تنفس وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف الصعداء بعد ظهر أمس، بعد أن نجحت عملية إخلاء المخيم الذي لجأ إليه نحو 3800 لاجئ من جنسيات متعددة، غالبيتهم من الأفغان والسودانيين والإريتريين، في أحياء باريس الشمالية.
ويأمل كازنوف في أن يكون قد أقفل نهائيًا ملف اللاجئين، بعد إخراج لاجئي كاليه من مخيم الغابة، من الكبار والصغار، وتوزيعهم على عدة مئات من مراكز الاستقبال والتوجيه في كل المناطق الفرنسية. بعد ذلك، تم أيضًا بنجاح التخلص من معضلة القاصرين في كاليه، عن طريق نقلهم إلى مراكز خاصة، ودفع بريطانيا إلى مد يد المساعدة إلى فرنسا عن طريق تسريع العمل بفحص ملفات القاصرين الراغبين في اللجوء إلى بريطانيا، والذين لهم علاقات قرابة في هذا البلد. وحقيقة الأمر أن صور البؤس والعنف في كاليه حفزت الحكومة لمضاعفة جهودها من أجل إغلاق هذا الملف في الوقت الذي دخلت فيه البلاد في مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية، وبفعل ميل اليمين واليمين المتطرف إلى استغلال موضوع اللاجئين في كاليه، الذين تحولوا إلى مشكلة سياسية وأمنية على السواء دفعت بوزير الداخلية ورئيس الجمهورية إلى مضاعفة الجهود، والضغط على لندن لتحمل مسؤولياتها وعدم إلقائها على الجانب الفرنسي. لكن ما حصل هو أن العشرات، بل ربما المئات، تبخروا من مراكز الاستقبال والتوجيه، واختفوا في الطبيعة، ليظهروا بعد أيام قليلة تحت جسور المترو في مناطق باريس الشمالية. وجاءت صور الخيم العشوائية والأطفال والنساء والظروف المزرية لوجودهم في العاصمة الفرنسية، لتضغط على الحكومة وبلدية باريس لإيجاد حلول سريعة لهؤلاء. وما حصل هو أنهم قد وزعوا على عشرات المراكز في المنطقة الباريسية التي ستوفر لهم المأوي والاحتماء من البرد وطقس الخريف البارد. وهكذا منذ الصباح الباكر كانت الحافلات التي أمنتها وزارة الداخلية جاهزة لنقل هؤلاء اللاجئين الذين اعترف كثير منهم أنهم لا يدرون حقيقة إلى أين ينقلون، لكن رغم ذلك بدوا، وبينهم نساء وأطفال، سعداء بأن تهتم بهم السلطات الرسمية، وأن تجد لهم سقفًا يحتمون به.
هل يعني ذلك أن فرنسا طوت صفحة اللجوء، وتحولت إلى جهة ناصعة البياض؟
الجواب بالنفي قطعًا لأن التجربة علمت السلطات الفرنسية في السنوات الماضية أن مخيمات اللجوء العشوائية ما تكاد تقتلع من هنا حتى تظهر هناك، والدليل على ذلك أن مخيم باريس نفسه تم إفراغه مرتين هذا العام، لكنه امتلأ مجددا بفعل عودة من تم ترحيلهم من جهة، ووصول وافدين جدد من المهاجرين الذين يعبرون المتوسط كل يوم انطلاقا من الشواطئ الليبية بشكل خاص. وتفيد أرقام وزارة للداخلية أن ما لا يقل عن مائة ألف شخص قدموا هذا العام طلبات لجوء إلى فرنسا، مقابل 80 ألفًا العام الماضي. لكن هذه الأرقام لا تأخذ بعين الاعتبار هؤلاء الذين يعبرون الحدود الفرنسية، ويختفون عن الأنظار، وبطبيعة الحال لا توجد إحصائيات دقيقة عن هؤلاء الوافدين الذين لا يدخلون في أية جداول إحصائية.
وبسبب الحملة الانتخابية، والعمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا في الأشهر الماضية، وأن ثمة من تسلل بين اللاجئين من مرتكبي اعتداءات شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، فإن هذا الموضوع أصبح بالغ الحساسية، وتحول إلى سلاح لليمين بجناحيه الكلاسيكي والمتطرف لمهاجمة الحكومة اليسارية واتهامها بالعجز عن توفير الأمن والحماية للفرنسيين، بسبب تراخيها في مسألة الهجرات غير الشرعية. وأول من أمس، قال الرئيس فرنسوا هولاند الساعي للترشح لولاية رئاسية ثانية، إن بلاده لم تعد قادرة على تحمل مخيمات عشوائية بهذا الشكل في قلب العاصمة، وإنه يتعين عليها أن توفر للاجئين ظروف استقبال لائقة. وسعت بلدية باريس لقلب هذه الصفحة عن طريق إقامة مركزي استقبال على أطراف العاصمة نفسها، الأمر الذي أثار حفيظة سكان الدائرة الـ16 في باريس التي تتميز ببورجوازيتها. لكن رغم ذلك، فإن المشكلة لم، ولن تحل، بهذا النوع من التدابير، ولعل أفضل تشبيه جاء على لسان مقيم في شارع جانجوريس، قال أمس لوكالة الصحافة الفرنسية إن إزالة المخيم تشبه جهدًا لإفراغ المحيط بملعقة، داعيًا محدثه للعودة بعد أسابيع قليلة، حيث سيكون المخيم قد امتلأ مجددًا.
السلطات الفرنسية تفرغ مخيمًا في باريس من اللاجئين
100 ألف طلب لجوء في 10 أشهر.. وأعداد «غير الشرعيين» تقدر بمئات الآلاف
السلطات الفرنسية تفرغ مخيمًا في باريس من اللاجئين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة