضيه». ورأى أن «من حق الرئيس بري على التيار الوطني الحر ألا يشارك في حكومة لا تشارك فيها حركة أمل». وقال: «لا أحد يريد أن يعطل تأليف الحكومة، ولكن الرئيس بري هو من يفاوض باسمنا». وأضاف: «لنضع خلافاتنا جانبا، نحن نريد لهذا العهد أن ينجح كما الحكومة. المطلوب التعاطي بإيجابية، وهذا ما ننتظره، سنساعد ولن نألو جهدا، ولكن الأساس التعاطي معنا بصدق».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».