ضعف الرئيس هولاند سياسيًا سيحرمه من {ولاية ثانية}

85 % لا يريدونه مرشحًا و11 % فقط لديهم رأي إيجابي إزاءه

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مغادرته قصر الإليزيه (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مغادرته قصر الإليزيه (أ.ف.ب)
TT

ضعف الرئيس هولاند سياسيًا سيحرمه من {ولاية ثانية}

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مغادرته قصر الإليزيه (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مغادرته قصر الإليزيه (أ.ف.ب)

تعيش الرئاسة الفرنسية هذه الأيام حالة من «انعدام الوزن» السياسي تنعكس في تجاذبات على رأس هرم الدولة بين الرئاسات الثلاث، وفي تراجع حاد لشعبية الرئيس فرنسوا هولاند، بالإضافة إلى تآكل أنصاره داخل الحزب الاشتراكي واليسار بشكل عام.
وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال حتى بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، حيث أعلن هولاند أنه سيكشف عندها عما إذا كان سيخوض مجددا غمار الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية، فإن الرئيس الحالي سيكون مضطرا إلى التخلي عن حلم البقاء في قصر الإليزيه خمس سنوات إضافية.
كانت القشة التي قصمت ظهر البعير صدور كتاب لصحافيين يعملان لصالح جريدة «لوموند» المستقلة، وهو يوثق لواحد وستين لقاء مع هولاند منذ انتخابه لرئاسة الجمهورية ربيع عام 2012. الكتاب بعنوان «لا يتعين على رئيس أن يتكلم هكذا».. عرف منذ نزوله إلى الأسواق يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي رواجا منقطع النظير، لأنه يكشف عن «الوجه المخبأ» لهولاند، ولتضمنه مجموعة من الأحكام القاسية بحق أقرب المقربين للرئيس الحالي. فهولاند يسخر من رئيس البرلمان كلود برتولون ومن وزيرة التعليم نجاة فالو بلقاسم ومن آخرين كثيرين. يصف الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بأنه «مهووس بجمع المال»، ويعتبر القضاة «جبناء» والفقراء «عديمي الأسنان»، ويشكو من الأعداد الكبيرة للمهاجرين في فرنسا ومن أن الإسلام يطرح مشكلة. وعن حياته الخاصة، ينبه رفيقة دربه الحالية جولي غاييه بألا تحلم بالزواج معه.
يرى كثيرون أن صدور الكتاب قضى على ما تبقى من صدقية للرئيس هولاند، لا بل إنه أصاب مستقبله السياسي بالضربة القاضية. لم يكن يكفيه تفرق مستشاريه في الإليزيه الواحد بعد الآخر بحثا عن كرسي بعيدا عنه بسبب اليقين المتجذر أن ساكنه الحالي لن يبقى فيه بعد الانتخابات الرئاسية في شهر مايو (أيار) المقبل. لكن الأهم من ذلك أن «النواة الصلبة» التي بقيت وفية لهولاند بدأت تتفتت إلى درجة أنه أصبح شبه عار سياسيا. فوزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون استقال من الحكومة ومنذ استقالته يهيئ نفسه لخوض الانتخابات الرئاسية، كما أنه لم يبخل بالانتقادات القاسية إلى عهد هولاند وطريقته في الحكم، علما بأن الرئيس هو ربيب نعمته. كذلك، فإن الجفاء وصل إلى الحزب الاشتراكي (حزب هولاند)، حيث لم يعد كبار الحزب يترددون في انتقاده علنا، ويعتبرون أنه لم يعد أهلا لتمثيل الحزب في الاستحقاقات القادمة. بيد أن أهم ما أصاب هولاند هو أن رئيس الحكومة مانويل فالس الذي دأب منذ شهور على تأكيد «إخلاصه» لهولاند ووقوفه وراءه في المنافسة الانتخابية أخذ هو الآخر يبتعد شيئا فشيئا عنه بسبب الكتاب المشار إليه. وآخر ما أسر به فالس لصحافيين تعبيره عن «الغضب» و«الخجل» مما ورد في الكتاب وتأكيده أن منصب الرئاسة يتطلب «ترفعا» و«أهلية»، ما يعني أن هولاند لا يتمتع بهما. وذهب فالس الذي لم يعد يخفي طموحاته الرئاسية إلى الحديث عن «واجبه» في أن يكون وفيا لـ«عائلته السياسية» أي للحزب الاشتراكي. وبحسب المراقبين السياسيين، فإن فالس وصل إلى قناعة مفادها بأنه لا يتعين أن تتحول هزيمة هولاند المؤكدة في الانتخابات إلى «انتحار جماعي» للاشتراكيين واليسار بشكل عام.
ما يقوله فالس أحيانا علنا وأحيانا أخرى في مجالسه يلخص الشعور العام للحزب بأن هولاند «انتهى». وهذا الكلام يستند إلى استطلاعات الرأي العام الفرنسي. فآخر استفتاء أجرته مؤسسة «بي في آي» لصالح «أورانج» يفيد بأن 89 في المائة من الفرنسيين لديهم رأي سلبي إزاء هولاند، وأن 15 في المائة فقط منهم يرغبون بأن يترشح لولاية ثانية. كما يفيد الاستطلاع أن شعبية هولاند لدى الاشتراكيين تراجعت إلى 46 في المائة لدى الاشتراكيين أنفسهم أي لدى حاضنته الشعبية الطبيعية. والأسوأ من ذلك كله أنه أكد أن هولاند يمكن أن يفوز بترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية، حيث ينافسه وزيران سابقان له، هما أرنو مونتبورغ «الأكثر خطورة»، وبونوا هامون «وكلاهما يمثل الخط اليساري للحزب». أما إذا سارت الأمور، وهي مستبعدة، لصالح هولاند، فإن الرئيس الحالي سيصاب بهزيمة مدوية، إذ إنه لن يكون قادرا على اجتياز الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية للتأهل للجولة الثانية، وبالتالي سيكون أول رئيس للجمهورية الفرنسية يفشل في الوصول إلى الدورة الثانية، حيث سيتواجه أحد مرشحي اليمين (الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة السابق ألان جوبيه) مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن. وهذه الأخيرة ستكون قادرة على هزيمة هولاند لو حصلت معجزة ووصل للجولة الثانية، بينما ستخسر السباق بوجه ساركوزي وجوبيه.
إزاء هذا الوضع، وإذا استمرت التوقعات على حالها ولم تحصل «الوثبة» الاقتصادية التي يراهن عليها هولاند لجهة تراجع البطالة وعودة النمو الاقتصادي، فإن هولاند سيجد نفسه في وضع يرغمه على الامتناع عن الترشح لتلافي هزيمة مهينة. صحيح أن رئيسي جمهورية سابقين أخفقا في الفوز بولاية ثانية (فاليري جيسكار ديستان عام 1981 ونيكولا ساركوزي عام 2012) لكن كليهما لم يخسر إلا بنسبة ضئيلة للغاية. أما أن يكون الرئيس المنتهية ولايته غير قادر على الوصول إلى الجولة الرئاسية الثانية، فهذا لم يعرف من قبل. وإذا ما حصل فعلا، فإن نتيجته ستكون بطبيعة الحال كارثية ليس فقط على مستقبل هولاند السياسي بل على الاشتراكيين واليسار وذلك لسنوات طويلة.
يرى كثيرون أن الغريب في ولاية هولاند أن الأخير عاجز عن الاستفادة مما تحقق في عهده من إنجازات اجتماعية ومن قدرة على الصمود بوجه الهجمات الإرهابية واتباع سياسة خارجية متشددة لا تخاف من التدخل العسكري المباشر، كما حصل في مالي وأفريقيا الوسطى والعراق وسوريا وليبيا.. وعند وصوله إلى الرئاسة وعقب الانتخابات التشريعية، أصبح اليسار الفرنسي ممسكا بالحكومة وبمجلسي النواب والشيوخ وبغالبية المناطق والمدن الكبرى. ومنذ أربع سنوات ونصف السنة، خسر اليسار جميع الانتخابات التي جرت، وها هو ذا يتوجه نحو خسارة رئاسة الجمهورية. فمن سقوط إلى سقوط، أصبح الخوف الآن أن تكون الاستحقاقات القادمة مدخلا إلى الاندثار السياسي لسنوات طويلة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».