هبت عاصفة ترابية، قبل يومين، على أجزاء من الموصل، دفعت أعضاء من «داعش» للترويج بين السكان أن ذلك رسالة إلهية لرفع المعنويات، وتغييب رؤية القوات العراقية، لكن ذلك لم يدم طويلاً حتى غسل المطر آثار الغبار والتراب، فأصبح قادة التنظيم محل تندر وسخرية السكان المحليين.
من جهة أخرى، ومع بدء دخول قطعات الجيش العراقي من جهاز مكافحة الإرهاب أولى أحياء مدينة الموصل، في منطقة كوكجلي بالساحل الأيسر من المدينة، كشفت وزارة الهجرة والمهجرين عن حصول موجة نزوح جديدة، مما عزز المخاوف من خروج أعداد غير مسيطر عليها من المدنيين المحاصرين داخل المدينة، لا سيما في الساحل الأيمن الذي يعد الأشد ازدحاما، والذي يقطنه وحده حسب تقديرات الخبير الأمني المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، نحو «مليون إنسان». وفي سياق المخاوف من عمليات الهجرة الجماعية، كشف وزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد الجاف عن حصول موجة نزوح جديدة من المناطق المحررة ضمن عمليات تحرير نينوى. وقال الوزير، في بيان له أمس (الأربعاء) تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «الوزارة استقبلت ونقلت أكثر من 3 آلاف نازح من مناطق نينوى إلى مخيماتها في الخازر وديبكة وزيلكان وجدعة».
وقال الجاف إن «فرق الوزارة استقبلت 3023 نازحًا من المناطق التي يجري تحريرها في محافظة نينوى، ونقلتهم إلى مخيمات الوزارة في الخازر ومخمور والقيارة وبعشيقة، بالتعاون مع وزارة النقل»، مضيفا أن «719 منهم نزحوا من قريتي كوكجلي وبرطلة، وتم نقلهم وإيوائهم في مخيم حسن شام في ناحية الخازر، ٣٧ كم شرق الموصل، و269 نازحًا من منطقتي قراج والحويجة تم إيوائهم في مخيمات ديبكة التابعة لقضاء مخمور، إضافة إلى 1585 نازحًا من مناطق أبو جربوع وناروان وبعشيقة إلى مخيم زيلكان، و450 نازحًا من ناحيتي الشورة والنمرود إلى مخيم جدعة، في ناحية القيارة».
وأشار الوزير إلى أن «أعداد النازحين من مناطق محافظة نينوى، منذ انطلاق عمليات تحريرها، بلغت 19528 ألف نازح»، لافتا إلى أن «فرق الوزارة توزع بينهم المساعدات الإنسانية والاحتياجات الضرورية، حال وصولهم إلى المخيمات». لكن هذه الأرقام لا تصمد، طبقًا لتحليلات الخبراء، في حال بدأت العمليات العسكرية في الساحل الأيمن التي يرى فيها الهاشمي «إمكانية تكرار نموذج حلب السورية، في حال لم يتم السماح للمواطنين بالخروج من المدينة، من منطلق أن الاستراتيجية الجديدة التي أفصح عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ يومين، وهي القضاء على (داعش) في الموصل، وعدم السماح لهم بالانسحاب»، مبينا أن «الخوف من نزوح المدنيين، وعدم توفر ممرات آمنة لهم، يستند إلى أن الدواعش يمكن أن يتسللوا بين النازحين، وبالتالي يخرجوا من المدينة، ويستمروا مصدر تهديد، سواء انتقلوا إلى مناطق أخرى خارج الموصل، أو خرجوا إلى سوريا».
ويضيف الهاشمي أنه «في حال بقيت عناصر (داعش) داخل المدينة، وتم استخدام مفرط للقوة من قبل الجيش أو التحالف الدولي، مثلما حصل في الرمادي، حيث تم تدمير البنية التحتية هناك، فإنه وبسبب كون الموصل مزدحمة بالسكان، وليست مثل الرمادي التي كانت خالية تمامًا من السكان، فإن نموذج حلب قد يتكرر في الموصل، وهو سيناريو خطير بكل تأكيد».
وبين نموذج حلب الذي يحذر منه الهاشمي، وما يعيشه عناصر تنظيم داعش من تناقضات وصلت بهم حد استدعاء الخرافات والأساطير، في محاولة لرفع الروح المعنوية لمقاتليهم، يقول عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى أحمد الجبوري الذي يشترك في العمليات القتالية مع عدد من نواب الموصل، إن «عاصفة من الغبار هبت على مدينة الموصل، مساء أول من أمس، وأدت إلى انعدام الرؤية تماما، مما جعل عناصر (داعش) يعلنون عبر مكبرات الصوت أن هذه العاصفة أرسلها الله». ويضيف الجبوري أن «الذي حصل بعدها أن السماء أمطرت وغسلت المدينة من موجة الغبار، وأصبحت سماء الموصل صافية، مما دحر دعاية (داعش) التي حولتهم إلى مصدر سخرية وتندر من قبل أهالي المدينة». وفي وقت عدت فيه عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى نورة سالم أن مرحلة ما بعد «داعش» في الموصل تعد بمثابة اختبار حقيقي لنيات الجميع في التعايش السلمي، فإن عضو البرلمان عن نينوى عبد الرحيم الشمري عد من جانبه أن عملية التدقيق الأمني للنازحين، لا سيما على صعيد تشابه الأسماء، باتت تمثل مشكلة بحد ذاتها.
وقالت سالم، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «مرحلة ما بعد طرد (داعش) من الموصل ستكون الاختبار الواقعي لقيادات العراق السياسية بمختلف انتماءاتها وصناع القرار السياسي، ببناء الدولة أو ترسيخ اللادولة، لاعتماد سياسة وطنية تجمع العراقيين، ولا تفرق شملهم بعناوين ثانوية، كالطائفة أو المذهب أو القومية». وأضافت سالم أن «تحرير الموصل من (داعش) يجب أن يكون نقطة بدء التعافي في إعادة بناء هيكل الدولة وسلطتها، وإلا سيزداد أعداد الناقمين على تراجع الأوضاع، وسوء إدارة البلاد، وحكم الأحزاب المتنافرة»، موضحة أن «تحرير الموصل، وإنهاء ملف (داعش)، فرصة ذهبية للأطراف العراقية المختلفة لإعادة بناء الدولة والمجتمع العراقي على أسس سياسية ودستورية جديدة، إذ لا يمكن تجاوز أخطاء المرحلة السابقة، بالاعتماد على السياسة الحالية وآلياتها ومنهجيتها في إعادة التوازن للدولة، وتوطيد الأواصر الوطنية بين مكونات المجتمع العراقي المتمسك بوحدته».
من جانبه، أكد عبد الرحيم الشمري أنه «لوحظ أن هناك مشكلة تواجه المواطنين لدى فرق التدقيق الأمني، حيث يتم حجز بعض المواطنين، ونظرًا لتشابه الأسماء، ولغرض تلافي هذه المشكلة القديمة الحديثة، نطلب من وزارة الداخلية والجهات المعنية تهيئة قاعدة بيانات إلكترونية للمطلوبين والذين صدرت بحقهم مذكرات قبض أو المطلوبين أمنيًا، وأن يشمل ذلك (الاسم الرباعي، واسم الأم، والمادة القانونية)، وأن تنتهي هذه المشكلات التي آذت المواطنين في السابق.
معركة الموصل: عاصفة ترابية تنعش آمال «داعش» مؤقتًا ومخاوف من تكرار نموذج حلب
19 ألف نازح من المحافظة.. ومطالبات بتسهيل خروج المدنيين
معركة الموصل: عاصفة ترابية تنعش آمال «داعش» مؤقتًا ومخاوف من تكرار نموذج حلب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة